السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دماء محمود.. وبلطجة الكافيهات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل كان ضروريا أن يسقط محمود بيومى قتيلا على مرأى ومسمع من الناس وأمام خطيبته فى مشاجرة بكافيه شهير بمصر الجديدة عقب مشاهدة مباراة مصر والكاميرون فى نهائى بطولة إفريقيا، بعد أن حدثت مشادة كلامية بينه وبين عمال الكافيه حتى ننتبه إلى خطورة ظاهرة انتشار الكافيهات التى يحرسها فتوات يطلقون على أنفسهم «بودى جارد»؟ 
هل كان من الضرورى أن تسيل دماؤه لينتبه المسئولون لخطر داهم ينمو ويترعرع تحت أعينهم يحتاج وقفة جادة لمواجهة البلطجة التى تحمى الفساد؟ هل تثير دماء محمود حفيظة مجلس نوابنا الموقر لإصدار تشريع يقنن ظاهرة «البودى جارد» التى انتشرت وحلت محل وظيفة الأمن العام، ويشدد عقوبة التجاوز من السجن المشدد إلى الإعدام فى حالة إزهاق الروح لأى سبب بدلا من التحايل واعتبار مثل هذه الجرائم ضربا أفضى إلى الموت أو القتل الخطأ؟
الإعلام اهتم بالواقعة كجريمة قتل، وراح يبحث فى سبب المشاجرة التى أفضت إلى القتل، واهتم بتفاصيل هل كانت الجريمة داخل الكافيه أم خارجه، وتدخل محامى صاحب الكافيه لمحاولة إثبات أن الجريمة وقعت فى الشارع ليحقق بذلك شيوع المسئولية وتتوه القضية، وتتضارب شهادات الشهود بين شهادة لوجه الله وشهادة زور من شاهد باع ضميره ببضعة آلاف من الجنيهات، وتنتقل القضية من قاضٍ إلى آخر، ومن جلسة إلى أخرى، وربما تنتهى بقتل خطأ أو ضرب أفضى إلى الموت، ويسدل الستار وينصرف المتفرجون، المسرحية هزلية أو بكائية.. لا فرق.. فقد انتهى الوقت. كعادتنا دائما فى مثل هذه المآسى.. تبات نار تصبح رماد.. وغدًا وبعد غد أيام حُبلى بمآس جديدة سرعان ما تمر ويبقى منها بعض الذكرى، وعندنا الذكرى لا تنفع المسئولين طالما أن القانون لا يحقق الردع والأحكام تفقد قيمتها.
فور وقوع الجريمة أو بعدها بساعات قليلة استفاقت الأجهزة، واستفاق رؤساء الأحياء وكان على رأسهم بالقطع رئيس حى مصر الجديدة، وصدرت التعليمات بتسيير حملات مكبرة لمراجعة المخالفات الموجودة فى الحى، وبسرعة تم إغلاق بعض الكافيهات المخالفة، واكتشفت الحملات أن البعض منها بلا ترخيص رغم ممارسة نشاطها، ورغم مئات الشكاوى التى قدمها السكان فى أماكن كثيرة.. يومين أو ثلاثة وتصاب الحملات بالإرهاق، ويومين أو ثلاثة وتنتفخ جيوب المسئولين فى الأحياء عن متابعة هذا الأمر بالأموال، وتأخذنا دوامة الحياة، والحى أبقى من الميت، والدنيا لن تقف على قتل محمود بيومى فالعشرات يموتون كل يوم وكل ساعة ولا حس ولا خبر.
الاستفاقة حدثت بسبب جريمة قتل بشعة، لكن الحملات قامت لإزالة كل الإشغالات والتعديات والمخالفات وإحكام الرقابة على المحال العامة، وفحص العاملين بها على مستوى ميادين وشوارع العاصمة، وغلق جميع المقاهى المخالفة وإزالة الأعمال المخالفة والبروزات التى قاموا بإنشائها أو تغيير النشاط الخاص بها بدون ترخيص وقطع المرافق عنها بالتنسيق مع أجهزة المحافظة، وكذلك التحفظ على جميع الأدوات المستخدمة فى الأنشطة بدون ترخيص من كراسى، وشيش، وخلافه وكانت الحصيلة. غلق ٥٧ مقهى بمناطق مصر الجديدة، ومدينة نصر، والنزهة، وإزالة الأعمال المخالفة، كل هذه المخالفات كان يراها المسئولون يوميا، وكان يحرر بها شكاوى من المتضررين ومع ذلك لم يكن يتحرك أحد، ويبدو أن المسئولين فى بلدنا لا يتحركون قبل أن يفجعهم مشهد قتل أو دماء تسيل على الأرض، وربما غدا أو بعد غد تفتح هذه المقاهى أبوابها!
مسلسل البلطجة والفوضى لن ينتهى، فعلى مدار اليوم تحدث اعتداءات على أرواح المصريين وممتلكاتهم فى الشوارع والطرقات، والبلطجة ليست فى القتل فقط، البلطجة فى الاعتداء على الأرصفة وشغلها، وفى احتلال أنهار الشوارع وفرشها بالكراسى والترابيزات لرواد المقاهى والكافيتريات، وفى سرقة الكهرباء وإهدار المياه على الأرض طوال اليوم، وفى وقوف السيارات أمام الكافيهات صف ثانيًا وثالثًا بمعرفة بلطجى المكان ولا أحد يستطيع الاعتراض، وفى حجز الأماكن للسيارات بالمخالفة أمام المطاعم والورش وحتى أكشاك البيع غير المرخصة، ومظاهر من البلطجة لا حصر لها.
أين قانون البلطجة؟ وإذا كان موجودا فهل يحقق الردع؟ هل تستمر الحملات على كل التجاوزات والمخالفات أم أنها ستتوقف بمجرد أن تجف دماء محمود؟.