الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأسباب الخفية للأزمة المصرية السعودية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صورة الوزير السعودى أحمد الخطيب، وهو يزور سد النهضة الإثيوبى يبدو أنها كانت العذر للبعض للتراشق الإعلامى الذى نقل العلاقة بين الرياض والقاهرة من الحميمية إلى لغة دورات المياه.
وحتى لو افترضنا أن الصورة والزيارة فى باطنهما معانٍ غير السياحة والاستثمار، فإن إدارة الأزمة باستخدام الإعلام تعتبر وسيلة ضغط قديمة بالية وفاشلة ومضرة.
إثيوبيا دولة مهمة اقتصاديًا فى إفريقيا، وتعتمد عليها الولايات المتحدة فى معالجة عدد من قضاياها العسكرية والسياسية فى القارة، حيث نجحت مثلًا فى احتواء الصومال بالقوة، بعكس أفغانستان، وقامت بتأديب إريتريا، مع هذا فإن مصر تبقى أكبر وأهم، وأكثر قيمة عند السعوديين من إثيوبيا. هذه مسألة محسومة مهما قال عكس ذلك الإعلاميون المصريون والسعوديون.
نعم، تمر على العلاقات هبة شتاء باردة، لكنها ليست حول قضايا سياسية إقليمية كبرى كما يروج، أو على الأقل ليس بعد. ويفترض من الدبلوماسيين المهرة أن يعزلوا أسباب الخلاف عن مجمل العلاقات، ومن المألوف أنه حيثما توجد علاقات كثيفة ومترابطة عادة تقع الخلافات، ولهذا علاقاتنا مع الدول الإسكندنافية دائمًا مستقرة. الخلافات بين البلدين الشقيقين ليست حول ما يروج، ليست سوريا كما يشاع، وأستبعد ما زعم بأن مصر تزود المتمردين فى اليمن بالصواريخ، لأن مصر تدرك أنه عمل خطير، فالصواريخ الحوثية مسئولة عن قتل مدنيين سعوديين، حيث يستهدفون عمدًا القرى والمدن داخل الحدود السعودية. كلها روايات تروجها أصوات محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.
كما أن إعلان أطراف عراقية عزم الحكومة تزويد مصر بالمنتجات النفطية بديلًا عن الشحنات السعودية المتوقفة ليس معقولًا. فمن الصعب على العراق مدها به، لأنه لا يملك ما يكفى حاجته، ولا يمكن أن يستمر بتقديمها مجانًا. أما موقف مصر حيال سوريا فهو واقعي، لا يختلف عن موقف تركيا فى الآونة الأخيرة. وفى آخر مشروعين قدما للجمعية العمومية صوتت مصر إلى جانب الشعب السورى ضد نظام الأسد، بخلاف بعض الدول العربية الحليفة. كما أن موقفها الأخير فى مجلس الأمن ضد المستوطنات الإسرائيلية مرتبط بظروف القاهرة، ولا نتوقع منها أن تعرض أمنها ومصالحها الكبرى للخطر، خاصة بوجود دول أخرى قامت «بالواجب» نفسه وأعفت القاهرة من الإحراج والأزمة من أجل قرار رمزي.
الخلافات السعودية المصرية هى على مسائل ثنائية، ولا أقول ثانوية، وستنتهى بالتفاهم بعد شهر، أو سنة، أو قد لا تحل. ولا يفترض أن تترك العلاقات للمساومة لأنها استراتيجية، ومخطئ من يحتسب موقف مصر عندما تساند دول مجلس الخليج ضد إيران على أنه موقف تضامني، بل يخدم المصالح المصرية العليا، بمنع إيران من التمدد والهيمنة سواء فى سوريا أو العراق أو الخليج. فتعاظم نفوذ إيران فى كل متر على الأرض يتم على حساب مصر كدولة إقليمية كبرى موازية. وإذا أرادت القاهرة الانكفاء والتنازل عن دورها، فإن هناك العديد من الدول الإقليمية الكبرى الأخرى متحفزة للقيام به، ودول الخليج هى التى ترجح الكفة بين تركيا وباكستان وإثيوبيا وإيران، ولعب الدور الإقليمى يعظم من قيمة الدول سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا.
فمصر تحصل على ثانى أكبر معونة عسكرية اقتصادية أمريكية، ليست فقط جزءًا من ترتيبات اتفاقية كامب ديفيد، بل أيضا لأهميتها الإقليمية، وهو ما أفشل محاولات المعترضين عليها فى الكونجرس لوقفها أو تخفيضها.
أرى أن أكبر عيب فى العلاقات الخليجية المصرية يكمن فى محدودية أفقها، تظل مجرد علاقات بسيطة المضمون. والتوجهات الأخيرة، منذ نحو عامين، ببناء شراكات اقتصاديات جيدة، لأنها تضمن ديمومة العلاقات بدلًا من سياسة المنح والمساعدات. فالشراكات توسع حجم النشاط بين الجانبين، أكبر بمرات من القائم حاليًا، ويمكن أن تغير واقع اقتصاد مصر والخليج. هذا ما طرحته الحكومتان السعودية والإماراتية على القاهرة، والعتب دائمًا على البيروقراطية المصرية، هى عدوة الحكومة المصرية أكثر من كل خصومها الآخرين مجتمعين. وإن لم تسِر مصر سريعًا فى طريق الإصلاح فإنها ستفقد الفرص التاريخية التى تتشكل فى الخليج، ولن تكون شريكًا اقتصاديًا عملاقًا، وستبقى تتطلع للمعونات التى يستحيل أن تدوم بأرقام كبيرة.
ختامًا، نحن نعرف أن الذين يحاولون تخريب العلاقات جماعات هى خصم للطرفين، توزع صور صواريخ مزورة، وتضخم قرارات سياسية محدودة وتحرّض على القطيعة.
نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط»