السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوادث وقضايا

ننشر نص فتوى مجلس الدولة بعدم جواز إنشاء منظمات نقابية مستقلة

 مجلس الدولة
مجلس الدولة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

حصلت "البوابة نيوز" على نص فتوى قضائية أصدرتها الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة اليوم، الاربعاء، بعدم مشروعية قيام وزارة القوى العاملة والهجرة بتلقى وإيداع أوراق المنظمات النقابية المستقلة، مؤكدة عدم جواز إنشاء منظمات نقابية عمالية مستقلة أخرى بخلاف التى أجازها قانون النقابات العمالية.
جاءت الفتوى تماشيا مع فتوى أخرى أصدرتها فى وقت سابق بعدم مشروعية اللجان والاتحادات العمالية المستقلة، مشيرة إلى أن الأخذ بالنظام الديمقراطى فى إنشاء تلك المنظمات لا يمكن أن ينصرف بأى حال من الأحوال إلى إطلاق يد الأفراد والجماعات فى إنشاء منظمات نقابية بدون ضابط، ما يؤدى إلى تفتيت التنظيم النقابى وتصارع المنظمات النقابية مع بعضها على نحو يعيق أدائها لدورها.
وردت الجمعية العمومية على طلب تقدم به وزير القوى العاملة، للاستفسار عن مدى قانونية قيام الوزارة بتلقى وإيداع أوراق المنظمات النقابية المستقلة، والتى تم قبولها بناء على بيان "الحريات النقابية" الصادر عن وزير القوى العاملة والهجرة عقب ثورة 25 يناير، والذى نص على حق العمال فى إنشاء المنظمات النقابية والانضمام إليها واستقلال تلك المنظمات عن الجهة الإدارية فى وضع لوائح النظام الأساسى لها، والتصرف فى أموالها واختيار قياداتها.
وكان هذا البيان قد صدر استنادًا إلى الاتفاقية الدولية رقم 87 لسنة 1948 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم، والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 16 ديسمبر 1966، وصدقت عليها مصر وبناء عليه قامت وزارة القوى العاملة ومديرياتها بتلقى وإيداع أوراق المنظمات النقابية المستقلة.
وأصبح لدى مصر كيانان من النقابات، الأولى هى التى يتم إنشاؤها على سند من أحكام قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976، والثانية هى المنظمات النقابية المستقلة التى تم تأسيسها استنادًا إلى بيان "الحريات النقابية" السابق الإشارة إليه، دون أن يصدر قانون لتنظيم تلك المنظمات النقابية المستقلة، وهو ما ثار خلاف فى الرأى عن مدى قانونية تأسيس النقابات المستقلة فطلب وزير القوى من مجلس الدولة الإفتاء حول هذا الأمر.
استعرضت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع برئاسة المستشار يحيى دكرورى النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، كافة مواد الدساتير المصرية المتعاقبة بشأن إنشاء النقابات والاتحادات بدء من دستور 71 والإعلان الدستورى الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 30 مارس 2011، ودستور 2012، والمادة 76 و77 من دستور عام 2014، كما راجعت المواد 2 و3و8 و10 من الاتفاقية الدولية رقم 78 لسنة 1948، ومواد الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ووقعت عليها مصر ووافق عليها رئيس الجمهورية فى عام 1981.
وأكدت الفتوى أن المواد السابقة قد فرضت الأخذ بالنظام الديمقراطى لدى تنظيم إنشاء المنظمات النقابية، سواء للعمال أو لأصحاب الأعمال، والنأى بالنصوص التشريعية التى تقرر أى تدخل فى شئون إنشاء المنظمات النقابية بما يتعارض والضمانات التى أرساها الدستور فى هذا الشأن، لكن ذلك يجب أن يكون متوازنًا وفقًا للقواعد القانونية التى تصنعها السلطة التشريعية فى حدود ما يخولها الدستور من صلاحيات تحقيقًا لمصلحة الوطن، وكفالة الأمن والسلم الاجتماعي، والحرص على استقرار النظام العام، وعدم شيوع الفوضى بشأنها. كما أن الاتفاقيات الدولية أجازت للمشرع وضع القيود على ممارسة هذا الحق والتى تستوجب مصالح الأمن الوطني، أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم، وذلك استنادا إلى ما وسد إلى المشرع من سلة تنظيم الحقوق كافة، وتقييد الحريات على إطلاقها فى الحدود التى يرسمها الدستور، وفقًا لما يجريه من موازنة بين كفالة ممارسة الحقوق والحريات فى حدودها القصوى واعتبارات المصلحة العليا للمجتمع.
وأكدت كذلك أنه ولئن كانت الاتفاقيات الدولية متى استوفت مراحلها الدستورية المقررة يصير لها قوة القانون، وتصبح لها جزء من النظام القانونى الواجب التطبيق، وأن احترام الدولة لتعهداتها الدولية يوجب عليها تنفيذها بحسن نية تنفيذًا كاملًا إلا أن هذه الاتفاقيات لا ترقى فى سلم تدرج القواعد القانونية إلى مرتبة الدستور الذى يعد القانون الأساسى للدولة، فليست لها قيمة الدستور وقوته ومن ثم لا يجوز لها مخالفة أحكامه، والدستور نص على أن "إنشاء النقابات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون" وهو ما تسمو أحكامه على القوانين كافة، وكذلك الاتفاقيات الدولية التى لها قوة القانون.
وأشارت إلى أن قانون النقابات العمالية حرص على عدم تفتيت التكوين النقابى مما يؤدى إلى تناقضه واضطرابه فى المنشأة الواحدة، ويضعف موارده المالية التى يمكن من خلالها خدمة العاملين بالمنشأة، كما قرر تعدد مستويات التنظيم النقابي، حيث تضم اللجان النقابية للعمال المشتغلين فى مجموعات مهنية، أو صناعات مماثلة أو مرتبطة ببعضها، أو مشتركة فى إنتاج واحد نقابة عمالية عامة واحدة تعلوها، ثم يعلو هذه النقابات العمالية المتعددة الاتحاد العام للعمال.
واستعرضت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع كذلك المناقشات التى دارت بين أعضاء لجنة الخمسين التى وضعت دستور 2014، وتبين لها أن المشرع لم ينصرف إلى السماح بتأسيس أكثر من منظمة نقابية عمالية فى المنشأة الواحدة، وهو ما نص عليه الدستور صراحة بالنسبة إلى إنشاء النقابات المهنية بنصه فى المادة 77 منه على أنه "ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة".
واستطردت الفتوى أن المشرع فى قانون النقابات العمالية لا يعرف ما يسمى باللجان النقابية المستقلة أو النقابات المستقلة ولم يجز تأسيسها، وعلى الرغم من ذلك جرى إنشاء بعضها على خلاف الأحكام التى يقررها هذا القانون، ما أدى إلى وجود منظمات نقابية يفتقد إنشاؤها إلى السند القانونى الذى يجيز ذلك، ومن ثم يغدو ما جرى إنشاؤه منها غير مشروع قانونًا، ولا يحق لها التمتع بممارسة أية سلطات، المنصوص عليها بقانون النقابات العمالية وغيره من القوانين للمنظمات العمالية المشروعة، كما يغدو للسبب ذاته من غير الجائز إنشاء لجان، أو نقابات مستقلة جديدة.
أوضحت الفتوى أن المشرع اعتنق عند وضع قانون النقابات العمالية منهجًا معتدلًا فى فهم أحكام الاتفاقيات الدولية، فى عدم فرض مبدأ التعددية فرضًا مطلقًا وإنما تجيز الاتفاقيات تنظيمه، لضمان الحفاظ على استقرار العمل وانتظامه فى المشروعات والأنشطة المختلفة، وهو ما ينعكس إيجابًا على أمن الوطن واستقراره ومصالحه العليا، فقد أقر مبدأ التعددية فى الحدود سالفة الذكر، بما لا يدع مجالًا للشك عن عدم جواز إنشاء منظمات نقابية عمالية مستقلة أخرى بخلاف التى أجازها قانون النقابات العمالية.
وقالت فى حيثيات فتواها: إن الدولة المصرية قد أوفت بموجب دستورها وقانون النقابات العمالية بتعهداتها الدولية المترتبة على الاتفاقيتين المشار إليهما "اتفاقية الحرية النقابية والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية" بشأن كفالة الحق فى إنشاء المنظمات النقابية العمالية، كما أن هاتين الاتفاقيتين تهدفان إلى حماية الحرية النقابية، وعدم تقويضها من خلال تفتيت المنظمات بتكوين أكثر من منظمة نقابية فى الكيان الواحد بما يضعف الحركة النقابية، ويفت من عضدها.
وناشدت الجمعية العمومية فى نهاية فتواها، المشرع للتدخل وتنظيم حق أصحاب الأعمال فى تكوين منظماتهم النقابية، لأن المشرع قصر تنظيمه على العمال فقط، وسكت عن أصحاب الأعمال.