الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أزمة السفير.. ليست نهاية تجربة مهنية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تابع المعنيون بصناعة الصحافة وشئونها، من الأكاديميين والممارسين والنقاد بحزن بالغ، تلك اللحظات الأخيرة التي أسدل فيها صناع صحيفة السفير اللبنانية العريقة الستار على هذه التجربة المهنية المتميزة في العالم العربي.

ولعل في اختيار ناشري الصحيفة لليوم الأخير من نهاية العام المنقضي موعدًا لتوقفها، أو بالأحرى توقف نسختها المطبوعة، ما يحمل الكثير والكثير من الدلالات، أولها: أن أمل ملاك الصحيفة وناشريها في إمكانية عودة الدماء مرة أخرى لتجري في شرايينها المتصلبة قد أصبح وهمًا أو سرابًا، بعد أن كانوا قد قرروا منذ ستة أشهر سابقة وقف النسخة المطبوعة من الصحيفة والاكتفاء بنسختها الإلكترونية، ثم تراجعوا عن هذا القرار تحت ضغوط المحررين والقراء، وكثير من القوى السياسية والديمقراطية في لبنان والعالم العربي، مؤملين في أن إتاحة فسحة من الوقت – رغم الأزمة المالية الطاحنة التي تتعرض لها الصحيفة ، ككل الصحف المطبوعة في العالم – قد يؤتي بثماره وتستطيع الصحيفة المتميز في خدماتها ، والتي صدر عددها الأول منذ أكثر من 42 عاما ، أن تحقق توزانا بين عائداتها وإيراداتها ونفقاتها وتكاليف الإنتاج الضرورية ، بغض النظر عن أي هامش ربح منتظر يمكن أن يتطلع إليه أصحاب المشروع أنفسهم ، فلم يتحقق لهم ما يريدون ، واستمر أصحاب المشروع احتراما للعاملين في الصحيفة ، ووفاء لقرائها الذين ما زالوا متمسكين بها يتحملون الخسائر يوما بعد الآخر، إلى أن توصلوا إلى تلك النتيجة الحتمية المتوقعة ، وهي أنه لم يعد بالإمكان تحمل تكاليف الصدور والعجز المالي الهائل في ميزانية الصحيفة ، ومن ثم إعلان وقف طباعة النسخة الورقية التقليدية من الصحيفة.

والأمر الثاني: أن إعلان توقف طباعة صحيفة السفير اللبنانية الشهيرة ليس أمرًا خارج الحسابات والتوقع والسيناريوهات المطروحة حول مستقبل الصناعة الصحافة المطبوعة في العالم كله ، بل إن كثيرا من الأكاديميين والنقاد والمحللين والصحفيين قد أصبحوا ينتظرون يوما بعد الآخر مزيدا من الإشعارات بتوقف تجارب صحفية أخرى ، خاصة وأن السنوات العشر الأخيرة قد حملت مثل هذه الإشعارات المؤلمة لتجارب صحفية ومهنية متميزة في كثير من النظم الصحفية والسياسية المتقدمة في العالم الغربي ، حيث تشير الأرقام والإحصاءات إلى أنه خلال الفترة من 2000 وحتى 2015 قد توقفت أكثر من 300 صحيفة يومية وأسبوعية في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة تزايد خسائرها وديونها، بالإضافة إلى اندماج كثير من الصحف الصغرى والمتوسطة في مشروعات وسلاسل صحفية كبرى ، وبالمثل فقد توقف ما يقرب من 150 صحيفة في كل من ألمانيا وإيطاليا خلال السنوات الأخيرة ، وتنتمي هذه الصحف في معظمها لنمط الصحف الإقليمية واسعة الانتشار وعالية القيمة ، وغيرها من المؤشرات والتجارب ، إلا أن اللافت للنظر في هذا الموضوع هو إصرار كثير من الصحف والمشروعات التقليدية التي تم تعطليها أو توقيف نسخها وإصداراتها الورقية على البقاء والاستمرار في شكل آخر أو بديل آخر هو النمط الإلكتروني ، باعتباره النمط الأقل تكلفة ، والأكثر ثراء وفاعلية ، والأوسع في انتشاره بين قطاعات الجماهير المختلفة ، وهو الأمر الذى دفع أحد كبار المنظرين في مجال الإعلام ، وهو الباحث الأمريكي الشهيرFidler ، صاحب النظرية الحديثة الموسومة بـ " تشكل وسائط الاتصال " Media Morphosis ، إلى القول : لماذا ينظر الناس والمعنيون بصناعة الصحافة ووسائل الإعلام التقليدي والجمهور إلى تحول الصحافة المطبوعة إلى نمط الصحافة الاليكترونية باعتباره انتهاء انقراضا الأولى ، كما تنقرض بعض فصائل الحيوانات أو تفنى ؟ .. ويستطرد الباحث قائلا : إن المسألة جد مختلفة ، ويجب أن ننظر إليها باعتبارها أحد أشكال تطور الوسيط وليس زوال أو فناء الوسيلة أو انقراضها ، وحين نصل إلى هذا المستوى من الوعي نستطيع أن نتعلم من دروس الماضي ومن أخطائنا السابقة ، ونستطيع أن نتعامل مع تطورات الحاضر والمستقبل من على أرض ثابتة ، وبجاهزية أفضل.