الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

حسنين هيكل.. "الأستاذ"

محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يغب رغم رحيله؛ لم يختف تأثيره رغم صمته؛ لم يخفت بريقه رغم غيابه؛ لم يتبار "سحرة فرعون" في إحياء الذكرى الأولى لرحيل "كبيرهم الذي علمهم السحر" رغم أنه لن يعود ينافسهم.. عام كامل اختفى خلاله "الأستاذ" تحت التراب إلا أنه ما زال يحتل الصدارة ويمثل المصداقية في أبهى صورها، إنه محمد حسنين هيكل وكفى.
لم يكن الكاتب الصحفي الأول على المستوى المصري والعربي فقط وإنما كان "شبح" يطارد كل من تسول له نفسه تهديد مستقبل الشعب المصري؛ وقد كانت حياة "هيكل" العملية بمثابة البوصلة التي يمكن أن تقيس بها توجه الأنظمة الحاكمة، ومدى عملها على تحقيق طموح الشعب في حياة كريمة، لأنه لم يكن مجرد "جورنالجي" يمارس الصحافة وإنما احتك بالعملية السياسية، ولعب أدوارا كثيرة يختلط فيها ما هو صحافة بما هو سياسة ورغم ذلك لم يكن يفضل إلا أن يوصف بـ"الكاتب الصحفى".
البداية..
ولد محمد حسنين هيكل في عام 1923 في حي الحسين، بالقاهرة، وكان والده تاجر حبوب من ديروط، محافظة أسيوط بصعيد مصر، وكان هيكل يطمح لأن يصبح طبيبا لكن ظروفه لم تسمح له بغير الدراسة في مدرسة التجارة المتوسطة. وقرر هيكل مواصلة دراسته في القسم الاوروبي بالجامعة الأمريكية، وخلال فترة دراسته تعرف على سكوت واطسون الصحفي المعروف وقتئذ بالإيجيبشان جازيت، والذي استطاع عن طريقه أن يلتحق بالجريدة في 8 فبراير 1942، صحفيا تحت التمرين بقسم المحليات وكانت مهمته جمع أخبار الحوادث. وكان هيكل وقتها في التاسعة عشرة من عمره، ووقتها أيضا كانت الحرب العالمية الثانية قد اشتعلت، وكان من قدر مصر أن تخوض رغما عنها حربا لا ناقة لها فيها ولا جمل، وفي ذلك الوقت كانت الإيجيبشان جازيت هي المطبوعة الأجنبية الأولى في مصر، وكان من يكتبون فيها ملء السمع والبصر، منهم مثلا جورج أرويل ولورانس داريل ووايف كوري ابنة مير كوري مكتشفة اليورانيوم، أما رئيس تحريرها فكان كاتبا لا يقل قدرا عن هؤلاء هو هارولد إيرل.
بين فتيات الليل والحرب العالمية..
حقق هيكل أول خبطة صحفية في حياته في تلك الجريدة وكانت خاصة بفتيات الليل، إذ حدث في تلك الفترة أن أصدر عبدالحميد حقي وزير الشؤون الاجتماعية وقتها قرارًا بإلغاء البغاء رسميًا في مصر، وكان سبب هذا القرار إصابة عدد من جنود الحلفاء بالأمراض التي انتقلت إليهم من فتيات الليل، فكان أن اتفق الإنجليز وحكومة الوفد على إصدار القرار الذي أثار الجنود، كما أثار فتيات الليل وتم تكليف هيكل بلقاء فتيات الليل حيث حصل منهن على معلومات خطيرة هزت الرأى العام وقتها.
وبعد نجاح هيكل في تلك المهمة، كانت النقلة الأهم في حياته حين وقع عليه الاختيار ليذهب إلى العلمين ليغطي وقائع الحرب العالمية الدائرة هناك وبعدها سافر ليغطي الحرب في مالطا، ثم إلى باريس التي التقي فيها بالسيدة فاطمة اليوسف صاحبة مجلة "روز اليوسف"، والتي قررت أن تضم الصحافي الموهوب إلى مجلتها، ليصبح هيكل في عام 1944 صحافيًا في مجلة "روز اليوسف"، وهناك تعرف على محمد التابعي، لينتقل معه إلى صفحات "آخر ساعة".
محطة "آخر ساعة"..
وتحت إدارة التوأم مصطفى وعلى أمين قدم هيكل أبرع فنونه الصحافية وكتب في 13 أغسطس 1947 ما جعله حديث مصر، حيث قدم تقارير مصورة عن "خط الصعيد"، ولم ينته عام 1947 حتى اخترق هيكل وباء الكوليرا ليكتب تحقيقًا عن قرية "القرين" التي لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب منها، وهكذا كان طبيعيًا أن يحصل الصحفي الشاب محمد حسنين هيكل عن جدارة على "جائزة فاروق"، أرفع الجوائز الصحافية بمصر في ذلك الوقت.
انتقل هيكل بعد ذلك للعمل بجريدة "أخبار اليوم" ومع التوأم على ومصطفى أمين والتي شهدت انفرادات هيكل، من تغطيته لحرب فلسطين إلى انقلابات سوريا، ومن ثورة محمد مصدق في إيران إلى صراع الويسكي والحبرة في تركيا، ومن اغتيال الملك عبدالله في القدس إلى اغتيال رياض الصلح في عمان واغتيال حسني الزعيم في دمشق.
في 18 يونيو 1952، فوجئ قراء مجلة "آخر ساعة" بعلي أمين رئيس تحرير المجلة يخصص مقاله للحديث عن هيكل، وينهيه بأنه قرر أن يقدم استقالته ويقدم هيكل رئيسًا للتحرير، وهكذا أصبح هيكل رئيسًا لتحرير "آخر ساعة"، ولم يكن تجاوز التاسعة والعشرين من عمره.
بين الصحافة والسياسة..
اقترب هيكل من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وعلى هامش هذا الاقتراب دخل هيكل فى جملة من المعارك مع أبناء المهنة كانت أبرزها مع الراحلين مصطفى أمين وعلي أمين بسبب الوثائق التى نشرها هيكل فى كتابه الشهير "بين الصحافة والسياسة" وتضمنت اتهامات لمصطفى أمين بالتجسس لصالح أمريكا وظلت المعركة قائمة بين الاثنين حتى رحيل مصطفى أمين عن الحياة.
بعد قيام ثورة 23 يوليو 1956 ازدادت العلاقة قربا بين جمال عبد الناصر وهيكل ليصبح بعد فترة المتحدث الرسمي باسم حركة الضباط الأحرار، وليكون أحد صناع تاريخ مصر بعد ثورة يوليو، وصاحب البصمة الواضحة في تاريخ مصر، وفي تاريخ الصحافة المصرية والعربية، والذي أعطى صحيفة الأهرام شكلها الحالي لتصبح أكبر المؤسسات الصحفية في العالم العربي.
نفي هيكل..
وبعد وفاة ناصر وانتقال السلطة إلى أنور السادات الذي سانده هيكل للتغلب على من أسماهم بمراكز القوى، رغم أن هيكل في النصف الثاني من السبعينيات كان خارج دوائر النفوذ؛ حيث أبعد بقرار رئاسي من الأهرام، فإنه لم ينته صحفيا كما توقع كثيرون وقتها، بل زادت نجوميته مخترقا الحواجز والقيود التي فرضتها عليه القيادة السياسية، ليصبح واحدا من أهم 11 صحفيا في العالم، تترجم كتبه إلى 31 لغة.
اعتزال..
وأعلن اعتزال الكتابة المنتظمة والعمل الصحفى في الثالث والعشرين من سبتمبر عام ٢٠٠٣م، بعد أن أتم عامه الثمانين وكان وقتها يكتب في مجلة "وجهات نظر" لكنه ظل يسهم في إلقاء الضوء بالتحليل والدراسة على تاريخ العرب المعاصر الوثيق الصلة بالواقع الراهن مستخدما منبرا جديدا غير الصحف والكتب، تمثل في شاشة الفضائيات الخاصة.
النهاية..
وفي مثل هذا اليوم الحزين من العام الماضي، لفظ "الأستاذ" آخر أنفاسه، عن عمر ناهز 93 عاما بعد صراع قصير مع المرض؛ وكانت حالته الصحية قد ساءت قبيل وفاته بثلاثة أسابيع، حين بدأ بالخضوع لعلاج مكثف في محاولة لإنقاذ حياته، بعد تعرضه لأزمة شديدة بدأت بمياه على الرئة رافقها فشل كلوي استدعى غسيل الكلى ثلاث مرات أسبوعيا.