الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأقباط والتدويل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كانت المقدمات تنبئ بنتائج مبشرة، شعب يثور ضد طاغية ونظام مستبد شاخ على مقاعد السلطة، كانت الأحلام والتطلعات تحلق في عنان السماء وعلى رأسها استعادة مصر الموحدة، في وطن مثخن بجروح الفتنة وعلى جسده آثار انتهاكات غائرة للمواطنة لم تفلح معها عمليات تجميل رتيبة ومتكررة تستدعي لحظات الوهج الوطني، تترجم مأثورًا شعبيًا مصريًا “,”قـُح“,”، “,”إيش تعمل الماشطة في الوش العكر“,”.
جاءت النتائج صادمة ومربكة في ملفات كثيرة ومتزاحمة، وأخذتنا إلى حافة الهاوية، حتى أن كثيرين من موالاة زلزال 25 يناير، يراجعون موقفهم وموقعهم منها، وعادوا إلى سؤال التوصيف: ثورة.. انقلاب.. مؤامرة.. ردة.. مكافأة.. إعادة رسم خريطة توزيع قوى المنطقة لحساب القوى الدولية المتحكمة؟ وهو سؤال سيبقى في صدارة المنتديات وأطروحات النخب والعامة لسنوات، وتتغير الإجابات مع تسريبات معلومات لا يملكها الشارع، ويحكم إطلاقها والإفراج عنها ميزان صراع ما.
يأتي الملف القبطي في موقع متقدم في ترتيب الملفات الملتبسة والملتهبة، تتغير الأنظمة وعناوينها ويبقى الأقباط محل استبعاد أو تحجيم لا تكتمل مواطنتهم.. ينتظرون الفُتَات الساقط من موائد المتنفذين، الذين يجيدون اصطياد رموز بعينها من الشريحة القبطية لتتصدر مشهد المساواة الوهمي، وتقبل أن تكون العرّاب الذي يمرر استبداد تلك الأنظمة وتطرفها، بدأ الأمر مبكرًا، كشفه اللقاء العاصف بين الملك فؤاد وزعيم الأمة سعد زغلول، الذي قدم وزارته متضمنة في تشكيلها ثلاثة وزراء “,”أقباط“,” ورفض الملك للخروج على التقليد المتبع بألا يزيد العدد عن واحد أو اثنين على الأكثر، ويقبل على مضض مع إصرار الأخير تحت ضغط لحظة ثورية منحازة لزعيم الأمة، وعندما ينقلب الجيش على النظام 1952 يختفي اسم الضابط القبطي ـ اليوزباشي “,”نقيب“,” واصف لطفي حنين ـ الذي شارك فيها من القائمة المعلنة لتنظيم الضباط “,”الأحرار“,” وينزوي مستكملاً حياته كمحام في مكتبه بشبرا حتى وفاته، وتسند وزارة التربية والتعليم لكادر إخواني يزرع اختطاف منظومة التعليم في اتجاه التسطيح والأُحادية، وعلى أبواب الستينيات تؤسس جامعة لا تسمح للأقباط بالالتحاق بها، وتطلق إذاعة دينية، وعلى استحياء يسمح بإذاعة نصف ساعة يوم الأحد فقط لصلوات مسيحية على أثير إذاعة فرعية ـ إذاعة فلسطين!!ـ وتظل بعض من المؤسسات مُوصدة أمام الأقباط وتظل الكليات العسكرية ملتزمة بنسبة تقترب من الصفر لإلحاقهم بها، وعندما يأتي السادات تنفجر حمم الإقصاء والاستهداف والترويع بدءًا من أحداث الخانكة “,”6 نوفمبر1972“,” والتي وثقها تقرير لجنة العطيفي لتقصي الحقائق، والتي شكلها البرلمان المصري تحت ضغط دموية الأحداث وفجاجة الاستهداف ورسائل جماعات العنف الديني المفخخة، ولا يمر شهر أو أسبوع بغير أن تنفجر نقطة على خريطة الوطن في مكوكية لا تتوقف لابتعاث التطرف، إمبابة، أسيوط، عين شمس، وغيرها حتى الزاوية الحمراء 16يونيو1981، ولم يلتفت أحد لتصاعد الأحداث والتي انتهت بحريق 5 سبتمبر واغتيال الرئيس 6 أكتوبر من نفس العام.
ويأتي مبارك ليستمر الأمر في اتجاه التصعيد، وبحسب رصد المنظمات الحقوقية، كان المعدل السنوي لحوادث العنف الطائفي المستهدف للأقباط حتى يناير 2010 يبلغ 53 حادثًا سنويًا، أي بمعدل حادث كل أسبوع، توزعت بين 17 محافظة من أصل 29 محافظة، وتراوحت بين حادث واحد مثل محافظة الشرقية وبين 21 حادثًا في محافظة المنيا “,”سنويًا“,”.
وعلى الرغم من إعلان الجماعات الإسلامية ما سمي بالمراجعات، إلا أن هذا لم يمنع استمرار استهداف الأقباط، فبعد عام فقط من انطلاق تلك المراجعات، وقعت أحداث “,”الكشح الأولى“,” في 15 أغسطس 1998، ثم “,”الكشح الثانية“,” في 31 ديسمبر1999. ونشهد مهزلة التصدي لها عبر إقصاء القانون واستبداله بنسق الجلسات العرفية الكارثية واسترضاء الأقباط بتعيينات “,”كارتونية“,” رمزية في المجالس النيابية والمحلية وكلام عن النسيج الواحد وبعض من صور تبويس اللحى واستقطاب بعض من الكوادر القبطية يطلقون البخور في هيكل السلطة ويسبحون بحمدها بثمن قليل يؤكدون أن الأقباط يعيشون أزهى عصورهم بفضلها.
وتتسارع خطى الترويع لتصل الى ذروتها بجريمة تفجيرات كنيسة القديسين المروعة عشية استقبال عام 2011، بينما الأقباط يعمدونها بالدم ولا ينتهي الشهر حتى يسقط النظام بفعل زلزال 25 يناير، ولا ينتبه أحد الى ارتباط سقوط نظامي السادات ومبارك، باستهداف الأقباط بشكل دموي سافر “,”الزاوية الحمراء / المنصة ـ يونيه / أكتوبر 1981“,”، “,”قديسين /إسكندرية/ التخلي ـ يناير / فبراير 2011“,”.
ولأن أحدًا لا يقرأ عند “,”القمم“,” ما يحدث عند “,”السفوح“,” نشهد إعادة إنتاج للترويع والاستهداف بعد 25 يناير، فلم تدم لحظات الوهج الوطني إلا لأيام لنصحو من غفوة تيه وهم الثورة على أحداث إجرامية متسارعة بدأت بهدم كنيسة صول بالجيزة 9 مارس، ثم اعتداءات المقطم 11 مارس فمظاهرات واعتصامات وقطع السكك الحديدية بقنا 15 أبريل اعتراضًا على تعيين محافظ قبطي للمحافظة والتي انتهت برضوخ الحكومة المؤقتة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتراجع عن التعيين، وفى 8 مايو تشتعل إمبابة ضد الأقباط بحرق كنيستين على التوالي وقتل وجرح عشرات الأقباط، وإعلان جماعات إرهابية مسئوليتها عن الأحداث، وبالتوازي يشهد الشارع تصاعد وتيرة أسلمة الحراك السياسي عبر إطلاق أبواق ماكينة الإعلام الإسلامي والأحزاب والتجمعات المثيلة، والإصرار على ترجمة هذا في وثيقة الدستور واعتبار أن الخلاف السياسي يستهدف المشروع الإسلامي وأصبح تمرير الاستفتاء والدستور غزوات بوصف تلك الجماعات، وتنطلق دعوات إقصاء الأقباط من رموز نافذة بالحزب الحاكم الذين لا يكفون عن تحميل الأقباط مسئولية الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية بالاتحادية والتحرير وغيرها.
وتتكرر حوادث الاختطاف وأسلمة القاصرات دون أن يتصدى لها أحد، وتستمر سياسات التعتيم والإنكار، وغير بعيد عدم إدراك المتنفذين وأصحاب القرار أو استشعارهم لوجود أقباط ابتداءً، ومن ثم، عدم الانتباه لحقوقهم الطبيعية في وطن هم جذوره، ونرصد حادثتين لهما دلالتهما الفادحة، أولاهما: إعلان جدول الانتخابات البرلمانية واختيار أيام أعياد الأقباط لإجرائها ـ انتخابًا وإعادة ـ، والأنكى التبريرات التي سيقت والتي تحمل استهانة وغياب المعرفة جهلاً أو عمدًا، ويخرج علينا من كوادر السلفيين والإخوان معًا من يلوم غضب الأقباط ويصفه بالفعل الطائفي الذي يعلي الانتماء الديني على الانتماء الوطني، هكذا، وعندما تُحرك المواعيد تقع مجددًا في توقيتات مناسبات الأقباط!!. حتى تأتي أحكام المحكمة الإدارية بوقف إجراء الانتخابات لتصحح عوار السياسيين.
وثانيهما: ما حدث للأقباط بليبيا والذي يكشف عن واقع مفزع هناك وهنا بين الإهمال والتهوين واللامبالاة، فلا الخارجية تفاعلت مع الحدث على جسامته بما يستحق من اهتمام ولا الرئاسة أولته التفاتًا ولا مجلس الشورى قدم سؤالاً أو استجوابًا أو حتى بيانًا عاجلاً، وحتى الإعلام أصابه الصمم وكفت عيونه وكاميراته عن المتابعة والرصد، فداحة التعاطي تتبدى عندما نقارن هذا بما حدث مع نفر من أهل الجماعة بالإمارات والذي تصدى للدفاع عنهم، وسعى للإفراج عنهم وفد رئاسي وتوصيات رئاسية، ولم يلتفت أحد أن التبشير كفعل ليس مجرمًا لا في القانون الليبي ولا نظيره المصري، فقط العرف الذي يقفز فوق القانون، فضلاً عن أن الجريمة بحق المصريين الأقباط محل الاتهام كانت تعرضهم للتعذيب والقتل والترويع وتغسل السلطات هناك يدها بأن ما حدث قامت به جماعات متطرفة، بالمخالفة للمنطق ومجريات الأمور، ويسألونك هنا عن دلالات الإقصاء والتمييز!!.
أخشى أن نصحو يومًا لنجد أن الملف القبطي قد وجد طريقه للمحافل الدولية والمنظمات الحقوقية الأممية، ليفتح باب التدويل وما يجره من تبعات وتداعيات، وفق معطيات اللحظة والتغيرات التي لحقت بخروج الشباب القبطي من الكنيسة وبها للوطن، بالتزامن مع الإصرار على انتقاص مواطنة الأقباط وفق رؤى تحتمي بالغطاء الإسلامي وتسعى لتفكيك مؤسسات الدولة لحساب مشروعها المفارق لحركة التاريخ، و“,”آيتنا“,” تقنين الميليشيات المسلحة والسعي للحلول محل الأمن الوطني، فهل من يقرأ ويسمع ويدرك خطر اللحظة.. أم ننتظر الكارثة؟.