الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إرهاصات ثورة 25 يناير «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قد مارس نظام مبارك القمع السياسى ضد خصومه السياسيين، وبالرغم من أنه ورث من عهد «السادات» نظاما سياسيا يقوم على التعددية السياسية المقيدة إلا أنه أمعن فى مجال تهميش كل أحزاب المعارضة، ليصبح الحزب الوطنى الديموقراطى أشبه بالحزب الواحد فى نظام شمولى أو سلطوى.
أما من الناحية الاقتصادية فقد مارس نظام «مبارك» سياسات تحت عنوان «الإصلاح الاقتصادى» أدت إلى نتائج كارثية بالنسبة للملايين ممن ينتمون إلى الطبقات الدنيا والوسطى؛ وذلك لأنه وفق سياسات «الليبرالية الجديدة» - التى تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولى وصندوق النقد الدولى - كان لا بد من تصفية القطاع العام تماما وبيعه بأبخس الأثمان للقطاع الخاص وتسريح آلاف العمال وإحالتهم إلى المعاش المبكر، بالإضافة إلى فتح الأبواب واسعة وعريضة أمام الاستثمار الرأسمالى الذى يقوم به رأسماليون مصريون أو عرب أو أجانب بدون رقابة واجبة من قبل الدولة، وفى ظل فساد معمم أدى إلى نهب أراضى الدولة وبيعها للمستثمرين بأسعار زهيدة فى مناخ يسوده الفساد، بالإضافة إلى شق المجتمع المصرى - نتيجة للإثراء بلا سبب لفئات قليلة من النخبة - إلى سكان المنتجعات من ناحية وسكان العشوائيات الذين وصل عددهم إلى الملايين من ناحية أخرى.
فإذا انتقلنا إلى السياسة الخارجية اكتشفنا أنه تم فى عهد «مبارك» ترسيخ علاقات التبعية الكاملة للولايات المتحدة الأمريكية بما لا يحقق بالضرورة المصلحة العليا المصرية، بالإضافة إلى انكماش مصر داخل حدودها وتخليها عن دورها المركزى فى إطارها الإقليمى العربى. لكل ذلك كان من المنطقى أن تتآكل شرعية نظام «مبارك» وتسود فى السنوات الأخيرة من حكمه مئات المظاهرات السياسية والإضرابات الاحتجاجية، مما مهد الطريق من بعد إلى اندلاع ثورة ٢٥ يناير التى قام بها شباب الثوار والتحم بها ملايين المصريين الذين تراكم فى نفوسهم السخط الشديد على سياسات النظام المنحرفة.
كل هذه الظواهر وثيقة الصلة بموضوع الشرعية السياسية التى يهتم علم السياسة بدراستها من زاوية نشأتها وتبلورها وزوالها، حين ينحرف النظام السياسى ويبتعد عن التعبير الحقيقى عن مصالح الجماهير العريضة.
١- عملية الاختمار الثوري
ليس هناك من شك فى أن ثورة ٢٥ يناير واجهت تحديات عظمى فى مشروعها الثورى للقضاء على النظام السلطوى الذى هيمن على الساحة السياسية لمدة ثلاثين عاما كاملة.
وأخطر هذه التحديات قاطبة هو كيف يمكن حشد الأنصار لفكرة الاحتجاج والانتفاض الثورى ضد النظام؟
ويمكن القول بناء على دراسة منهجية دقيقة إن مقدمات الثورة كانت لها صور بارزة فى مجال المجتمع الواقعى، وتجليات هامة فى ميدان الفضاء المعلوماتى.
ولعل أبرز المعارك ضد النظام السياسى القديم فى مجال المجتمع الواقعى تتمثل فى النقد السياسى العنيف للسياسات المطبقة وللظواهر السلبية التى أكدت أن الميراث البائس للنظام بعد ثلاثة عقود كاملة، هى استئثار القلة من رجال السياسة ورجال الأعمال الفاسدين بالنسبة الأعلى من معدل الدخل القومى، فى الوقت الذى غرق فيه ملايين المصريين فى الفقر، وعانت فيه الطبقة الوسطى وهى عمود المجتمع من الإفقار وتدنى أحوالها الاقتصادية.
ويمكن القول إن قادة النظام السابق قد سمحوا بهامش من حرية التعبير والنشر تحت ضغوط الدول الأجنبية التى نقدت الاستبداد السياسى السابق، نتيجة الترويج لأهمية الديموقراطية وحقوق الإنسان.
وقد ظن رموز النظام السياسى القديم بغبائهم وجهلهم، أن فتح الباب لحريات أوسع فى مجال الصحافة والنشر من شأنه أن ينفس عن الناس ويجعل بخار الغضب يتصاعد إلى عنان السماء، فى الوقت الذى يجاهد رموز الفساد السياسى والاقتصادى على إبقاء الحال على ما هو عليه.
بمعنى الاستمرار فى تطبيق برنامج الخصخصة لتدمير تراث القطاع العام الذى طالما أشبع الحاجات الأساسية للطبقات الوسطى والفقيرة، والنهب المنهجى لأراضى الدولة والإثراء الفاحش من عملية الاتجار فيها، بالإضافة إلى التلاعب فى البورصة وتحقيق أرباح خيالية تقدر بالمليارات لمجموعة محدودة من رجال الأعمال على حساب صغار المستثمرين.
غير أنه بالإضافة إلى التحقيقات الصحفية التى نشرت فى صحف المعارضة وحتى فى بعض الصحف القومية، ومن أبرزها جريدة «الأهرام» والتى كشفت عن مواطن متعددة للفساد، فإن مجموعة من الكتاب والمثقفين مارسوا النقد الاجتماعى المسئول للسياسات المنحرفة، ولم يكتفوا بالإشارة المحددة للانحرافات ولكنهم أعطوها التكييف الصحيح.
وإذا كان النقد الاجتماعى المسئول للسياسات المنحرفة للنظام السياسى السابق كان أحد الأسباب الرئيسية التى جعلت الثورة تختمر فى نفوس وعقول مئات الآلاف من الشباب الذين مارسوا التفاعل الاجتماعى باقتدار عبر شبكة الإنترنت، فمما لا شك فيه أن الحركات الاحتجاجية التى نشأت وأسست لحق التظاهر فى الشوارع، وأبرزها حركة «كفاية»، كانت من بين العوامل المؤثرة فى تحريك الشارع وتحويل البحيرة الراكدة للممارسة السياسية السلطوية إلى محيط زاخر بالأعاصير الثورية إن صح التعبير.
eyassin@ahram.org.eg