الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أصنام العجوة.. وحرية «هايد بارك»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى زمن اختلاط الأوراق وتخبط الأدوار.. حين تتصدر «عصابة البنا» طليعة الثوار.. وتتحول الأحزاب من دورها بمفهوم المنابر السياسية إلى مجرد أسماء على الورق وساحات صراع نفوذ ومصالح.. ليس غريبا أن يتحول مفهوم المعارضة إلى شعار يُلصق على كل اختلاف فى وجهة نظر. 
الجميع يتفق على قدسية حرية التعبير والرأى وقبول مختلف مظاهرها.. حيث تكتظ منابر الرأى وسط حدائق «هايدك بارك» وغيرها من عواصم الدول الأوروبية دون أن تمنح هذه الطقوس أصحابها تأشيرة مرور إلى دور زعامة المعارضة حتى إن صدرت الآراء المختلفة عن شخصيات عامة وضمنهم الكتاب والإعلاميون مهما بلغت مهارتهم المهنية.. وجود أصوات وأفكار مختلفة فى أى منبر إعلامى حالة ضرورية وصحية مهما بلغ الاعتراض على «شطحات» أو دوافع هذه الآراء ومهما بلغ حجم النقد الموضوعى حول النزعات الاستعراضية الغالبة على أداء معظم الوجوه التى تطالعنا يوميا عبر مسلسل «توك شو» الفضائيات.. حالة الالتباس التى تنتاب للأسف الإعلاميين والكتاب -خصوصا أن الكثير منهم يرفع لواء الدقة والموضوعية- عند إيقاف برنامج أو مقال لم تعد تنصب على قضية الحرية بقدر التركيز على خلق نماذج زعامة رغم كل الحدود الفاصلة بين قيمة حرية التعبير ومقومات دور المعارضة.. أما الأسوأ فهو استغلال البعض الآخر المنع أو الإيقاف فى محاولات استعراضية أو ممارسات بطولية سعيا لتحقيق مكاسب شخصية عند المشاهد.. وتبدأ سلسلة المزايدات على المواقف فى غياب الرؤية الموضوعية والاندفاع وراء خلط الأوراق بعيدا عن أى اعتبارات مهنية.
حرية الرأى والتعبير هى جزء من منظومة دور المعارضة القائم فى كل دول العالم على وجود أحزاب حقيقية سواء كانت داخل أو خارج الحكم.. دور برلمانى مؤثر.. برنامج سياسى واضح.. رؤية دقيقة تطرح حلولا بديلة للقضايا التى تتبنى موقفا معارضا منها.. صيغة شاملة لحكم سياسى تدخل فى سياق برامجه حرية التعبير والرأى من الخطأ «تحجيم» دور المعارضة فى إطار هذه القيمة فقط.. بعد مرور ستة أعوام على التغييرات السياسية فى مصر راود المواطن مع بداياتها الأمل فى قيام حياة حزبية حقيقية انشغلت الأحزاب بأجواء الصراعات والتنافس على المصالح الشخصية عن ممارسة الدور السياسى الذى أوصلها داخل البرلمان.. هشاشة الكيانات الحزبية أيضا لعبت دورها فى ترسيخ خلط الأوراق بين الحدود التى تفصل زعامة المعارضة واختلاف الرأى.
حقيقة أخرى تفرضها الموضوعية حول تقييم حجم وقوة ردود الأفعال تجاه حرية التعبير والرأى والمبالغة التى تتسم بها إذا مست العاملين فى الإعلام المرئى أو المكتوب ودفعت العديد –تحت أوهام النجومية- إلى تقمص دور الزعامة متجاوزين دورهم الذى يقتصر على الحق فى الاعتراض والنقد كإعلاميين أو أصحاب رأى بينما المعارضة السياسية مكانها الأحزاب والبرلمان بل إن الرغبة المحمومة فى تقمص الوهم واصطياد البطولة دفع العديد منهم إلى التضحية بعدة ثوابت مهنية فى سبيل استعراض مهاراته والأمثلة ليست بعيدة عن ذاكرة المشاهد.. اتهام الأمن بقتل الشاب الإيطالى ريجينى ولا يبرئ ذمة الإعلامى الادعاء أنه فقط يردد بيانات مجهولة المصدر، والتشكيك فى الصادرات المصرية.. وأخيرا إذابة الحدود بين النقد والصالح العام الذى لا يحتمل إثارة الرأى وخلق حالة توتر بين الإعلام والبرلمان.. تجربة البرلمان يُسجل عليها عثرات ومستوى أداء لم يصل بعد إلى مستوى توقعات المواطن الذى ينتظر أيضا من إعلامييه وكتابه نقدا لأداء البرلمان عبر حوارات مع نوابه ومسئوليه تكشف السلبيات قبل الإيجابيات.. أما الصراخ باتهامات مرسلة تمس الجميع مثل التأكيد على وجود نوايا برلمانية لتعديل بنود فى الدستور أو التحضير لإقرار قانون تمديد فترة الرئاسة.. كل هذه القضايا المصيرية يعلم سيدات وسادة «الميكروفونات» أن الشارع لن يقبل بتمريرها دون عملية استفتاء.. من جهة أخرى المتابع لنسب الإقبال على الانتخابات والاستفتاءات التى تمت منذ ٢٠١٣ سيرصد اختفاء ظاهرة الأرقام المبالغة سواء فى المشاركة أو التأييد (التسعين فى المائة) التى وضعت النتائج السابقة فى دائرة التشكيك بحكم عدة عوامل ضغط سواء أمنية أو مادية أو دينية. قبول الأمر الواقع يفرض الاعتراف بأن المناخ الإعلامى السائد منح صحفيين لا أحد يزايد على مهارتهم وقدرة البعض منهم على إثارة قضايا مهمة، ومنابر إعلامية يطرحون عبرها آراءهم على مدى ساعات.. المؤكد أيضا أن هذه المساحة ليست مصنعا لقيادات أو زعامات سياسية.. كما لن يخدم الرأى العام تحويل أصحاب الرأى إلى أصنام العجوة التى كان أعراب الجاهلية يلتهمونها بعد الانتهاء من التعبد لها.