الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الشروط الغائبة لتجديد الخطاب الديني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أيام أطل علينا النائب، عمر حمروش، أمين سر لجنة الشئون الدينية فى البرلمان و٦٠ عضوا آخرين بمشروع قانون تنظيم الفتوى فى الشريعة الإسلامية، وبدوره قام رئيس مجلس النواب الدكتور، على عبدالعال، بإحالته إلى لجنة مشتركة مكونة من أعضاء لجنتى الشئون الدينية والتشريعية والدستورية. ومع أن مجتمعنا بحاجة ماسة لتنظيم عملية الفتوى وحظرها على الأدعياء، إلا أن مشروع القانون حمل فى طياته ألغاما لها قوة تفجيرية هائلة كفيلة بتدمير عصب دولة الدستور والقانون وكل محاولة جادة لتجديد الخطاب الدينى. صحيح أن الألغام المقصودة تنفجر فى وجوهنا صباح مساء منذ قرون طويلة، لكن المشروع المقترح يكسبها شرعية تجعل عملية مقاومتها ضربا من ضروب المستحيل الذى يقود إما إلى تهم الكفر والإلحاد، وإما إلى غياهب السجون.
المادة الرابعة من مشروع القانون هى من حملت تلك الألغام، عندما أعطت هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء الحق الحصرى للفتوى فى القضايا العامة المتعلقة بشئون الوطن.
ذلك أن مصطلح القضايا العامة يشمل السياسة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية والثقافية، وكلها أمور ينظمها الدستور والقانون، أى الاجتهاد البشرى لممثلى الأمة الذين يقومون بالدور التشريعى.
ومعلوم أن المشرع يضع فى حسبانه نص الدستور على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وإذا تم سن القانون وإصداره أصبح ملزما للمواطن فى الدولة المدنية الحديثة ولا مجال لتدخل رجال الدين للفتوى فى عدم مشروعية القانون أو حرمانيته أمام الرأى العام، وكل ما لهم فى دولة الدستور والقانون أن يلجأوا إلى المحكمة الدستورية العليا لتغيير التشريعات طبقا لنص المادة الثانية.
أى أن المواطن غير ملزم بفتاوى رجال الدين فى شئون نظمها الدستور والقانون حتى لو كانوا من أعضاء هيئة كبار العلماء أو دار الإفتاء. 
إلى ذلك لا يزال واقعنا الفقهى يعتمد على فتاوى الأقدمين ومذاهب السابقين من أهل السلف الذين يفصل بيننا وبين اجتهادهم مئات القرون.
وهنا يظهر لغم آخر سبق أن تفجر فى وجه الباحث الجاد «إسلام البحيرى» وآخرين من أمثال الدكتور نصر حامد أبوزيد، حيث إن حصر حق الفتوى فى القضايا العامة على هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء قد يغلق الباب أمام المجتهدين الراغبين فى تجديد وتطوير الخطاب الدينى وتقديم فهم معاصر للنصوص الدينية.
أخشى أن يكون مشروع القانون المقترح محاولة لوأد دعوات تجديد الخطاب الدينى، لا سيما أن الرئيس عبدالفتاح السيسى فى خطابه الأخير أثناء الاحتفال بالمولد النبوى الشريف قد دعا إلى تشكيل لجنة تضم علماء الاجتماع والنفس والسياسة والمثقفين إلى جانب علماء الدين، ومع ذلك يمكن تدارك الأمر بإضافة نص يحدد مجال الفتوى لهيئة كبار العلماء ودار الإفتاء بحيث لا يتجاوز شئون العبادات من صوم وصلاة وزكاة على أن يحظر عليهما الفتوى فى أى أمر ينظمه الدستور والقانون، أو أى شأن يخص السياسة والاقتصاد والمجال العام.
وإلى جانب ذلك ينبغى أن نرى دولة القانون وهى تتحرك لمحاسبة شيوخ السلفية وهم يفتون فى كل شاردة وواردة، بل وبما يدعو لنشر الكراهية والحقد بين أبناء الوطن الواحد.
ظنى أننا بحاجة أيضا إلى وضع تعريف يميز بين الفتوى والاجتهاد حتى لا يزج بالمجددين فى السجون، وأن نضع إطارا عاما لشروط الاجتهاد من أجل تجديد الخطاب الدينى، وأن ندرك أن التجديد عملية مستمرة وحق لكل من هو أهل لها، وأن اللجنة التى دعا إلى تشكيلها الرئيس ليست إلا نقطة بداية لفتح باب الاجتهاد فى إطار القيم الحديثة للمجتمع والتى تتناقض فى معظمها مع أغلب الموروث الدينى.
ومن تلك الشروط أيضا إلغاء مادة ازدراء الأديان بقانون العقوبات، وغلق منافذ تمويل الجمعيات السلفية من المؤسسات التى تتبنى المذهب الوهابى فى دول الخليج والتى تعمل من أجل تكريس خطاب وأفكار ذلك المذهب الذى أتى على العقل المصرى.