الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رفيق جبور.. من دبلوماسي أرستقراطي.. إلى صفوف العمال والفلاحين «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وكانت الحملة الضارية ضد الشيوعية قد وصلت إلى حالة هستيرية إلى درجة يمكنها أن تتضح مما نشرته الأهرام بتاريخ ١٩-٦-١٩٢٥ إذ قال «وصلت إلى الإسكندرية أمس باخرة روسية بلشفية تدعى تشيشيرين تنقل بضاعة إلى القطر وربما كان عليها بعض الركاب. فلم تكد تصل إلى الميناء الخارجى حتى أصدرت السلطة المحلية أمرا إلى البوليس بمراقبتها وحراستها ومنعها من الدخول إلى المرفأ. فأوقفت فى الخارج ولا تزال حتى الآن تحت حراسة الشرطة، والمفهوم أن الحكومة ستأذن بتفريغ شحنتها حيث هى راسية ثم تأمرها بالانصراف فتنصرف غدا. ويظهر أن الباخرة تشيشيرين هذه لا تدرى ما نحن فيه من انهماك فى مكافحة البلشفية فى هذه الأيام». وامتلأت الصحف جميعا على وجه التقريب بحملات ضارية ضد الفكر والكتب والصحف اليسارية عموما والاشتراكية والشيوعية على وجه الخصوص. لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة فقد كان لليسار رأى آخر وقدرة لم يتصورها النظام ففى ذات اليوم الذى أصدرت فيه محكمة جنايات الإسكندرية أحكامها الشديدة القسوة على أعضاء اللجنة المركزية للحزب أى بالتحديد فى ٦ أكتوبر ١٩٢٥ تشكلت لجنة مركزية جديدة لتمارس عملًا سريا فى ظروف بالغة الصعوبة وكان رفيق جبور واحدا من أعضاء سكرتاريتها المركزية. ورفيق جبور كما تنبأ هو نفسه لنفسه فقد أصيب بحمى العمل الثورى العلنى فسرعان ما أصدر جريدة الحساب وسوف نخصص لها ولدورها ومقالاتها عدة حلقات قادمة، كما أعلن على صفحاتها تشكيل لجنة علنية سماها «لجنة الدفاع عن حقوق العمال والفلاحين» وهى لجنة جماهيرية ذات فروع عديدة تأسست خلال الانتخابات البرلمانية عام ١٩٢٥ بهدف دعم ترشيح مرشحين من العمال والفلاحين، ووضعت هذه اللجنة برنامجا صاغه رفيق جبور، وطالبت العمال والفلاحين بألا يعطوا أصواتهم إلا لمن يعلن قبوله لهذا البرنامج ويعد بالعمل على تنفيذ. راجع النص الكامل للبرنامج فى د. رفعت السعيد «اليسار المصرى» صـ١٧٦، لكن البوليس هذه اللجان طارد وصادر بيانها المطبوع ضمن برنامجها.. ومنع طبعه أو توزيعه. وفى البداية تقدم رفيق جبور بطلب استصدار ترخيص من وزارة الداخلية لإصدار جريدة وقبل منه التأمين ثم عادت وزارة الداخلية فرفضت إصدار الترخيص. «الحساب: ١٠-٤-١٩٢٥» واستأجر رفيق رخصة إحدي الصحف وهى صحيفة الحساب من صاحب ترخيصها إبراهيم الصيحى، وهو شخصية غير معروفه لكننا إذ راجعنا الأعداد التى أصدرها بنفسه نجد أن شعارها كان الآية القرآنية «إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد لما نسوا يوم الحساب» ثم وعلى الترويسة «الحساب» صحيفة يومية سياسية تعنى بنوع خاص بالشئون الداخلية. وفى صدر الصفحة الأولى من العدد الأول صورة الملك فؤاد وتحتها «جلالة مليكنا المفدى فؤاد الأول» ثم عبارة «تنبيه: المكاتبات ترسل إلى إبراهيم الصيحى – صاحب ومدير جريدة الحساب – الإدارة مؤقتا بدرب الجماميز نمرة ١٥». وعجز إبراهيم الصيحى عن إصدارها يومية فقد أصدرها بعد أيام أسبوعية. ثم توقفت بعد العدد العاشر فى ٢٣-١٢-١٩٢٤. وفيما يبدو أن رفيق جبور كان قد تلمس طريقه إلى الجريدة قبل توقفها فمنذ العدد الرابع من الترقيم الأصلى وهو العدد الذى أصدره الصيحى فى ١١-١١-١٩٢٤ نلاحظ بصمات يسارية ومقالات دون توقيع تحمل صياغات تشبه صياغات رفيق جبور. ثم توقفت الجريدة عن الصدور ليصدر العدد رقم ١١ تحت الإشراف الكامل لرفيق جبور. وقد غير جبور من قطع صفحات الجريدة فجعله كوارتر كما غير شعارها إلى «الحساب – صحيفة سياسية – اجتماعية – اقتصادية – يومية تصدر مؤقتا مرة فى الأسبوع للدفاع عن حقوق العمال والفلاحين». وقد ظل اسم إبراهيم الصيحى على ترويسة المجلة باعتباره «مدير سياسة الجريدة المسئول». وفسرت «الحساب» الأمر على صفحاتها ونقرأ فى العدد الصادر فى ١٠-٤-١٩٢٥ «لم يصدر هذا العدد والعدد الماضى فى موعدهما» نظرا لما لاقيناه ونلقاه من المعاكسة، فقد رفض قلم المطبوعات إعطاء مدير هذه الجريدة رخصة لإصدار جريدته الخاصة بعد أن كان قد سمح له بذلك وقبل منه التأمين المعتاد. وحرم قلم المطبوعات على مدير هذه الجريدة وضع اسمه عليها مع أنه أقل ما يقال أنه مثل كثيرين من الذين سمح لهم بإصدار الصحف، أو بوضع أسمائهم على ما يشاءون منها. ومع كل ذلك فإن رفيق جبور يواصل التحدى ويتولى مسئولية الجريدة وفى نفس الوقت يبقى اسم إبراهيم الصيحى شكلًا على الصفحة الأولى كمدير لتحرير المجلة. ولكنه يعلن فى صدر الصفحة الثانية من العدد ١٣ بالترقيم الأصلى «من الإدارة إلى القراء: ترجو إدارة جريدة الحساب حضرات القراء والمكاتبين وكل من له علاقة معها مخاطبة حضرة رفيق جبور: إدارة جريدة الحساب بشارع الدواوين رقم ٤٤ فى كل شأن من شئون الجريدة وجميع المكاتبات باسمه لا باسم آخر».. ويتكرر ذات التنبيه على هامش الصفحة الثامنة من ذات العدد. 
ويبدأ رفيق جبور مرحلة إصدار أول جريدة يسارية علنية.. وكانت مرحلة شديدة الثراء وشديدة الصعوبة.