الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

معركة "الرغيف" تهزم الطبقات الثلاث

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تكدس وزحام، طوابير مد البصر، ربما تنطلق خارج حدود المكان المستهدف، يصطف بها رجال ونساء، صغار وعجائز، وصيحات تتعالى من بين مطالبات بالتبديل، وعمائم تحمل فوقها أقفاصًا خشبية تحمل ما يكفي الأسرة قوت يومها من الأرغفة الطازجة التي لم تتجاوز الـ5 قروش، ورائحة خبز تفتح شهية الجائعين المجاهدين في المحصول على ما يكفيهم رغم رحلة المعاناة أمام "الطابونة" والتي قد تمتد لقرابة الساعتين. هكذا كان الوضع قديمًا والذي كان يُغضب البعض الطامع في منظومة أرقى ترحم الضعفاء من قسوة الطوابير.
ترحل حكومات وتنتخب أخرى وتتبدل الحال وتأتي البشارة بمنظومة جديدة هي الأكثر آدمية، تحذف من قاموسها لعنة الطوابير والزحام على أن يحصل المواطن على ما يكفيه من خبز مدعم بنفس القيمة، ولكن من خلال المنظومة التموينية، فضلًا عن رفاهية "فرق النقاط" التي سال لها لعاب الجميع.
أخذت المنظومة الجديدة طريقها نحو الانتشار في المحافظات وسجّل المنتفعون بها وافر ترحيبهم وإعجابهم، إلا أن الحال لم تدم طويلًا، فهناك فريق ثالث ما زال يعاني ويلات الأسعار ويجبر على شراء الأرغفة المحرَّرة من الدعم، والتي يتراوح سعرها بين 25 و50 قرشًا.
قرارات اقتصادية جديدة شديدة القسوة زعمت الحكومة أنها كانت خطوة اضطرارية لا يمكن تأجيلها برفع الدعم عن المحروقات وتحرير سعر الصرف وقفزات الدولار التي لم تتوقف، كلها أسباب ألقت بظلالها على سعر رغيف الخبز الذي يعيش عليها الكثير من الأسر، والتي ارتضته غموس يومها الضائع في زحمة اللحوم والخضر التي لم تعد في متناول أحد إلا الطبقات فوق المتوسطة.
منظومة الخبز تتأرجح، وفارق النقاط يتقهقر، والأفران وأصحابها غير معنيين بالخسارة، ارتفعت الأسعار مجددًا ليصبح سعر الرغيف 75 قرشًا، وعلى المتضرر اللجوء للصيام النافلة.
"أم طارق" من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهي بائعة خبز بموقف الحي العاشر مدينة نصر، لم تعد تقوى على دعوات الجمهور حيث قالت: الفرن غلَّى سعر الرغيف أنا أشتريه بـ70 قرش وأكسب فقط 5 قروش في الرغيف، والزبون يتهمني بالجشع ولا ينصرف حتى يصرخ في وجهى مردِّدًا "حسبي الله ونعم الوكيل" وأنا بريئة من الدنب، أنا لم أجد من يرعاني وأنا من ذوي الاحتياجات، فكّرت في عمل فرشة للخبز لأسترزق منها، لكن يظهر إني فقرية، كل حاجة غليت وحركة الشراء تتراجع، أنا أصلًا مبختة- على حد قولها.
أم طارق تبرأت من الذنب، كان علينا التوجه لأحد الأفران بشارع العيادة زهراء مدينة نصر، حيث التقينا أحد عمال المخبز الذي قال: السولار ارتفع والدقيق أيضًا، حتى أسعار الخمائر وأجرة العامل، وهذا كله يعود بالزيادة على سعر رغيف الخبز؛ لأن ببساطة لا أحد يقبل الخسارة.
محمود إبراهيم، مُسِنّ متقاعد، تدخَّل بالحديث بشيء من الغضب عندما قال: رغيف الخبز أصبح بـ75 قرشًا، فضلا عن النقصان في الوزن والسرقة في الموازين، نحن نأكل عيش من قش، وأصبح الفرد لا يكفيه 5 من تلك الأرغفة الهشة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ثم إننا لسنا من المدرجين على التموين فكيف نقوى على تلك المعيشة التي لم تعد في متناول الطبقات المتوسطة، ناهيك عن الفقراء.
"والله العظيم 20 جنيه لا تكفي يوميًّا للخبز"، جملة قالتها سحر محروس، التي أوضحت: أسرتي مكونة من 5 أبناء وزوج وحماة، الـ7 أرغفة بعشر جنيهات الآن، أضطر لشراء 14 رغيفًا، والرغيف "أد اللقمة" لا يكفي لجائع، منها أصنع ساندوتشات المدارس بعد لعنة "الفينو" وما أصابه من سخط في الوزن، فضلًا عن ضرورة تواجد الخبز في الغداء ووجبة العشاء، أي أننا نحتاج 600 جنيه على الخبز فقط، بالله عليكم الراتب يحتوي على كم 600 جنيه؟
ارتفاع الخبز والبقول كان له الأثر السلبي على رفع أسعار الساندوتشات "فِطار الموظفين"، حيث التقينا أحد عمال أشهر مطاعم الفول بمنطقة وسط البلد، حيث أكد: أسعار الساندوتشات كلها زادت نصف جنيه ليصبح ساندوتش الفول بـ2 جنيه ونصف، كما هو حال الطعمية، بينما قفز البابا غنوج لـ4 جنيهات.
وبها يصبح أقل تكلفة لفطور أقل موظف هو 5 جنيهات مضروبة في 30 يومًا ليكون الناتج الإجمالي لفطار الشهر 150، فما حال وجبة الغداء الرئيسية، وكم تبلغ نفقات النقل والمواصلات؟ وتكلفة الفواتير؟ وما حال اسطوانات الغاز التي ارتفعت لـ70 جنيهًا، وما حال الطلبة مع الدروس والمراكز الخاصة؟ وكيف حال الدواء والزيادة التي بلغت 50% من قيمته التي زادت بالأساس من أقل من شهر؟ وكيف وكيف.. أسئلة كثيرة طاشت معها عقول الحكماء والطبقات الثلاث في مجتمع محاصًر من كل الجهات بشبح الأسعار والغلاء.