الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عودة «الزير» الإيراني إلى فلسطين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عاد الإيرانيون بسرعة البرق إلى فلسطين بعد أن فرغوا، أو كادوا، من إنجاز المذابح بسوريا من القلمون إلى حلب. وللعودة سببان رئيسان: لفت الانتباه عن المذابح فى سوريا والعراق والهزائم فى اليمن، والتصدى لحملات إدارة ترامب على طهران فى قضايا النووى والصواريخ الباليستية والعدوان على المنطقة.
منذ أواخر تسعينيات القرن الماضى، تواصل الإيرانيون مع «حماس» مباشرةً، بعد أن كان التواصُلُ مقصورًا على «حزب الله». وكانوا منذ الثمانينيات يرعون تنظيم «الجهاد الإسلامى»، الذى أنشأوه منذ البداية. ومن هذين الطريقين: طريق «حزب الله» والجهاديين الفلسطينيين، وطريق التغلغل بالعراق بعد الغزو الأميركى، دخلوا بالإضافة للعراق إلى عدة دولٍ عربيةٍ وإسلامية، وأنشأوا تنظيمات، ونشروا المذهب حتى فى غزة التى اهتدى عشراتٌ من أبنائها إلى مذهب «أهل البيت»! ومن دون تطويل وتفصيل، فإن إيران استفادت واستمتعت بهذا «الخراب الجميل» الذى أحدثته فى كل مكان، وصارت تفتخر بالاستيلاء على أربع عواصم عربية: بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء! لكنها، وهى تفعل ذلك، ومنذ حرب عام ٢٠٠٦ غادرت الساحة الفلسطينية إلا فى الإعلام، بحيث صار واضحًا وفاضحًا أن تلك المغادرة (باستثناء دعم المتشيِّعة) سببُها التوافُق المتدرج مع إدارة أوباما على تسوية المشكلات مع أميركا مقابل عدم التعرض لأمن إسرائيل! وقد شكا أنصار إيران الفلسطينيون من ذلك، وما اقتصرت الشكوى على «حماس»، بل تعدتها إلى «الجهاد الإسلامى». وبالطبع، فهؤلاء عندما كانوا يشكون ما كانوا يجرؤون على ربط تغير الموقف الإيرانى بالاتفاق غير المعلن مع أميركا، بل كانوا ينسبون ذلك إلى موقفهم «الصامد» فى سوريا بعدم دعم نظام الأسد، بخلاف ما صنعه ويصنعه أحمد جبريل، وأنهم بذلك أغضبوا سليمانى ونصرالله اللذين كانا يقاتلان هناك بميليشياتهم والميليشيات العراقية والأفغانية! المهم أنّ فلسطين عادت الآن لتكون رايةً مزورة، ومشجبًا تعلّق عليه إيران مطامحها وآمالها ومشاكلها القديمة والمستجدة. وهذا ما حصل فى مؤتمر طهران الأخير لدعم المقاومة، والذى شتم فيه الجميع أميركا (وبالطبع إسرائيل) بمن فى ذلك نبيه برى، رئيس مجلس النواب اللبنانى. وفى الاجتماع المذكور تحدث خامنئى عن دعم (أو العودة لدعم) المقاومين فى فلسطين، وهجران الذين لا يفعلون ذلك. واختلطت الشتائم لأميركا وللعرب وللسلطة الفلسطينية المستسلمة، بالثناء على إيران، باعتبارها مصدر الخير والبركة والتحرير كما زعم الأمين العام المساعد لـ«حزب الله»! واللافت أنّ رمضان شلَّح، الأمين العام لمنظمة «الجهاد الإسلامى»، كان أشدّ الشاتمين للسلطة الفلسطينية المتآمرة على المقاومة، وأبلغ الداعين لتوحيد جبهات المقاومة، بعد الثناء العطِر على «الجمهورية الإسلامية» ومواقفها فى دعم الشعب الفلسطينى. وشلَّح نفسه (وليس «حماس» فقط) كان لما قبل عام ونصف العام بين أشدّ الناعين على طهران تخليها عن فلسطين لصالح الانهماك فى الحرب على الشعب السوري!
هل كان الخلاف إذن خلافًا بين أصدقاء، وستتبع «حماس» تنظيم الجهاد فى هذا الموقف، إذا رفعت إيران منسوب الدعم لها؟ قبل عام ونيف ذهب شلَّح إلى طهران وأعلن بطريقة موارِبة عن عودة الدعم بعد أربع سنوات من الانقطاع. ولا يرجع ذلك إلى أنّ إيران عادت إلى استراتيجيات التحرير المعهودة، بقدر ما يعود (فى حالة الجهاد بالذات) إلى أنّ هذه التنظيمات لديها جهاز ضخم من المقاتلين وأهاليهم، وأهالى الشهداء، والأعمال الإعلامية فى لبنان وغيره، وهو جهازٌ يفترس الإمكانات افتراسًا، ويحتاج إلى فرائس كل يوم. وإذا كانت «حماس» تتغطى بغزة وبالدعم القطرى جزئيًا، فإنّ «الجهاد» مواردها جميعًا من إيران. والمنتظر الآن أن تقوم إيران عبر الجهاديين الفلسطينيين، أو عبر «حزب الله»، بإطلاق صواريخ أو إجراء عمليات. والمرجح، رغم تهديدات الأمين العام لـ«حزب الله»، أن يقوم الفلسطينيون التابعون لإيران بهذا الواجب الجهادى، وإلا فقد يجرب «حزب الله» حظه.
أذكر أننى قرأتُ بجريدة الأهرام فى الستينيات قصة لتوفيق الحكيم اسمها «حكاية الزير»، وهو مستوعَب كبير للمياه أقامه الوالى فى إحدى الساحات، وأنشأ له إدارة ضخمة لإمداد الناس بالمياه العذبة. وتخربت بعد فترة تقنيات الإمداد، وبقى الزير الضخم الفارغ، وظلت الإدارة الضخمة التى أُنشئت لإدارته. إدارةُ الزير هى الباقية من منظمات التحرير التى عادت إيران لإمدادها ببعض الإمكانات، وليس المياه، ولكى يستمر الجهاز، وليس من أجل التحرير، بل لكى يكون جزءًا من الدعاية الإيرانية!
نقلًا عن الاتحاد الإماراتى