السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سجال فقهي حول السينما السعودية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعاد سماحة المفتى فى المملكة العربية السعودية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، لدى إجابته على سؤال، عبر محطة «المجد» التليفزيونية، الحديث عن مشاريع التطوير الترفيهية، وهى جزء من خطط الرؤية المستقبلية للمملكة، التى تسعى للاستفادة منها فى خططها التنموية، وإنهاء نحو عشرين عامًا من العزلة والجمود. أثار كلامه جدلًا؛ فاحتفى به من احتفى، وانتقده من انتقد، لكن فى رأيى، أن ما قاله المفتى فيه تأييد وليس ضد التوجه الجديد، لم يقل إنه ضد السينما مطلقًا ولا ضد الحفلات، إنما كانت لديه تحفظات، ردًا على سؤال أقحمت فيه عوامل افتراضية. وسماحته اشترط لرفضه فى حال كانت الوسيلة لنشر الخلاعة والإلحاد. لكن المفتى لم يقطع إجابته بالرفض والتحريم، كما اعتدنا من بعض رجال الدين المتعجلين أو المتطرفين، بل دعا الله أن يوفق القائمين على هيئة الترفيه، وأن يحوّلوها من سوء إلى حسن. كرسى الإفتاء فى السعودية موقع دينى كبير، فهو بمثابة مفتى كل المسلمين السنّة فى العالم، كون المملكة العربية السعودية تمثلهم وتقودهم دينيًا. والمفتى، سماحة الشيخ عبد العزيز، شخصية معتدلة، ومتسامحة، وخطبه وفتاواه عرفت بأنها خالية من لغة رجال الدين المتطرفين المنتشرين اليوم فى أنحاء الدنيا. وهذا لا ينفى عنه صفتى التدين والالتزام، وهو يؤمن بالقيم الإسلامية المحافظة، التى قد لا يتفق معه عليها كثير من المسلمين. ورغم أنه محافظ متشدد فقد عرف بأنه ضد التطرف، وضد استخدام الإسلام فى الإرهاب، وقد وقف مواقف شجاعة ضد فكر تنظيمات خطيرة مثل «القاعدة» منذ بداياتها، وعندما كانت تحظى آنذاك بتأييد بعض القيادات الدينية. وبسبب مواقفه المعادية للتطرف استهدفه الإرهابيون بأذى القول وحاولوا تشويه شخصيته الدينية، بل ووضعوه على قائمة تستهدفه بالاسم. كما يقف ضد منهج نظام إيران الدينى الذى يتبنى العنف السياسى، وكذلك عارض رجال السنة المتطرفين فى مسائل جدلية مثل العمليات الانتحارية ورفضها منذ سنوات بعيدة. والمجتمع السعودي المدنى منشغل بقضايا مختلفة عن الدول المجاورة، المنشغلة بالحروب والفوضى السياسية، هنا جلها اجتماعية. ويحاول المجتمع الخروج عن التقاليد والعادات التى لا علاقة لها بالدين، مثل قيادة المرأة للسيارة وفتح دور للسينما وغيرهما، ويمارسها معظم المسلمين فى أنحاء الأرض. هذه هموم السعوديين السياسية والاجتماعية، نتيجة لما تشهده البلاد من حالة انتقال لا تخفى على عين المتابع. فالتغييرات حتمية لأسباب تفرض نفسها، مثل غالبية الأجيال الشابة والراغبة فى التغيير، وانتشار تقنية التواصل مع العالم الخارجى، يواكبها انفتاح حكومى إيجابى يعد بتلبية متطلبات الشباب والعصر الحديث. وللانفتاح أقامت الحكومة جهازًا رسميًا يتولى تنظيم ودعم الأنشطة الترفيهية التى قد يرفضها بعض المنتمين للجيل القديم. هنا، فى المملكة، جدل «صحى» حول السينما والحفلات الفنية والمدن الترفيهية، كل يدلى برأيه فيه مؤيدًا ومعارضًا، إلا أن الإشكالات قد تأتى عندما يحاول البعض «استخدام» كبار رجال الدين فى ترجيح كفة الحوار وهو ما فشلوا فيه بإقحام سماحة المفتى، الذى قال إنه ضدها عندما تدعوا للخلاعة والإلحاد، وهى اشتراطات تؤكد موافقته.
وهناك من رجال الدين من حاولوا اعتراضها بوضع شروطهم، مطالبين بالاستفتاء وإشراك «الشعب». ومع أنه شرط غير مألوف فى المملكة العربية السعودية، فإنه لو أجرى الاستفتاء فى ظروف محايدة سنجد الغالبية الساحقة من «أطياف الشعب» مع هذه الأفكار والمشاريع التى يعتبرها هو مرفوضة. فغالبية السكان شباب، ستون فى المائة منهم تحت سن الثلاثين ويسكنون فى الحواضر لا الأرياف. النزيف الاقتصادى والفراغ عند الشباب ومخاطر استغلالهم فى الخارج كلها مسائل تستوجب التغيير الإيجابى.
نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط»