السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

احذروا "الشخصنة" وقتل الرموز

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يظل ‏مسعى الخصوم والأعداء، دومًا، محاولة تحطيم الرموز التى تستلهم منها الشعوب سلوكها العام وتعزيز قيمها، لذلك صار ديدن بعض الجهات التى تعمل على تخريب المنظومات الرمزية للبلدان ومحاولة إسقاطها، و‏الرموز فى أى بلد من بلدان العالم، تعطى مرتكزات انتماء روحية وعاطفية للشعوب، وتجعلها ملتصقة بأوطانها، لن يثنيها عن محبتها غريب، يسعى للفرقة والنفاذ إلى أمننا الوطنى والقومى، لأنهم يعلمون أن ‏الرموز الوطنية والقومية حالة انتماء للذات العليا للناس، لا ينال منها إلا غريب مندس أو مغرر قابض، أو عدو متخفٍ، أو طابور خامس يريد النيل من وجدان الأمة. أسوق ذلك وأنا أتطلع لمحاولة يائسة لتشويه صور زعماء ومثقفين وفنانين كبار، فما الفائدة التى يجنيها البعض من محاولة تشويه صورة سيدة الغناء العربى أم كلثوم، مثلًا، وهى أيقونة الفن فى ذاكرتنا ووجداننا بمحاولات إلصاق تهم باطلة إليها، أية عقول مخربة تسعى لتشويه صور أم كلثوم وعبدالوهاب وأسمهان ونجيب محفوظ وسواهم من رموز الثقافة والفنون العربية. 
‏فكروا قليلًا.. وقبلها ‏تخيلوا فرنسا بلا ديغول وسارتر، وبريطانيا بلا تشرشل وشكسبير، وأمريكا بلا جورج واشنطن، والصين بلا ماو ستيونغ، وكوبا بلا كاسترو، ومصر بلا عبدالناصر.
‏الأمم بلا رموزها وأيقوناتها تصبح بلا ملامح،‏ بلا تاريخ، بلا معنى، العرب أمة معانٍ، ولغتها محيط، وتاريخها زاخر بالأمجاد، ورموزها تفاخر الأمم. إن ‏الأزمة التى سببتها وسائط التواصل، رغم فوائدها معرفيًا واتصاليًا، فإنها تكاد تكون قد سفّهت ثقافة الأفراد، وعزلتهم عن دائرة «الرأى العام» حول قضايا تهم المجتمع عمومًا، والذى يجعلهم شركاء فى المعانى العامة.
فمن المهم أن يتيقن أى جيل بأن ‏الدفاع عن الأوطان حتى الموت والشهادة، المسوغ الوحيد لشن الحروب أو خوضها، فلا معنى لحياة فى أوطان منتهكة، مدنسة بأقدام الغزاة. 
‏هذا الجيل لا يعرف مغزى «الشخصنة» التى يسمونها فى فقه العلوم السلوكية محرك الأفعال اللاحقة تجاه البلدان، وهى محاولة تركيز الصراع والحرب على شخص بعينه، هو رمز الدولة وعنوان قوتها، وكأنها قضية عادلة لشن الحرب، أو ذريعة للعدوان، وأن ‏صياغة «الشخصنة» وتحضيرها تقف وراءها حملات دعائية وحرب نفسية وحملات من الأكاذيب وملفات وتهويل وإغراء وأموال، وتناغم إعلامى ومحطات وإذاعات وأموال نافذة، وللأسف فإن ‏المختصين العرب فى العلوم السلوكية لم يتصدّوا بفاعلية لفكرة «الشخصنة» وتأصيلها كمفهوم وحركة، وتركوا الناس ضحايا للتهويل الدعائي، والحرب النفسية والغزو الفكري.
وفى الحقيقة، فإن الناس ما زالت، وستبقى، تفكر بالرمز ودلالاته، ومعانيه والقيم المتخفية وراءه، فى السياسة: الرمز هو مغزى النزاهة والوطنية والإقدام والتضحية ونكران الذات والرمز فى الثقافة: المعنى والمغزى والعمق، والأفكار والنسق المعرفى واللغة العالية، والتوقد، والتفسير والتحليل والعلاقات الارتباطية والرمز فى الفن يعني: الجودة والإخلاص والمشاعر والعواطف الجياشة، والإبهار، والإيقاع الروحي، والتناغم مع الآخر، والحب والمودة واللقيا الروحية والرمز فى العلوم والأكاديميات: التوقد، والأفكار والحلول والمعالجات والدراسات النافعة وتقيم الظواهر ‏وتفسير أداء الأنظمة والدول والتعاملات والعلاقات.
إن ‏إسقاط الرموز والنيل منها محاولات يخطط لها الخصوم والأعداء، ويتحينون الفرص لالتقاط أخطائهم، ويسعون لتهويلها وينشئون أجهزة وينفقون أموالًا لذلك، وهنا تكمن مهمة المؤسسات الوطنية والكتاب الوطنيين والقوميين، للتذكير الدائم دون هوادة بقيمة الدفاع عن رموز الأمة وصونهم والتحصين المستمر من الفكر الشعوبى، خاصة الذي يسعى للنيل من كل ما هو قومى وطنى، وزرع ثقافة جلد الذات، ليبث القنوط والعجز والكسل، وعدم المواجهة والتصدى. 
وهنا أسوق مثلًا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وهو يوجه القياديين من شعبه: 
‏«إن الجيل الجديد يجب أن يعرف كم قاسى الجيل الذى سبقه؛ لأن ذلك يزيده صلابة وصبرًا وجهادًا لمواصلة المسيرة التى بدأها الآباء والأجداد». وهكذا يستمر التحدى بين ثوابت الوطن والأمة وتناغم الجيل الجديد الذى ينبغى أن يعرف قيمة التحديات.