الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة البرلمان

"أبو حتة" يكتب: الغلاء الفاحش 2/2

أبو حتة يكتب: الغلاء
"أبو حتة" يكتب: الغلاء الفاحش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توقفت في المقالة السابقة عند إقرار الأثر السلبي للوضع الاقتصادي الراهن علي المستورد، وكيف أن هذا الوضع يخلق كسادًا رهيبًا على الاستثمار القائم على الاستيراد، ولنضرب مثالا توضيحيا لذلك وليكن مثلا الأجهزة المنزلية.. فالثلاجة التي كانت تشتريها معظم بيوت الأسر المتوسطة أصبح سعرها لا يقل عن 15 ألف جنيه بدلا من 5 أو 6 آلاف، بل إن نوعية معينة من الثلاجات ( سمارت ) وصل سعرها إلى 74 ألف جنيه!!، وكذلك الحال في الغسالات والبوتاجازات، مما جعل سوق الأجهزة الكهربائية يعاني من كساد شبه تام لاستحالة تمكن المواطن العادي توفير تلك المبالغ، ولكي تسد الدولة هذا الفراغ أعلنت عن طريق وزارة الإنتاج الحربي عن إنتاج ثلاجة مصرية بسعر 7000 جنيه تقريبًا. 
ومن هذا المثال يمكننا أن نستوضح ونستبين نوايا الدولة والحكومة بأن تستمر في خلق حالة الكساد للسلع المستوردة بالمحافظة على سعر الدولار المرتفع مع الاتجاه إلي الإنتاج والتصنيع المحلي لسد الفجوة التي يتسبب فيها غياب المنتج المستورد، (حتى وإن كان المنتج المحلي أقل جودة ورفاهية)، وتوفير الدولارات داخل الدولة، ومن ثم تقليل عجز ميزان المدفوعات ثم حدوث التأثير الإيجابي للاقتصاد القومي. 
ومن هنا نستطيع تلخيص السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الدولة المصرية الآن في بعض النقاط المهمة وهي: 
- خلق حالة من الكساد لأسواق السلع المستوردة. 
- اتخاذ قرارات تعجيزية للاستثمار المعتمد على الاستيراد بغلق باب الاستيراد للسلع الاستفزازية، وتوسيع دائرة تلك السلع الاستفزازية، وأيضًا زيادة الجمارك ومضاعفتها على سلع الكماليات.
- تشجيع الصناعة المحلية. 
- الاتجاه بقوة نحو الاقتصاد الرأسمالي الذي ينقح فيه السوق نفسه من عوامل الفساد والاستغلال، وذلك بكسر الاحتكار وخلق فرص التنافسية.
- عدم تدخل الدولة في السوق سوى لسد عجز السلع أساسية بشكل مؤقت (مثل إعلان وزارة الإنتاج الحربي عزمها افتتاح مصنعين لألبان الأطفال والسرنجات)، أو لتوفير سلعة استراتيجية كالوقود مثلا (معامل تكرير مسطرد المزمع تشغيلها هذا العام). 
- رفع الدعم تدريجيًا عن القطاع الحكومي الخدمي (التعليم، الصحة، إلخ)، وذلك للتخلص من ترهل أداء تلك القطاعات وبيروقراطيتها الراسخة العفنة، (وقد رأينا افتتاح الرئيس لسلسلة مدارس النيل، وكذلك تصريحه بوجوب بيع بعض المستشفيات غير المؤهلة لتقديم خدمات صحية لائقة ). 
- جذب المستثمر الأجنبي لأن يصنع داخل مصر بدلا من استيراد منتجه المصنوع خارجيًا، وذلك عن طريق توفير البنية التحتية للصناعة والاستثمار الأجنبي (شبكة الطرق، محطات الكهرباء، تطوير المناطق الصناعية في أكتوبر والعاشر من رمضان ومدينة السادات والصعيد)، وفتح مناطق عملاقة جديدة للتجمعات الصناعية، وذلك في العاصمة الإدارية الجديدة أو في محور قناة السويس (بعض المصانع والشركات الأجنبية بدأت بالفعل في التصنيع والعمل بمنطقة محور قناة السويس). 
ومن الواجب والأمانة هنا أن نوضح السلبيات والإيجابيات لهذه السياسة.. فنجد أن لهذه السياسة إيجابيات كثيرة وكبيرة بالنسبة للاقتصاد القومي من أهمها: 
- تراجع عجز الميزان التجاري المصري بنسبة 13% تقريبًا في نصف العام التجاري المنصرم. 
- الانخفاض المتوقع والأكيد لنسبة التضخم. 
- ارتفاع الاحتياطي بالبنك المركزي ليصل إلى 25 مليار دولار تقريبًا لأول مرة منذ ثورة يناير. 
- جذب استثمارات أجنبية عملاقة في مجالات حيوية مثل الطاقة النظيفة والإلكترونيات والوقود والملابس والأدوية فحسب مجلة فورين بوليسي استطاعت مصر أن تجذب استثمارات أجنبية ( استثمارات تبدأ من الصفر ) بقيمة 20،1 مليار دولار في النصف الأول فقط من 2016، لتصبح مصر في المركز الثاني عالميا في جذب الاستثمار الأجنبي متفوقة على دول مثل إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وإسرائيل، ولم تتقدم علينا سوى الهند باستثمارات بلغت 20،7 مليار. 
وستكون لهذه الإيجابيات مردودًا إيجابيًا كبيرًا على المواطن العادي، ولكن ليس في القريب العاجل، أما سلبيات تلك السياسة فيمكن تلخيصها بأن المواطن العادي سيستمر في معاناة العيش وشظفه وضيقه لفترة مقبلة تتراوح من 2 إلى 5 أعوام، وسيكون لزامًا عليه أن يتخلى عن نمط معيشته الاستهلاكي ( ترشيد استهلاكه للكهرباء والمياه والطعام إلخ )، وكذا عليه أن يستغني عن الكماليات وبعض مظاهر الحياة الجوفاء ( بذخ الأفراح، الموبايلات الحديثة، الملابس المستوردة والبراندات والماركات إلخ )، رافعًا شعار (محاربة الغلاء بالاستغناء)، وأيضًا ستؤثر هذه السياسة سلبًا على صغار ومتوسطي المستثمرين الذين يعتمدون على الاستيراد في القطاعات الاستهلاكية مثل قطاع الأجهزة الكهربائية والمنزلية والسيارات والملابس والإلكترونيات، وأيضًا ستؤدي هذه السياسة إلى انسحاب بعض الاستثمارات الأجنبية في مجالات غير مهمة مثل براندات الطعام والكافيهات والملابس وغيرها.
ومما سبق يتضح أن هناك ضريبة غير معلنة يجب أن يفعها الجميع حبا لوطنهم وإيثارا لمصلحته، بل الأمر أشبه بدواء مر يجب أن يتجرعه الجميع، وفي هذا الوقت يجب أن يعمل الجميع على نفسه بالتهيئة والاستعداد وتطوير المهارات، وأيضًا يجب أن نرى المزيد من التراحمية والتكافلية من القادرين نحو غير القادرين لاحتوائهم في هذه الأوقات العصيبة، وأخيرًا أتمنى أن أكون قد وُفقت في طرحي هذا وأسأل الله أن يمكن لهذا البلد أمر خير ورشد وسداد وتوفيق.