السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الذبح من البغدادي إلى ترامب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طبعاً كان غلاف مجلة «در شبيجل» الألمانية صادماً.. لكن... تعالوا نفكر قليلاً أمام هذا الرسم. ها هو دونالد ترامب، الذبّاح، قاطع رأس تمثال الحرية الشهير، رمز الليبرالية والانفتاح، الذى طالما كان أول ما يراه المهاجرون والقادمون من أصقاع الأرض عند وصولهم نيويورك، ومن بين أولئك الواصلين كان جدّ ترامب ووالده، وزوجته ميلانيا، عارضة الأزياء المهاجرة من سلوفينيا.
ترامب يقطع رأس التمثال الذى قدّمه الفرنسيون هدية إلى الشعب الأميركى بمناسبة الذكرى المئوية لثورته على الاستعمار البريطانى، التى ترافقت مع الثورة الفرنسية، فى إشارة إلى ترابط الأمم والمصالح ومصائر الشعوب، على عكس ما يسعى إليه ترامب اليوم، هو والفريق الانعزالى الذى يحيط به فى البيت الأبيض. السبيل الوحيد الذى يسلكه ترامب لتنفيذ سياساته الانعزالية (أمريكا أولاً) هو القطع. قطع الحدود، وقطع الاتصالات الهاتفية مع الحلفاء، وقطع السبل أمام المهاجرين واللاجئين، لمنعهم من الوصول إلى الأراضى الأمريكية، الأراضى التى كانت دائماً عنواناً يقصده اللاجئون والمشردون، هى التى تشكّل أهلها فى الأصل من مجموعات المهاجرين هؤلاء. والقطع يمكن أن يكون أيضاً قطع الرؤوس، أى الذبح. على طريقة «داعش» وذبّاحه الشهير محمد اموازى (الجهادى جون)، قاطع رؤوس الرهائن الأبرياء فى معتقلات أبو بكر البغدادى. هل من مبالغة فى المقارنة بين ترامب والبغدادي؟ ألا تتشابه الأفكار المتطرفة المعادية للآخر، بناء على جنسه أو دينه أو لونه؟ اتخاذ إجراء بموجب «أمر تنفيذى» بحق شعوب بالجملة، نساء وأطفالاً وشيوخاً، بحجة أن هناك احتمالاً أن يرتكب أى من هؤلاء ذنباً فى المستقبل، ألا يشبه ما ارتكبه «داعش» ولا يزال بحقّ شعوب بالجملة، مسلمة وغير مسلمة، بحجة أن مجرد بقائها على قيد الحياة يشكل تهديدًا لـ «فكره» المنحرف، فيهجّرها من مساكنها ويقضى على من يرفض الخروج أو الاستسلام أو الانضمام إلى صفوف التنظيم؟ كثير من المسئولين الغربيين حذّروا، وعن حق، من أن إجراءات دونالد ترامب تصبّ فى نهاية الأمر فى خدمة أفكار المتطرفين والداعين إلى قطع الجسور بين الأديان والثقافات على الضفة الأخرى من هذا الانقسام المريع. ومن بين هؤلاء وزيرة الداخلية البريطانية أمبير رود (أجل فى حكومة تيريزا ماي)، التى اعتبرت أن قرارات منع الهجرة من الدول السبع، من شأنها أن تزيد التعاطف مع الإرهابيين، وأن تقنعهم بأن عداءهم للغرب ولأتباع الديانة المسيحية تحديدًا هو عداء مبرّر ومشروع. ذلك أن تقسيم العالم إلى «فسطاطين» بحسب خطب أسامة بن لادن، هو ما تؤدى إليه الحدود المغلقة، ليس فقط على الأرض من خلال الجدران العالية، بل أيضاً وأكثر خطراً بين العقول. ستيفن بانون، المنظّر الأكبر و«الرجل الثانى» فى إدارة ترامب، كما تصفه الصحافة الأميركية، يرى «صراع الحضارات» قائمًا بين ما يسميه «الغرب اليهودى المسيحى» والحضارات الأخرى، وفى مقدمها الخطر القادم من «التوسع الإسلامى». عندما تكون أذُن ترامب متجهة صوب فم هذا الرجل، هل يبقى صعباً وصف القرارات الأخيرة للرئيس الأمريكي بالمعادية للمسلمين؟ خصوصاً أن ترامب نفسه طلب طريقة أكثر لطفاً لوصفها، كى لا تبدو كذلك، على ما نقل عنه رودولف جوليانى. لكن، لحسن الحظ، لا «داعش» يمثل المسلمين، ولا ترامب يمثل حكومات الغرب وشعوبه. علينا أن نتذكر مثلاً تعاطف رئيس حكومة كندا جاستن ترودو مع مواطنيه المسلمين (حوالى المليون) بعد الاعتداء على المسجد فى كيبيك الذى ارتكبه شاب متطرف معجب بترامب وبتلك العنصرية الفرنسية الأخرى، مارين لوبن. كما لا بد من متابعة مواقف وقرارات المؤسسات الأمريكية الحريصة على إنقاذ بلادها وسمعتها وتاريخها من تشويهات ترامب، والمثال الأبرز هو القرار الشجاع الذى اتخذه القاضى الاتحادى فى سياتل الذى أوقف تنفيذ الأوامر الرئاسية، لأنها غير دستورية ولا قانونية، ولم يجد رئيس أمريكا ما يرد عليه سوى إهانة «المدعو قاضياً» واعتبار قراره «سخيفاً».
فى نهاية الأمر، لن يستطيع ترامب أن يتصرف مثل صدام حسين أو عيدى أمين. من مساوئ الديموقراطيات أنها قد تزلّ قدمها فتأتينا بترامب رئيساً، لكن من حسناتها أن مؤسساتها قادرة على تقويم الاعوجاج قبل أن يتحول... كارثة.
لعل وعسى!
نقلًا عن «الحياة اللندنية»