الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

"داعش" و"القاعدة".. صراع "الأب والابن العاق" من أجل فرض السيطرة

تاريخ التنظيمان يؤكد أن الخلاف «دعائى»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
التنظيمان اخلتفا فى البيعة واتفقا فى الهدف
«الظواهرى» استنكر مذابح «داعش» للمزايدة على التنظيم
«البغدادى» قاتل «النصرة» لرفضه الانضواء تحت لوائه
«داعش» استولت على أسلحة «القاعدة» وقتلت من رفضوا تسليم الذخائر

على الرغم من وجود بعض الاختلافات بين فروع تنظيم القاعدة وخلاياه فى الدول والمناطق المختلفة، سواء من حيث ظروف النشأة، أو الأهداف المرحلية والتكتيكية، أو أساليب الحركة والفعل، أو أنماط التعامل مع ظروف ومعطيات البيئة المحيطة أو غير ذلك من الأمور، فإن كل فروع التنظيم وخلاياه تنطلق من أيديولوجية واحدة كما عبَّر ويعبر عنها بن لادن والظواهري؛ ومن هنا فإن تنظيم القاعدة اليوم هو بمثابة شبكة عابرة لحدود الدول، وليس تنظيمًا مركزيًا هرميًا بالمعنى المتعارف عليه، منطلقاتها الدينية والعقيدية ومصادرها الفكرية، تتمثل فى إقامة الخلافة الإسلامية على نهج النبوة، وتطبيق شرع الله، وممارسة الجهاد العالمى. ويتوافق تنظيم القاعدة مع تنظيم «داعش»، فى فتوى أهل ماردين، حيث استندا فى إباحة قتال الحكام المسلمين، إلى فتوى الإمام ابن تيمية فى أهل ماردين الشهيرة بـ«فتوى التتار».
كما استندا لمفهوم «التترس»، أى جواز قتل المسلم إذا احتمى به الكافر، كأساس شرعى لتبرير بعض العمليات العسكرية التى يترتب عليها قتل. أما جواز قتل المدنيين، فهما يؤكدان عليه فى كل أدبياتهما، وقد شارك أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى وآخرون، فى توقيع وإصدار فتوى تحت اسم الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين، أعلنوا فيها أن «حكم قتل الأمريكيين وحلفائهم مدنيين وعسكريين، فرض عين على كل مسلم فى كل بلد متى تيسر له ذلك»، وطبقا لهذه الفتوى فإن تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش، يجيزان قتل المدنيين من الأعداء وحلفائهم، إلا أن «داعش» أصبح ابنًا عاقًا للقاعدة، إذ طلب «البغدادى» من «الجولانى» القيام بعمل عسكرى ضد قيادات «الجيش الحر» أثناء أحد الاجتماعات فى تركيا، وبرر ذلك بأنه «استهداف لصحوات المستقبل العميلة لأمريكا قبل استفحالهم فى الشام»، ورفض «الجولانى» ذلك، ما اعتبره «البغدادى» و«حجى» خروجًا صريحًا عن الطاعة. وأرسل «البغدادى» خطابًا شديد اللهجة يُخيّر «الجولانى» بين أمرين، تنفيذ الأوامر أو حلّ «النصرة»، وتشكيل كيان جديد، وطال انتظارهما لرد «الجولانى» الذى لم يصل، وبعث «البغدادى» رسولًا لمقابلة «الجولانى»، لكن الأخير اعتذر عن عدم اللقاء. عندها شعر «أمير الدولة» بالخطر، كون «الجولانى» بدأ يخرج عن السيطرة، بعدها، أرسل قيادات عراقية لمقابلة قيادات فى «الجبهة» لجس نبضهم حول تحقيق حلم دولة إسلامية ممتدة من العراق إلى الشام بقيادة موحّدة، وبالفعل تلمّس ميولا مؤيدة لدى هؤلاء، ومعظمهم من المهاجرين.
قرر «البغدادى» تشكيل فرق أمنية لتنفيذ مهمتين، الأولى تتمثل فى الاستيلاء على كل مخازن الأسلحة التى فى حوزة «الجبهة»، وتصفية كل من يرفض تسليم مخزنه فورًا، ولم يجد «الجولانى» إلا أن يبايع «الظواهرى» الذى أعلن أنه لم يُستشر فى قرار تمدد «تنظيم الدولة» لسوريا، ومن ثم قبل بيعة الشيخ الجولانى، ووافق الطرفان على تحكيم «الظواهرى»، ثم تراجع «البغدادى» عن قبول الحكم، وأعلن «تنظيم الدولة» مبدأ «كفوا عنا نكف عنكم»، وأنها ستقاتل «البغاة» المنشقين عن البيعة أينما كانوا حتى النهاية.
كما استنكر «الظواهرى» المذابح التى ينفذها «تنظيم الدولة»، وتكفيره للمقاتلين المسلحين، بينما يعتبر تنظيم «داعش» أنه دولة ممكنة والخارج عنها خارج عن البيعة يجب قتاله، كما فشلت محاولات عدة للصلح بين الطرفين، وصار القتال عامًا بين «الدولة» من ناحية، وكافّة الفصائل الأخرى من ناحية ثانية.
اعتبر «الظواهرى» أن «البغدادى»، أمير «تنظيم الدولة» ابن عاق له، وأصدر بيانًا مطولًا قال فيه: «وفى هذا الجانى المسكين المغرر به، الذى دفعه من دفعه بدافع الجهل والهوى والعدوان والطمع فى السلطة ليقتل شيخًا من شيوخ الجهاد، وهذه الفتنة تحتاج من كل المسلمين اليوم أن يتصدوا لها، وأن يشكلوا رأيًا عامًا ضدها». جاء ذلك عقب اغتيال «تنظيم الدولة» لأبى خالد السورى، أحد مؤسسى تنظيم القاعدة، الذى كلفه الظواهرى للصلح بين جبهة النصرة فى سوريا والدولة الإسلامية فى العراق. أمير «القاعدة» بدوره أصدر بيانًا بعد المعارك بين النصرة الدولة الإسلامية، أكد فيه أن الولاية المكانية لـ«تنظيم الدولة» هى العراق، وسوريا لـ«النصرة»، لكن «البغدادى» رفض ذلك، وأشار إلى أن دولته هى دولة حقيقية، وأن الذى يرفض بيعته هو مرتد، وأن «الظواهرى» ذاته لو كان موجودًا بالعراق لم يكن يملك إلا أن يبايعه. واتهم أبومحمد العدنانى، المتحدث باسم «تنظيم الدولة»، «الظواهرى» وتنظيمه بأنهم انحرفوا عن منهج «بن لادن»، وقال: لقد حرفوا المنهج، وأساءوا الظن، وقبلوا بيعة المنشقين، وشقوا صف المجاهدين، وبدأوا بحرب دولة للإسلام، قامت على دماء وجماجم الموحدين.
قال أبوالقاسم الأصبحى، القيادى بـ«دولة العراق»: لا خلاف فى الحكم بأن أتباع الظواهرى طائفةُ مرتدَّة تُقاتل حتّى تتوب إلى الله أو تُفنى كما صنع أبوبكر رضى الله عنه، ولا تضمن الدَّولة من كان فى مقرَّات المُرتدين وقُتل عرضًا لا قصدًا، وجبهتكم اعترفت بقتلها للهزبر أبى بكر، رحمه الله، ومن يُنازع فى ذلك فهو جاهلٌ لا يعرفُ من واقعِ الشَّام شيئًا! والمرءُ لا يعدِل بأبى بكر رحمه الله أحدًا! ولو بألفٍ ألف كمثل أبى خالد الشامي!
وقع على بيان العدنانى جمع من قادة القاعدة الأوائل ومنهم: أبوعبيدة اللبنانى، أبوالمهند الأردنى، أبوجرير الشمالى، عبدالعزيز، شقيق الشيخ أبى محمد المقدسى، وأبويونس الكردى، وأبوعائشة القرطبى. رأى تنظيم الدولة أن اللجوء إلى التحكيم غير جائز، لأنهم دولة، وقال: «البعض يلزمنا برد النزاع إلى الرجال، وهذا قول أهل الجهل والضلال، حتى لو كانوا من أهل التوحيد والقتال، والبعض يريد منّا أن نكون مع الأكثرية، التى كان يصفها بأنها آلهة دين الديمقراطية، وكل هذه الأقوال غير مرضية.
إن منهج وفكر تنظيم داعش كان مرصودًا داخل الحالة الجهادية عمومًا وداخل القاعدة، وهو ما دلت عليه وثائق «أبوت أباد» والتى أظهر بعضها رأيًا حازمًا كنقاش داخلى تجاه «الدولة الإسلامية فى العراق»، كما فى رسالة عزام الأمريكى إلى أسامة بن لادن والتى لا يبدو أنها كانت مؤثرة كما ينبغى، أو تلك التى قدمت وحدة التنظيم، وإنجازه فى العراق، على دماء المسلمين، كما فى رسالة بن لادن التى يطلب فيها من عطية الله الليبى معالجة شكوى جماعة أنصار الإسلام من تعديات «الدولة» بتطييب خواطرهم ولو بمجرد الكلام!، ودعوتهم للوحدة مع هذه «الدولة»!.
انتهت سياسات القاعدة هذه إلى الوصول الطبيعى لمستوى «تنظيم الدولة» التى تتهم الآن الظواهرى بالانحراف، ليتركز الصراع الدعائى بين الطرفين على محاولة إثبات الأصدق والأدق فى حراسة الأفكار التأسيسية، وبالتالى الأكثر أهلية لتمثيل الوحى والدلالة على الحق!».