الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"حافة الكوثر".. خدعة التخييل بما يشبه السيرة الذاتية

أولى روايات الشاعر «على عطا»

رواية حافة الكوثر
رواية حافة الكوثر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأشكال التعبيرية متعددة كما هى الأجناس الأدبية، وهذا التعدد لا يلغى أواصر القربى بينها، غير أن كل شكل تعبيرى يفسح أمام المبدع متنفسات يجد فيها وعبرها ما لا يجده فى غيرها وإن كان من الأمور الشائعة نسبيا أن يكتب كاتب القصة القصيرة رواية أو أن يكتب الروائى قصة قصيرة، لكن الأمر غير الشائع أن يكتب المبدع الشاعر، الذى رسخ وجوده الإبداعى شاعرا، رواية من حين إلى آخر أو يزاوج فى إبداعه بشكل مستمر بين الشعر والرواية، كما هو فى حالة الكاتب الشاعر «على عطا». 
«عطا» تمكن من أدواته الفنية شاعرا وروائيا متمكنا من حدود الفنين، ويمكن أن يجد الناقد نفسه أمام ذلك، بصدد موضوع جديد يطلق عليه (شعراء يقتحمون حدود الرواية). 
ففى أولى تجاربه الروائية «حافة الكوثر»، الصادرة حديثا عن الدار المصرية اللبنانية للنشر، يخوض «عطا» كتابة الرواية بحس شاعري، وليس القصد هنا شعرية اللغة بقدر ما هو التكثيف الشديد والأفكار شديدة التركيز فيما يمكن أن نطلق عليه «عبارات برقية»، فعبر سرد يشبه إلى حد كبير تيار تدفق الوعي نلج عالم «حسين» نزيل «مصحة الكوثر» النفسية. 
رغم أن الجميع يحملون بين جنباتهم أمراضا نفسية شتى، فإن القليلين فقط من لا تتحمل طبيعتهم الرهيفة قبح الواقع والعالم المعيشى من حولهم، لا يجدون الطاقة لتحمل تلك التحولات المجتمعية التى تحيطهم. 
الضغوط التى طاردت حسين سواء من زواج لا يحتمله، ويبدو من بين السطور أنه زواج تقليدي، بيت وأسرة وأبناء، فكان أن هرب «حسين» إلى واحة «سلمى السكري» زميلة العمل، أو بمعنى أدق من تفهمت الفنان المرهف بداخله، فكان أن طاردته هى الأخرى بمطلب الزواج لقطع ألسنة السوء. 
كان من الطبيعى بعد كل هذا أن يجد «حسين» نفسه نزيل مصحة الكوثر التى دخلها من قبل ٣ مرات، وفى كل مرة يوصى الطبيب بأدوية لا غنى عنها، إلا أن الشفاء والخلاص الحقيقى كان من خلال الكتابة حيث ترتيب العالم الداخلي. 
هناك دور كبير لتلك الشخصية التى لم نعرفها إلا من خلال ردودها على «حسين»، إنه «الطاهر يعقوب» مصدر النور وطاقة الإيجابية التى تدفع «حسين» للتغلب على اكتئابه ومخاوفه النفسية. 
لم تكن فقط هواجس الراوى العليم وحده ما بين زمنين، أولهما زمن المنصورة فى الطفولة والصبا، بكل براءته وتلك الأيام النقية، بعيدا عن الهموم، وإن لم تخل تماما من الشجن، فما زال حسين يحمل بقلبه ندبة عن الخال الذى قتله الأعداء وصديقه عبد العزيز السعيد الذى فقد اتزانه النفسى تحت وطأة التعذيب فى الأسر.
أما الزمن الثاني، فهو زمن القاهرة التى شاخت وتشوهت وتحولت طرزها المعمارية الحضارية إلى علب أسمنتية، وما تحمله من قماءة ورداءة فتضغط على ساكنيها، حتى يقعوا فريسة الاكتئاب والأمراض النفسية وحتى بعد أن يبتعدوا يطاردهم القبح داخل المصحات، فنجد «أبو كامل» الذى يرى أن الأرض أرض الله ما دام قد وضع يده عليها، فيخطط للاستيلاء على الفيلا المقامة عليها مصحة الكوثر ليحولها إلى برج سكنى أو إداري، ولمَ لا ما دام ليس هناك من يردعه أو يحاسبه، فلو كان أحد قد حاسب ورثة «حسين صدقي» الممثل المعروف على وصيته تلك التى تركها لأولاده بحرق الأفلام التى شارك فيها إنتاجا وتمثيلا لكان حاسب من تسبب فى نشر العشوائية والقبح. 
حتى عندما قامت ثورة ٢٥ يناير، اهتمت النخبة فقط بمصالحها الضيقة، خاصة من الشريحة الوسطى فى المجتمع، وقد جاء مشهد مرور المتظاهرين أمام الجريدة التى يعمل فيها «حسين» شديد الدلالة على ذلك: «لم ينضم أى منا إلى أولئك الذين كانوا يخاطبوننا مباشرة: يا أهالينا انضموا لينا، وسرت بيننا همهمات حول ضرورة أن يبادر كل من له سيارة فى الشارع إلى إدخالها فى جراج العمارة حتى لا تتحطم أثناء اشتباكات متوقعة، والأفضل أن يغادر بها إلى بيته فورا إذا لم تكن هناك حاجة ملحة لبقائه فى الجريدة». 
«على حافة الكوثر» بداية قوية تنبئ بمولد روائى من خلفية شعرية ملم بأدواته الفنية، خاصة عنصر التتخييل، بشدة حبكته التى قد تضلل المتلقى فيحسب أنها وقائع حقيقية أو ما يشبه السيرة الذاتية، نظرا لوجود بعض الشخصيات التى تشبه مثيلتها الحقيقية، ومنها شخصية (سميح جرجس) الذى نلمح فيه صورة الروائى الكبير رؤوف مسعد.