السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مؤتمر الشباب والصعيد المنسي من الدولة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا ينكر أحد أن زيارة الرئيس السيسى لمحافظة أسوان لحضور مؤتمر الشباب كانت زيارة مهمة وضرورية، لمواجهة التحديات التى تواجه محافظات الصعيد المنسية دوما من الرؤساء السابقين وحسابات الدولة، لاسيما محافظة أسوان. فقد ظلت محافظات الصعيد تعانى، ولا تزال، من قسوة التهميش الحكومى حتى أصبحت هى الأكثر معاناة من الفقر الشديد والبطالة المنتشرة هناك، وفضلا عن الارتفاع المتواصل فى الأسعار، ناهيك عن التدهور الحاد فى المرافق والخدمات العامة من تعليم وصحة وإسكان ومواصلات وصرف صحى ومياه نقية، فضلا عن لجوء المزارعين إلى رى الزراعات بمياه الصرف الصحى، لعدم توافر المياه النظيفة، فقد رأيت بنفسى المئات من القرى والنجوع والأحياء العشوائية المحرومة من أبسط متطلبات الحياة، التى تحفظ للمواطن آدميته وكرامته، وتنمى بداخله الانتماء لهذا البلد. فضلا عن اضطرار كثير من الصعايدة للسفر إلى القاهرة لقضاء مصالحهم بسبب المركزية الشديدة التى لا نزال نعانى منها. ويُذكر أنه فى أعقاب ثورة يوليو ١٩٥٢، امتدت بعض مظاهر التغيير الاقتصادى والاجتماعى التى أحدثتها الثورة إلى الصعيد، ولكن الأمر تغير مع الانفتاح الاقتصادى فى منتصف سبعينيات القرن الماضى، فقد بدأت تتصاعد مظاهر إهمال الصعيد لدرجة أنه بات منسيا ضمن سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التى تبنتها الدولة خلال عهدى السادات ومبارك، مما أدى إلى تفاقم حدة التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، وانتشار الفقر والمرض والأمية والتطرف والعنف على مستوى الوطن كله، ولكن كان الصعيد هو الأكثر معاناة من هذه المشكلات، فضلا عن تهميشه..
ربما نرى الحديث عن تنمية الصعيد خلال المناسبات فقط والاستحقاقات الانتخابية لنواب البرلمان، وفى الحقيقة نسمع ضجيجا ولا نرى طحينا، ولا يحدث شيء يحفظ آدمية أهل الصعيد الذين هم أصل مصر. ومع تصاعد دور التنظيمات الإسلامية الراديكالية فى الصعيد خلال عقدى الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، بدأت الدولة تلتفت إلى الصعيد من منظور أمنى فقط، وليس من منظور تنموى وإنسانى..!
فكانت زيارة السيسى بمثابة إعطائه قبلة الحياة لمحافظة أسوان وجميع محافظات الصعيد التى تنتظر أن يقوم الرئيس بزيارتها للتخفيف من معاناتها وأزماتها، خاصة ما يتعلق بمياه النيل فى الجنوب، والتى تعانى منذ سنوات عديدة من التلوث بإلقاء الصرف الصحى بمحافظة أسوان فى مياه النيل بعدما كشف أحد الشباب خلال مؤتمر الشباب الذى عُقد بأسوان عن كوارث وفضائح يرتكبها المسئولون بالمحافظة فى حق مياه النيل التى نشربها يوميا، وهو ما يفسر زيادة حالات الفشل الكلوى وفيروس سى والكبد الوبائى والسرطان الذى يرعى فى أجساد المواطنين المصريين بكثرة. فضلا عن أن العناصر الثقيلة الموجودة فى هذه المياه مثل النيكل والرصاص والمنجنيز والكوبالت والزئبق والكادميوم والسيلنيوم والفلورايد، تؤثر على المخ والأعصاب والغدة الدرقية والقلب وأمراض الصدر والدم والفشل الكلوى والأسنان واللثة كما أكدت دراسات عديدة، مما يؤدى إلى انهيار الحالة الصحية العامة للمصريين، فضلا عن وفاة الآلاف سنويا بسبب المرض الناتج عن تلوث مياه الشرب! وقال الشاب الأسوانى إن المسئولين ألقوا مخلفات الصرف فى مياه النيل أثناء زيارة الرئيس، خشية أن يشم الرائحة الكريهة التى تنبعث من مصرف «كيما»! وكان رد فعل الرئيس الإنسان فيه ذكاء شديد، وغيّر من جدول الزيارات وذهب ليرى بنفسه مصرف كيما، ويقف على خطوات العمل هناك.. وأصدر قرار المعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحى على مستوى الدولة للتعامل مع المياه كثروة وفق معايير دولية.
والحقيقة المُرة تؤكد أن مياه المجارى تحتوى على كمية كبيرة من المواد العضوية وأعداد هائلة من الكائنات الحية الدقيقة الهوائية وغير الهوائية، وعند وصولها إلى المياه السطحية، تعمل الكائنات الدقيقة الهوائية على استهلاك الأكسجين، لتحليل المواد العضوية، مسببة نقصا فى الأكسجين، مما يؤدى إلى اختناق الكائنات الحية التى تعيش فى البحر أو النيل، وموتها عند ضخها فيه بدون معالجة، وعند موتها، تبدأ البكتيريا أو الكائنات الدقيقة غير الهوائية بتحليلها، محدثة تعفنا وفسادا.. إن الأخطار الرئيسية التى تكمن فى مياه الصرف الصحى، تتمثل فى الأمراض والأوبئة مثل الكوليرا والتيفوئيد والملاريا والحمى القلاعية وأمراض الكبد الوبائية، والفيروسات والديدان وغيرها من الكائنات المجهرية التى يمكنها الفتك بالإنسان والحيوان.
والمتابع لعمليات تنقية المياه ومعالجتها، يعلم أن شبكات الصرف الصحى فى مصر، للأسف، متهالكة، مما يعنى أن مواسير نقل مياه الشرب تتعرض للاختلاط بمياه الصرف الصحى المحفورة على شكل «آبار» قبل إدخال الصرف الصحى مصر، والتى ما زال العديد من مدن مصر محروما منها، مما يؤدى لتلوث مياه الشرب التى يتناولها المواطنون مباشرة..
كما أن تهالك خزانات مياه الشرب التى يملؤها الصدأ، تؤدى إلى تفاعلات كيميائية مع مياه الشرب تتسبب فى تسممها..! فهل يُعقل أن يفعل المسئولون كل هذا بحق أسوان- التى تعد أجمل مشاتى مصر بل والعالم على وجه الإطلاق- جذبا للسياحة من أجل ألا يشم الرئيس الروائح الكريهة المنبعثة ليلا نهارا أثناء حضوره مؤتمر الشباب..!