الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رفسنجاني.. غاب المعتدل إلا قليلًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدأ على أكبر هاشمى رفسنجانى (١٩٣٤ ـ٢٠١٧) فى العمل السياسى مع بداية الخمينى (ت ١٩٨٩)، وكان الأقرب إليه فى زمن النفى وما بعد الثورة، هذا ما نقرؤه فى مذكراته «حياتي» التى صدرت (١٩٩٧)، ونُشرت بالعربية (٢٠٠٥). تعرف على الخمينى خلال أيام الدراسة بمدينة قُم، وكان يعيش فى دار «الإخوان مرعشي»، التى تُقابل منزله. يقول رفسنجاني: «انجذبتُ إلى الإمام منذ رأيته للمرة الأولى، طلعة مهيبة محبوبة، وهيئة جذابة، وكان هذا هو الأساس المشترك لدى جميع طلبة الحوزة الشباب، وقد زادت اللقاءات اليومية والمتكررة مِن فضولي» (مذكراتي).
يصف رفسنجانى تلك اللحظة بـ«فرصة المنعطف»، إلى عالم السياسة، مرورًا بانجذابه إلى ما كان يطرحه الخمينى من مسائل الفلسفة والعرفان، على حد عبارته، وبهذا تم إصدار مجلة «مكتب تشيع»، جمعت فيها مريدى الخميني، مقابل مجلة «مكتب إسلام» التى كانت تصدر عن طريق المرجع شريعتمدارى (ت ١٩٨٥)، مع وجود مرجع أعلى هو حسين البروجردى (ت ١٩٦١)، إلا أن الشباب على شاكلة رفسنجانى كانوا ينجذبون إلى السياسة، حتى أصبحت «مجلة تشيع»: «منطلقًا لتعاليم الإمام الخميني». إلا أن وجود البروجردى كمؤثر أول لم يوسع الحراك السياسى أكثر مما كان، فلا الأخير ولا شريعتمدارى كانا مع هذا التوجه.
كان قبلها «نواب صفوي» (أعدم ١٩٥٥) نقطة الانجذاب للثوريين الإسلاميين، فـ«المشاعر أقوى تجاه فدائيى إسلام»، يقول رفسنجانى إنه كان تقريبًا مِن أنصارهم، ويأخذه الحماس للاجتماع بهم. ومعلوم أن صفوى له تأثير على الخمينى نفسه. كانت لصفوى صلة مع «الإخوان المسلمين»، وعندما اعتقل شكَّل «الإخوان» خلية ببغداد لإنقاذه (العجلي، الفكر الصحيح فى الكلام الصريح). مع أن الخمينى لم يتدخل فى السياسة إلا بعد وفاة البروجردي. يقول رفسنجاني: «لو أن الإمام الخمينى فى عصر السيد البروجردى تدخل فى الصراعات السياسية لما نجح، لعدم الانسجام بينهما، ولضاعت الفرصة المستقبلية» (حياتي).
كان التَّأثر مزدوجًا على رفسنجاني، بدأ بصفوي، المتخذ الاغتيالات طريقًا، وانتهى بالخميني. كان الأول بالنسبة له مقدسًا، مثلما الخمينى فيما بعد، والذى يصفه رفسنجانى بالإمام بينما لا يُطلقها على البروجردي، والأخير أكثر أعلمية، إلا أن صفة الإمام هنا تأتى بمعنى القائد، أى صفة سياسية أكثر منها دينية.
كانت معارضة «الثورة البيضاء» (١٩٦٣)، التى قام بها الشاه للإصلاح وتمكين النساء من التصويت، وتوزيع الأراضى على الفلاحين وإشراك العمال فى المصانع، بداية العمل السياسى المباشرة لرفسنجاني، فقد اشتدت المواجهة، وأدت إلى نفى الخميني، بعد أن حال دون سجنه وإعدامه حسن بقروان (أعدم ١٩٧٩)، مدير المخابرات، (بهلوي، مذكرات)، مع أن الشائع هو أن من أنقذه هو شريعتمدارى بمنحه درجة آية الله، وتلك تحمى مِن الإعدام. إلا أن بقروان أُعدم وشريعتمدارى سُجن فى داره بعد الثورة.
واصل رفسنجانى عمله السياسى وتعرض للاعتقال والتعذيب، أسوة ببقية المعارضين من شيوعيين و«فدائى إسلام»، وحسب تصريح خامنئى عقب وفاة رفسنجانى فإنه زامله سياسيًا لـ(٥٦) عامًا، مع إشارته إلى الاختلاف بينهما، ومعلوم أن لرفسنجانى رأيًا فى «الثورة الخضراء» (٢٠٠٩)، وكان ميالًا لتطبيع العلاقات مع الخارج، ومن قبل كان وراء القبول بوقف الحرب مع العراق (١٩٨٨).
سُئل رفسنجانى (١٩٨٤) عن تصدير الثورة، أى ما ثبت فى الدستور: «لا تلتزم هذه القوات المسلحة بمسئولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أعباء رسالتها الإلهية، وهي: الجهاد فى سبيل الله والنضال من أجل نشر أحكام الشريعة الإلهية فى العالم» (دستور الجمهورية الإيرانية)! فأجاب بأنه لا يتم بالفرض وإنما بإيصال صوت الثورة، ولا تحرج الثورة من الجهر والسعى لذلك، رابطًا بين تصدير الثورة ونشر دعوة الإسلام (هويدي، إيران من الداخل).
بوفاة رفسنجانى نتذكر مصائر كبار رجال الثورة الإيرانية، فمطهرى وطالقانى قضيا فى سَنة الثورة، وقضى تفجير القيادة (١٩٨١) على بهشتى ورجائى وآخرون، وانتهى منتظرى (ت ٢٠٠٩) إلى الإقامة الجبرية. وبسبب ممارسات التغييب يمكن القول إن الثورة أكلت رجالها.
تولى رفسنجانى منصب رئيس البرلمان، ثم رئيس الجمهورية، وقائم بأعمال القوات المسلحة، وأخيرًا منصب رئيس تشخيص مصلحة النظام.. لكن الواضح أن السلطات تركزت بيد الولى الفقيه، مع أنه لا يزيد فى تاريخه وجهاده على رفسنجاني، ولربما لو تولى الأخير هذا المنصب لحُلت أزمات، لميله إلى الاعتدال.
لكن فيما يخص العراق لا يبدو رفسنجانى معتدلًا، فعندما عاتبه أحد وجهاء مدينة النجف، على دعم إيران حرب المدينة (٢٠٠٤)، إذ دفعت طهران برجالها العراقيين لخوض المعركة، حيث قال: أنا لا يهمنى العراق وإنما يهمنى النظام الجمهوري!» (آمالى طالب الرِّفاعي). وأُوذيت النجف حينها كثيرًا، وكانت للضغط فى خروج الأمريكان. لابن العبد (قبل الإسلام): «يا لك من قبَرَةٍ بمَعْمَرِ/ خَلاَ لَكِ الجوُّ فَبِيضِى وَاصْفِرِي» (ابن منظور، لسان العرب).
نقلًا عن «الاتحاد» الإماراتية