الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

تطبيق "صراحة" يثير الجدل بين المثقفين.. عبد الرحمن: ليس بريئًا.. الشحات: الباحثون عنه وقعوا ضحية التقاليع.. شحاتة: المثقف غير صريح.. وعبدالقوي: يجب أن نصدق أنفسنا أولًا

تطبيق صراحة
تطبيق "صراحة"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في يوم وليلة أصبح موقع "صراحة"، الموقع الأشهر في الوطن العربي، عقب أن قام مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بتداول حسابات خاصة بهم على الموقع وطالبوا أصدقاءهم بإرسال آرائهم لهم بكل صراحة دون أن يظهر اسم المرسل.
الموقع عبارة عن موقع إلكتروني لغته هي العربية شبيه بالتطبيقات، وتشبه فكرته نفس أفكار مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة حيث يمكن لأي شخص إرسال رسالة دون ظهور هويته، وقد نشأ في نوفمبر عام 2016، وتم تأسيسه بواسطة مبرمج سعودي اسمه زين العابدين توفيق.
وتجاوزت أعداد المتابعين للموقع قد تجاوز 7.5 مليون ونصف شخص رغم انطلاقه منذ ثلاثة أشهر فقط، وتأتي مصر في المرتبة الأولي في استخدام الموقع تليها السعودية ثم دولة تونس، فيما تستخدمه عدة دول عربية وأجنبية أخرى.
"البوابة نيوز" استطلعت آراء عدد من الكتاب والمثقفين حول تفسيرهم لهذه الظاهرة، وتقييمهم للتقليعة الوليدة، محاولين أن نرصد طبيعة النفسية للمثقف الحالي هل يتمتع بالصراحة الكافية في متابعة قضايا الشأن العام أم أن استخدامهم للرمز والإسقاط في أعمالهم تطغى على حياتهم.. 
الروائي الكبير عاطف عبدالرحمن، علق قائلا: إن الشهرة السريعة التي حصل عليها موقع صراحة تشبه الشهرة التي حصل عليها البوكيمون منذ فترة ليست بالبعيدة، موضحًا أن هذه الظواهر لا تعبر في جوهرها إلا عن فراغ ثقافي لدى عدد كبير من مستخدمي هذه المواقع والألعاب يستغلها البعض استغلالًا ليس بريئًا على الدوام.
وأضاف عبدالرحمن في تصريحات لـ"البوابة نيوز": هذا النوع من المواقع يستغل الفراغ الثقافي في محاولة لتحديد الاتجاهات والأساليب التي يمكن بها قياس والتعامل مع الجمهور الموجه إليه مثل هذه الألعاب والمواقع.
وأعرب عن اعتقاده بأنه ليس شيئًا من قبيل شغل وقت الفراغ، ولكنه فرصة لدراسة شخصية جيل أو شعب أو جمهور مستهدف، وأرجو وأتمنى أن يكون هناك من يعي خطورة ذلك.
وتابع: هناك الكثير من العاملين في حقل الثقافة وفي الوسط الثقافي لا يتعاملون بالصراحة الكافية حرصًا على مصالح ضيقة وشخصية، وإن كان هذا لا ينفي وجود المثقف الصريح والذي يدفع ثمن صراحته ربما من قوت يومه أو من صحته.
ووجه عبدالرحمن رسالة للكثير ممن يعملون في الحقل الثقافي بمناسبة تلك "الصراحة"، قائلًا لهم: حاولوا فقط أن تضعوا مصلحة بلدانكم قبل أي شيء آخر، عندها سيكون للعمل الثقافي معنى.
وحول مدى الصدق في الوسط الأدبي علق الشاعر سعيد شحاتة؛ متسائلا: هل يعقل أن يكون المثقف الحالي صريحًا إلى هذا الحد!؛ مضيفا: الصراحة لا تحتاج إلى توازنات ولا إلى إمساك العصا من المنتصف، ولا إلى المجاملة من أجل المصلحة، فالصراحة موقف وقد ندر أصحاب المواقف يا عزيزي.
وأضاف شحاتة: ما رأيناه وشاهدناه من صراخ البعض في الفترات السابقة لم يكن إلا للحفاظ على مكسب أو لنيل مكسب وهذا اتضح حينما وصل بعضهم إلى مناصب وداسوا على رقاب الخلق بحجة القانون الذي انتهكوه قبل وبعد. 
وتابع شحاتة: كان لدينا في دائرة فوة ومطوبس عضو مجلس شعب كلما وقف على المنصة أمام الناس بدأ كلامه بـ(حقيقة أود أن أقول لكم) وكلما سمعت منه هذه الجملة أقسم إنه طالما بدأ كلامه بـ(حقيقة) سيبدأ في معزوفة الكذب، وهذا الأمر ينطبق على كل من يحدثني ويبدأ كلامه بلفظة (بصراحة، للأمانة) هي مقدمات لتغليف الكذب.. فالصراحة لا تحتاج إلى موقع ولا إلى مقدمات.
أما الكاتب الروائي مصطفى البلكي علق على انتشار التطبيق فقال: أى شيء يكون خارج أطر المعقول الذي يمكنه كسر كل قاعدة ملهمة هو أمر بغيض لا يؤسس لحياة واضحة، بل ينشر القبح، ويعمل على طمس الجمال، وبالتالي يهدم في القيم والمثل.
وحول استغلال هذا التطبيق في إرسال بعض الرسائل الخارجة قال البلكي: إن انتشار هذا الأمر يعود لتراجع فكرة الإنسانية، وتلك الكلمة هي سر الحياة، فمن يدرك وجعي هو الإنسان، هو من يشاركني، من في مقدرته أن يرمم معي ما تهدم، ومن يجعلني أستعيد علاقتي مع الحياة بعد كل مرة أكسر فيها، أما من يكون عامل هدم حتى لو بكلمة فهو مفارق لروح الإنسان.
وحول الصراحة في حياة المثقف قال البلكي: أنا لا أحب المشاركة في مثل هذا الفعل، لأني أولا أدرك أن العلاقات تبني بالحب، بالإضافة لا بالخصم، والمثقف هو في النهاية إنسان، به كل خصاله، تجده يفكر بطريقة وحينما يأتي دور التنفيذ ينفذ بطريقة أخرى، وكأنه كان في حلم، هذه الصورة لها من يخالفها، وهؤلاء هم الذين يقبضون على جمر الكلمة، تكون كما هي في الخفاء والعلن، ولم لا والكلمة مستودعها بين النار والنور.
من جانبه علق الشاعر محمد الشحات محمد، قائلا: من منا لا يعشق الصراحة، ويهمه آراء الآخرين فيه بصراحة، ولعلها تكون النصيحة والتقييم والتقويم، ومن منا لا يناور أحيانا بحجة تسييس الأمور أو الترميز إن لم يكن خوفا من البطش أو لظروف خاصة؟ 
وأضاف محمد: أن إشكالية الموازنة بين النقيضين تحتاج إلى مقدرة وثقافة تجمع بين التراث والمعاصر والتجريب المحلق في عوالم تتجاوز الواقع والتصورات الذهنية أو الحساسية العامة للمجتمع، ولأن هذه المقدرة لا تتوفر في عدد كبير من المثقفين، ومن ثم في العوام، فسيكون صعبا على معظمهم الموازنة أو حتى المواربة والمقاربة بين البدايات، فما حال النهايات.
وتابع: أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمعارك العالمية الملونة جعلت الكثيرين يهربون إلى العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي، ويكسرون الثوابت، ويخلطون بين الكينونة والمفاهيم، بل ومنهم من يعيش خلف الشاشة بشخصية مناقضة تماما لشخصيته في الواقع، ما يجعله تنفيسا عن فوضى أصابت كبد الحقيقة، وأثارت الفضول نحو البعيد من وجهة نظرهم.
واستطرد: لأن الصراحة راحة، والراحة تبعد كثيرا كلما زادت الفوضى وتولى الروبيضة مقاليد الحديث، واختل ميزان العدالة وهلكت منظومة التعليم، وانتشر الفساد، فقد سقط الباحثون عن الصراحة ضحية التقليعات التجارية، ومن هذه التقليعات "تطبيق صراحة" الذي عرف مدخل الناس في هذه الآونة، وطلب نشر الآراء بصراحة مجانية لفترة ما حتى يشتريه أحد رجال الأعمال بعد ذلك ليكون بمقابل مادي أو يكون أداة استخباراتية جديدة.
وواصل: لأن التوتر النفسي والانفلات الأخلاقي بحاجة إلى إعادة ضبط ومراجعة، فقد زاد عدد المشتركين في هذا الموقع حتى أصبح الموقع الأشهر عربيا، وليس عالميا بسبب التهافت وغياب الوعي، مع الآراء والتعليقات المنشورة مستثمرين فرصة إخفاء الاسم، ما يؤكد سطوة التعتيم واعتياده بعد تكراره حتى أصبح سلوكًا واقعيا تنعكس صورته على مرايا الفضاء الافتراضي، وإن كان ذلك لن يستمر طويلًا.
في حين علق الشاعر محمد عبدالقوي حسن، قائلًا: "لو قدر لي أن أرسل رسالة بكل صراحة فستكون للمسئولين بوزارة الثقافة في كل هيئاتها المختلفة، وسأقول لهم لقد دمرتم كل شىء له قيمة فى مصر وأنتم السبب الرئيسي فى تفشي الإرهاب فى مصر، لأنكم تقتلون المواهب الحقيقية ووزعتم حقوق الأدباء على بعضكم البعض".
وحول الصراحة في الوسط الأدبي قال عبدالقوي: "الصدق الفنى شىء والصراحة في الشأن العام شىء آخر، والحبكة فى الإبداع شىء والصورة الرمزية شىء آخر، وقديما قالوا إن أعذب الشعر أكذبه، وأنا أقول إن أجمل الشعر أصدقه، والصدق الفنى مهم فى اإبداع فنحن مطالبون أن نصدق أنفسنا أوًﻻ حتى يصدقنا الآخرون.