الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تغيير الوزراء وحده لا يكفي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مطلوب خطط لتغيير العقليات والسياسات، لاستيعاب ما يحدث فى البلد.. عملية التعديل الوزارى من المفروض أنها تحقق للحكومة تجديدًا فى روافد العمل، سواء من ناحية ضخ الأفكار أو الممارسة على الأرض. 
التعديل تلجأ إليه الحكومة -غالبًا- عندما تستشعر بأن هناك هبوطًا فى أسهمها بالشارع، وفى نفس الوقت تحاول أن تقلل من الاحتقان الشعبى تجاه أدائها، بمعنى أبسط: التغييرات الوزارية غالبًا ما تكون اضطرارية، وبناء على طلب الجمهور. 
بالطبع لا يمكن الحكم على التغيير الوزارى الأخير بحكومة المهندس شريف إسماعيل، وليس من العدل أن نشغل أنفسنا بتجارب سابقة لوزراء سابقين فى مراحل سابقة، لأن هناك فروقًا بين إدارة مشروع أو ملف أو حتى قطاع ومشاكل وزارة بأكملها، ومن ثم ففشل وزير فى إدارة سابقة، لا يعنى أنه سيفشل فى تجربة أخرى. 
القضية التى تواجه البلد بشكل عام يتحدد فى سؤال: هل التغيير الملح والمطلوب يكون فقط فى مناصب الوزراء أم فى المستويات الأقل؟ سؤال رغم أنه روتينى، ولكنه أصبح مفروضًا علىّ إذا أردنا أن نغير أوضاعنا الآن.
لنتفق منذ البداية على أن التغيير يجب أن يبدأ من أسفل إلى أعلى، أو من أسفل وأعلى فى آن واحد، لكن المهم هو أن نبدأ من أسفل من مجموعة التنفيذيين.. لماذا؟ لأن هؤلاء التنفيذيين هم حائط الصد الأول للدولة والحكومة أمام المواطنين.. أنا وأنت وأى مواطن فى الشارع لا يتعامل مع المهندس شريف إسماعيل، أو مع وزير الكهرباء مثلًا بل نتعامل مع موظف الحى ومحصل الكهرباء والمشرف على عمال النظافة... إلخ.
قد يكون موظف المحليات هو المعرقل، وهنا المشكلة لأن عرقلة موظف المحليات تترجم عمليًا عند المواطن أن الدولة غير مهتمة، ولا تقدم له خدمة جيدة، ومن ثم تصبح مشكلته مع الحكومة، بل ومع الدولة. هذا التصادم بين المواطن والموظف يخلق إشكالية تدفع الحكومة ثمنًا لها، وليس الوزير نفسه، وهذا يؤكد أن مشاكلنا معظمها صناعة «موظف»، والعلاقة معه هى ما تشكل المزاج العام للمواطن سلبًا أو إيجابًا، وغضب الشعب لم يكن من وزير، ولكن من سلوكيات موظفين.. لذا فمن الناحية العملية التغيير الفعال والحقيقى يجب أن يبدأ من «أسفل» من موظف الحى ومحصل الكهرباء وغيرهم.
بالمناسبة تغيير هؤلاء لا يعنى تغيير أشخاصهم، بل تغييره بهدف خلق روح جديدة لدى «الموظف»، روح مرنة تمكنه من تبسيط وتيسير الأمور للمواطن بدلًا من تعقيدها.
ما ينقصنا فعليًا هو «الموظف» المحترف فى مختلف الجوانب، فى مهنته وفى سلوكيات تعامله مع المواطن.
ثمة توجه آخر يقول إن التغيير يجب أن يكون من فوق أى الوزراء، والمبرر أن تلك الشريحة هى التى تضع السياسات، والموظف مجرد منفذ لهذه السياسات، لذلك وفق هذا التصور فالمشاكل التى تواجه المواطن هى بالأساس عيب وزير لم يتمكن من خلق استراتيجية مرنة فى وزارته، تمكن موظفيه من تيسير الأمور والخدمات للمواطن.
من خلال التجربة أجد ضرورة أن يكون هناك تغيير متوازٍ بشأن الوزير أو ما هو أدنى، وأعتقد أن غياب الرقابة، ومطاطية اللوائح، وعدم وجود خطوط واضحة، بل وازدواجية بشأن تطبيق القوانين، أضاعت وصعبت تحديد الأخطاء أو المتسبب فيها، والدليل هنا أن الموظف قد يصعب مشكلة ويرفض حلها أو منح التراخيص فيها، ويمنحها لغيرك.. انظر إلى حجم الفوضى التى يشهدها الشارع من استثناءات أو موافقات بمنح المخالف فرصة لجعل المخالفة أمرًا واقعيًا يصعب حله كما فى عملية بناء عمارات شاهقة استمر العمل فيها شهورًا دون أدنى اهتمام أو مراقبة من المحليات أو الحى، فى الوقت الذى تعلن حالة الطوارئ فيما لو أن مواطنًا بسيطًا ارتكب خطأ بفتح نافذة دون الحصول على ترخيص. 
الأمر المؤكد أننا نعيش كابوسًا يجب أن نستيقظ منه أؤمن بأن تغيير الوزراء ليس الحل، بل أراه مسكِّنًا لامتصاص الغضب من تراجع أداء الحكومة وتراجع حالة الرضا، وأخشى أن يكون التغيير لامتصاص غضب تلك الشريحة، نعم أطلب تغيير سياسات، وأيضا الفكر لدى الموظف ومراجعة القوانين لتوحيدها، وعدالة التطبيق، أي يطبق على الجميع وليس على الغلابة والبسطاء، مطلوب إلغاء الواسطة والمحسوبية والباشا والبيه من قاموس تعاملنا، عاوزين تغيير يضرب كل ما فى البلد أو يقيم فيها. 
مش معقول –مثلًا- نوقع عقود استثمار على بيع مشروع، ثم كحكومة نسمح للقضاء الإدارى أن يلغى المشروع لوجود خطأ وقع فيه موظف مرتشٍ مثلًا، كده عملية نصب رسمى.. المفترض أن هناك من وضع الشروط وباع كراسة، وفى حضور مندوب من عدد من الجهات الرقابية، يتم فتح المظاريف الفنية والمالية، ثم تتم الترسية، والواجب فى هذه الحالة أن من تلاعب بهذه الشروط ووضع الحكومة فى مأزق أمام القضاء الإدارى أن يعاقب، بل يُعتقل. 
لا المستثمر المصرى أو الأجنبى يمكن أن يضع أمواله فى ظل مناخ فوضوى مثل هذا.. كارثة أن يتعطل الاستثمار فى بلد كمصر لأننا لا نطبق قانونًا رادعًا على الموظف المرتشى، ومن ثم نظل «محلك سر». تغيير السياسات أولًا.. ثم يأتى تغيير الأشخاص فى المرتبة الثانية أو الثالثة.. زى ما تحبوا.