الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قراءة المكتوب فى «جروب» حنان مرزوق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تدفع مفارقات القدر العجيبة سبعة أشخاص غرباء للالتقاء فى «جروب حنان مرزوق»، ليفتح كل منهم جُرْحه وألمه، ويروى قصته، ويكشف تفاصيله المختبئة فى مرآة الآخر، ويفرغ نفايات نفسه الشعورية والعاطفية والفكرية، وينسج أحداثًا وأفكارًا وألوانًا جديدة مشرقةً.
تلعب استشارية «علم النفس» المخلصة والمجتهدة والأمينة «حنان» فى الجلسات الفردية دور «الصندوق الأسود»، الذى يحتفظ فى باطنه بأدق تفاصيل أسرارهم، لكنه «صندوق» من لحم ودم ومشاعر، قادر على حبهم، واحترامهم، وفهمهم، وانتشالهم من سموم أفكار وأحاسيس رديئة متراكمة، ملتمسة عالم الروح الأنقى والأعذب والأجمل. 
تتحول فى الجلسات الجماعية «الجروب» إلى «المايسترو» البارع، الذى يتقن أصول اللعبة، فيتفاعل بحُنْكَة مع أزماتهم وانكساراتهم وانهياراتهم داخل مجتمع مأزوم ومهزوم، يحاصرهم دومًا بسموم الإحباط واليأس والفرار، لكنها تفتح أمامهم أبواب الصيدليات، وتدربهم على كيفية صناعة أقراص الدواء. 
تشْتَبك «كاتبة السطور» بحدة فى خضم أحداثه العاصفة، لأنها شخصية عنيدة، تقدس ذاتها، لا تخضع فى حياتها، لا تخون معتقداتها، ورغم أنها تعمل، وتقرأ، وتدرس، وتكتب، وتتدفق أفكارا وخيالات ومشاعر وجنونا طول الوقت، إلا أن سماءها تخلو من عطر «رجل»، تعتدل به كفة ميزانها؛ لأن قلبها مازال طفلاً صغيرًا جدًا برغم نضج عقلها.
تُلْقِى «المستشارة القانونية» بظلالها الوارفة والمنعشة، رغم أعباء دراستها، ومشاق عملها، وثقل مسئولياتها داخل بيت يخلو من الأم، تشاكس فيه الأب، وتعلمه، وحينما تداعب فراشات «الحب» قلبها، تقذفها لمجاهل خَطِرة، لا تحتملها أنوثتها، وعذوبتها؛ لأنها تفتقد دومًا تناغم عقلها مع قلبها، وانسجام أفكارها مع أحاسيسها.
يرسم الأستاذ الفَطِنْ والبارع فى «فن الألوان» صورة طفولته البريئة، التى ذبحت فى الماضى من قسوة الألم فى مجتمع مريض، منغلق، متجمد المشاعر، لكنه يقرر بحسم العودة سالمًا إلى الحياة مرة أخرى، ليصفع كل صور القبح حوله، ويخلق الجمال فى عالم يخصه، ليظل مسافرًا فيه، راحلاً إليه. 
يحفر «المهندس» و«المُصَور» المرهف والمبتكر أساسات إنشاءاته اليافعة منسجمة مع خطوط لوحاته الساحرة فى عالم مشوه، يفتقد فيه الأمان والدفء والسلام، فيحلم بطيف «الفتاة» الرقيقة، التى تمنحه الطمأنينة، ورغم مروره بالكثيرات، إلا أنهن باهتات، يقعن منه مسرعات فى مختلف الطرقات.
يجيد «الشيف» اللطيف إعداد وجبته الشهية، لكنه لا يتذوق منها سوى القليل؛ لأنه غائب دومًا عن ذاته المشروخة بعد انقضاء رحيق أبيه، ليعيش غريبًا وسط أفراد أسرته، التى لا تفهمه، لا تقدره، لا تحتمله، فتختبئ إنسانيته المذعورة داخل جدران غرفته. 
تنغمر «الجميلة» فى تصميم المواقع الرصينة فى عالم تعيش فيه وحيدة، غارقة فى دموعها الأسيرة، التى تنهمر غزيرة حين تلمح ذاتها السجينة فى تفاصيل حكايا أصدقائها المريرة.
تصرخ «السندريلا» فى صمت بعد تهشم ذاتها الناعمة والشفيفة أمام انهيار جنة أبيها، فلا تجد غير ملاذ «الحب» يلهمها قنديل «الأمل» فى عالم ضاع منه الأمان والسكينة.
تعزف «المترجمة» الصغيرة ألحانًا حزينة على أوتار قلبها المرتعش داخل ثلاجة أسرتها البعيدة، لكنها تداعب دومًا ظل «الحب» الغائب، تنتظر أفراحه القريبة.
تغرس «حنان مرزوق» أو «Hanan Marzouk» على صفحة التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» وردة، لونها «روز» رشيقة فى سلة «البروفايل» الخاص بها، وتنحت على جدرانها وجه طفل، أسمر، ساطع، شعره مجعد، طلته بديعة. 
يجسد أفراد «الجروب» فكرة «المكتوب» فى كلمات أغنية «أصالة» الفريدة: («تساهيل»، «كلاكيع»، «سر الدنيا التنويع»، «تفاصيل»، «مواضيع»، «ما هو لا نحلها»، «لا نضيع»)، («الحياة سكتين»؛ «سكة جنة»، و«سكة نار»، «بس كل حد فينا»، «عنده فرصة الاختيار»)، («الدنيا حلوة»، و«أحلى حاجة إنك تعرف يوم تعيش»)، («صعاليك»، «بهوات»، و«حياتنا دى اشتغالات»، و«ده جاى»، و«ده فات»، و«الرَّك على النهايات»)، («الدنيا شيكا بيكا»، و«لو ماضيك كان شِمال»، «دوَّر جوَّاك تلاقى فيه حاجات آخر جمال»).
أتصور أن كلا منا بسهولة، يمكن مشاهدة نفسه جزءًا أو تفصيلاً فى ملامح كل شخصية أو أكثر فى ذلك «الجروب»، الذى أثبت أن البشر هم وحدهم القادرون على رسم مصائرهم، وليس الزمان أو المكان أو الظروف، إنما هو مدى ضعفهم أو صلابتهم فى فهم واستيعاب ذواتهم، وأزماتهم، وانهياراتهم، وإجادة فن التعامل معها.
استأصل «جروب حنان مرزوق» جذور العفن المستوطن أنسجة النفس البشرية، وحرر عالمها الداخلى من انفعالاتها وأحزانها وآلامها المكبوتة، واخترق حدود المستحيل، وأثبت أن العلاج فى داخلنا دومًا موجود.
إن اعتلال «النفس» ليس عيبًا وعارًا، بل قدرًا وقمرًا، يحمل رسائل ومعانى ودلالات عظيمة، لكن جهل قراءته، والاستسلام له، والتماهى فى صحبته، والاكتفاء بمسكنات بائسة، دون جراحة عاجلة، هو مكمن الخطر.
إنها تجربة إنسانية مدهشة، تكشف احتياجنا الحرج إلى إجادة قراءة ذواتنا، وتخطى حدود آلامنا، ومصافحة عيوبنا، والتطهر من أوساخ خطايانا وبشاعاتنا، واكتشاف قدرتنا الخارقة على التجدد والصمود والحياة، رغم سحابات الغيوم الكثيفة التى تغطى أجواءنا.