الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

معارك المصارع الروماني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذات مرة قال الكاتب المسرحى برنارد شو «لقد أدركت منذ زمن بعيد ألا أدخل فى خصومة مع الإعلام، فهى مثل مطارحة الخنزير، معه ستتسخ إن فزت أو خسرت، مع اعتذارى لزملائى فى المهنة».
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب هو أفضل من خدع الإعلام، واستخدمه لنحو عام، وذلك فى فترة الانتخابات. كان ترامب الموضوع المفضل لديهم، لأنه مرشح خارج المألوف، ولم يلتزم بقواعد المنافسة التقليدية، ولديه جاذبية شعبية كبيرة، ولا يبالى كثيرًا برأى المثقفين فيه، ولا شك أن ترامب صعد على أكتاف الإعلام وبأرخص ثمن، واحتل شاشات التليفزيون مجانًا، التى كانت تتسابق على تقديمه من باب كسب المشاهدين.
وفى الوقت الذى أنفقت منافسته هيلارى كلينتون أكثر من مليار دولار على الإعلام، فإن ترامب وحتى سبتمبر الماضى، لم يكن قد سدد إلا مبلغًا صغيرًا جدًا، ومع هذا كان حضوره فى الإعلام طاغيًا. ولا أعتقد أن أحدًا من كبار المخططين الإعلاميين كان يتصور أن حظ ترامب يمكنه من أن يصل إلى المراحل الأخيرة، وكان من المستبعد تمامًا أن يفوز بالرئاسة. هذا التقليل من شأن ترامب جعل خصومه، من موالى الحزب الديمقراطى، مثل الـ«سى إن إن»، يفتحون له ميكروفوناتهم بشكل غير مسبوق، ويدللونه كجزء من الترفيه وليس من المحاباة أو الترويج له. وعندما بقى على الانتخابات بضعة أسابيع، وبدأ الجميع يدرك أنه صار واحدًا من اثنين فقط سيفوز بالرئاسة، انقلبت وسائل الإعلام الموالية للديمقراطيين ضده، لكن الوقت كان متأخرًا، حيث بنى اسمه، وبرنامجه، وشعبيته، وصار له أتباعه، وهو السياسى الطارئ.
بفوز ترامب انتهت المنافسة الانتخابية، لكن يبدو أن الحرب الإعلامية الآن قد بدأت. والإعلاميون يدركون جيدًا أن الرئيس هدف سهل كونه فى موقع المسئولية الأول، ولا بد أن ترتكب إدارته أخطاءً، وقصورًا، وستعجز أحيانًا عن تلبية وعودها، أو تقع أحداث ضده خارج سلطة نفوذه، وغيرها من الاحتمالات والإحراجات التى لا نهاية لها، وستزودهم بالذخيرة اللازمة لإضعافه.
سيتعب ترامب، الرجل الذى يبدو مثل مصارعى الرومان الأشداء، لأنه كما قال «شو»، لا يمكن لصاحب الشأن العام أن يفوز على وسائل الإعلام التى تعتبر النقد وظيفتها ومصدر قوتها. وفى بلد كالولايات المتحدة، دستوره ينص صراحة على صون التعبير مهما كان هدفه وأسلوبه، لا يستطيع الرئيس أن يفعل الكثير لِلَجْم الإعلام المعادى له، والمعادون له يبدو أنهم نسبة كبيرة، وسيزدادون شراسة فى هجومهم على ترامب أكثر مما فعلوا مع الرئيس السابق باراك أوباما، الذى يتمتع بعلاقة جيدة مع وسائل الإعلام. أوباما نجح فى تطويع معظم الإعلام لصالحه، رغم أنه أكثر رئيس أمريكى عنده حساسية من النقد والإعلاميين، ويقال أيضًا إنه أكثر رئيس عاقب الصحفيين بحرمان من كان يختلف معه، أو ينتقده، من المشاركة فى تغطية نشاطاته ورحلاته.
مشكلة ترامب فى شخصيته، عدا عن أنه انفعالى، فهو يحب المواجهة ويعتقد أنها سلاحه فى تربية الصحفيين، وهذه سترهقه وستكلفه الكثير فى السنوات المقبلة، وقد تدمره.
خصومه الديمقراطيون يملكون قوى شعبية نافذة فى المجتمع، ولهم حظوة عند الإعلام، الذى فى معظمه من التيار الليبرالى المحسوب عليهم، تتبعهم جمعيات المرأة، والأقليات، والمثليون، والمقعدون، والقائمة طويلة من تنظيمات غنية بالأتباع والأموال والمؤسسات التى ستشغل ترامب خلال السنوات الأربع المقبلة بالاحتجاجات، وستستخدم سلاح الإعلام الشعبى والنوعى ضده على نطاق واسع.
لهذا فإن التهديد الذى وجهه الرئيس ترامب علانية ضد الصحفيين قبل أيام مجرد كلام، يعبر عن حالة غضب وإحباط من هجوم الإعلام عليه. يستطيع أن يصرخ فى وجوههم، لكنه فعليًا لا يستطيع أن يفعل كثيرًا ضدهم سوى حرمان من لا يحبه من مرافقته، أو من إغلاق صنبور المعلومات الخاصة عنه، وقد يتراجع ويقبل بالوسيلة الوحيدة مع الإعلام المتنمر، بالتعايش معه ضمن علاقة بطيئة وطويلة، أو بالصبر عليه.
نقلًا عن «العربية نت»