السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا تقتلوا إبراهيم عيسى «مولانا»!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اشتعلت النار فى الهشيم وأشهرت جميع السيوف ضد الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى تطالب برأسه وإهدار دمه بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان خلال الفترة الأخيرة، لاسيما عندما تم طرح قضية شيوخ الفضائيات وعلاقاتهم بالأمن وسلبيات عديدة لرجال الدين، التى قدمها فيلم «مولانا » للكاتب، والتى أثارت حالة من الجدل والإثارة فى الأوساط السياسية والدينية وصلت إلى درجة المطالبة برأس كاتب الرواية الذى لم يرتكب أى تهمة سوى أنه قال رأيه بصراحة شديدة فى وقت يفترض أنه يوجد فيه هامش الحرية متسعا عن ذى قبل، ولكن الواقع يؤكد أن هامش الحرية لا يزال ضيقًا ولم يتسع بعد.. بل وصل الأمر أيضًا إلى المطالبة بمحاكمته وإهدار دمه جزاء وفاقًا على رأيه الذى جسده فى رواية «مولانا» التى عرضت بالسينما، والتى تحمل نفس الاسم، وكان عيسى هو كاتب السيناريو والحوار، ووصلت الأمور إلى حد المطالبات بوقف عرضه اعتراضًا على ما اعتبر تجاوزًا فى حق علماء دين يروجه العمل الفنى، بالرغم من نجاح الفيلم الذى حقق فى أسبوع عرضه الأول أكثر من أربعة ملايين جنيه، ويتناول قصة شيخ أزهرى يستهويه عالم المحطات الفضائية، وله أخطاء عديدة شأنه شأن أى إنسان وأى مهنة، مثل الطب والهندسة والعلوم والإعلام والصحافة والمحاماة والقضاة والشرطة والتجارة كلها مهن وأعمال فيها الصالح والطالح وليست جميعها مهن ملائكة، فليس هناك مهن للملائكة، فكلنا بشر وكلنا خطاءون، وخير الخطائين التوابون..!
ورأى بعض شيوخ الأزهر والأوقاف أن رواية «مولانا» تهدف إلى نزع الاحترام والتوقير عن شيوخ الأزهر وأئمة الأوقاف، وأنها تُعرّض الإمام للسخرية والضحك والاستهزاء من كل مَن هب ودب، ولا عجبَ فهو فيلم من تأليف عيسى الموقوف إعلاميًا والمحارب للدين الإسلامي! ربما هى لغة خطاب الأزهريين مع كل من يختلف مع منهجهم العقيم وخطابهم القديم!
بل وصل الأمر إلى وصف رئيس الزمالك مرتضى منصور لعيسى بأنه كافر وصهيونى وحقير، وقال: «ربنا يولع فى إبراهيم عيسى زى ما ولع فى شارون»! بينما رأى البعض الآخر أنّ الفيلم يعد امتدادًا لحملة تشويه التراث الفكرى والإسلامى التى بدأها المدعو إسلام بحيرى، ثم جاء من بعده عيسى لكى يرسخ هذا الفكر فى عقول الناس! ولم يسلم عيسى من هجوم من نوع آخر، وهو من قِبل مجلس النواب الذى شن هجومًا على عيسى متهمًا إياه بتشويه صورة مجلس النواب، الذين طالبوا بدورهم الحكومة ووزارة الاستثمار بوقف برنامجه على قناة القاهرة والناس، واستجابت لهم السلطة وتم وقف برنامجه..! لأنه قال إن أعضاء البرلمان يسعون لتعديل الدستور لتعديل مدة رئيس الجمهورية، ووصف النواب قائلا: «أنتم نصابون وأفآقون»، كما هاجم عبد العال قائلا: «ولاؤه مفضوح ومكشوف ويفتقر للتمثيل..!» وهذا برأيى نقد يُواجه بالنقد من قبل النواب، ولا بد من نقد مجلس النواب وليس تجميلهم، وعليهم الرد بالحجة والمنطق، رغم أنّ كلامه ربما معظمه صحيح مائة فى المائة.. فكم من نائب ينام بالمجلس، وآخرون يتحدثون فى المحمول وآخرون يمكثون طوال اليوم فى مطعم وكافيه المجلس وآخرون يهربون من حضور الجلسات ثم يطالبون بالمكافآت على جلسات لم يحضروها أصلًا؟! وكم من الأموال المهدرة بالمجلس على احتفالات وبدلات ومكافآت مستثناة من الضرائب بأمر نواب الشعب؟!
وكانت تهمة عيسى جاهزة بأى حال من الأحوال وهى «تهديد الأمن والسلم فى البلاد»، وتهمة أخرى «تكدير الأمن والسلم الاجتماعيين، وإثارة الفتنة والقلاقل فى الشارع المصرى»، ربما ليس لعيسى تحديدًا بل لأى معارض للسلطة، ولمجلس النواب التابع للحكومة، أو لأى صاحب رأى مستقل عن السلطة والحكومة القائمة فى البلاد، وهذا لا يليق بمصر بعد ما حدث بها وما نادت به الثورات من حرية التعبير وعدم مصادرة أي رأى.. أخشى أن يكون مصير إبراهيم عيسى هو نفس مصير إسلام البحيرى عندما حاول الأخير الاختلاف مع الأزهر وعرض وجهة نظره، ولكن النظام لم يتحمل وضاق صدره. أعتقد أن عيسى أخطأ حينما شن هجومًا شرسًا على بعض الشيوخ والدعاة واصفًا إياهم بالتخلف والرجعية، وبأنهم شيوخ الفتنة كما جاء فى كتابه «أفكار مهددة بالقتل» الذى قال فيه إن الشيخ محمد متولى الشعراوى- رحمه الله- يمثل مجموعةً من الأفكار الرجعية المناهضة للعلم والتقدم، وأنه يخدم التخلف! وزاد عيسى فى نقده للشعراوى حينما قال فى الكتاب المذكور ما نصه: «لم أرَ شيخًا يمثل مجموعةً من الأفكار الرجعية المناهضة للعلم والتقدم إلا الشعراوى، ولم أصادف حتى الآن على الأقل رجلًا يستخدم كل المنح الربانية التى أنعم الله بها عليه فيما يخدم التخلف بمثل ما رأيت الشعراوي، ربما فى كلام عيسى هذا ما يثير غضب الكثيرين من محبى ومريدى الشيخ الشعراوى إمام المفسرين للقرآن فى العصر الحديث، ولكن على أى حال لا ننسي أن إبراهيم عيسى يعد أحد أكثر الصحفيين نشاطًا واحتجاجًا على ممارسات السلطة السياسية فى مصر، ونتيجة لمواقفه الوطنية أغلقت السلطات ثلاث صحف كان يرأس تحريرها منها «الدستور» التى صدرت فى ديسمبر ١٩٩٥، كما صودرت إحدى رواياته «مقتل الرجل الكبير»، واتُّهِمَ عيسى بالسّب والقذف والتحريض والإهانة والتطاول على رئيس الجمهورية الأسبق «مبارك».. فلا تقتلوا إبراهيم عيسى ولا تقتلوا حرية التعبير والفكر لكل الصحفيين والكتاب والإعلاميين، فكما قال جورج واشنطن أول رئيس لأمريكا: «إذا سلبنا حرية التعبير عن الرأى فسنصير مثل الدابة البكماء التى تقاد إلى المسلخ»!!