الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

5 حيتان يتحكمون في 30 مليار جنيه بـ"سوق الخُردة"

رفعوا أسعارها للضعف خلال 5 أشهر

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شحتة إمبابى وأشرف نصار وأولاد عبدالشهيد وغالب والحاج مُهاب يسيطرون على إنتاج وجمع 50 طنًا سنويًا.. وخبراء يصفونها بـ«الفرخة التى تبيض ذهبًا».. «الصناعات الهندسية»: 100 مصنع لإنتاج الكابلات تُعانى التدهور نتيجة تصدير خُردة المعادن إلى الخارج

تعرضت مئات المصانع، خاصة ذات رأس المال الصغير، خلال الشهور القليلة الماضية، إلى مخاطر كارثية أدت إلى توقف بعضها وتقليص البعض الآخر لإنتاجه، وذلك بسبب عدم توافر الكميات التى تستخدمها من الخُردة كمادة خام للتصنيع، وهو ما ساهم بشكل مباشر فى زيادة أسعار سلع ومُنتجات تلك المصانع، وعلى رأسها مُنتجات الحديد وحديد التسليح. «البوابة» التقطت طرف الخيط للبحث عن أسباب زيادة أسعار العديد من المُنتجات الحديدية واختفاء بعضها الآخر، بعدما اضطرت المصانع المُنتجة لها أن تُقلص من كميات الإنتاج أو أن تتخذ قرارًا بالتوقف بعدما ضاقت بأصحابها السُبل، فكانت «الخُردة» صاحبة النصيب الأكبر من الأزمة، بداية من أباطرة يتحكمون فى سوق الخُردة، التي تصل استثماراتها إلى 30 مليار جنيه، حتى أن خبراء اقتصاديين يصفونها بـ«الفرخة التى تبيض ذهبا» وذلك مرورًا بمسابك وورش تُعيد صهر الخُردة المعدنية لتصديرها إلى دول شرق آسيا وأوروبا، عبورًا بمصانع صينية وأخرى يملكها أتراك تستحوذ على النسب الأكبر من سوق تجارة الخُردة لتُنتج خامات أكبر من المُصرح لها بإنتاجها، وصولًا بورش ومصانع بير السلم التى تستخدم مُنتجات المصانع الصينية لتصنيع حديد مسلح غير مُطابق للمواصفات وهو ما يُهدد أرواح آلاف المصريين. 
البداية كانت من منطقة بولاق القريبة من وكالة البلح، حيث يتمركز فى تلك المنطقة ما يزيد على ١٥ مخزنًا لبيع خُردة «الحديد القطع» وهى ما يطلق عليها «نصف الخُردة» التى يُمكن إعادة استخدامها مرة أخرى فى الإنشاءات.
ويقول «عم أيمن»، تاجر خُردة حديد قَطع: إنه يبيع قِطع الحديد الخُردة الموجودة فى مخزنه المُقام على مساحة لا تزيد على ٧٠ مترا إلى أشخاص يستخدمونها فى إنشاءاتهم الجديدة لأنها غير مُتهالكة، وأن «الحديد القَطع» سعره دائمًا أكبر من الخردة العادية، فإن كان سعر بيع الخردة ٤ آلاف للطن، يكون سعر بيع الحديد القَطع ٤ آلاف و٢٥٠ جنيهًا مثلًا.
وتبدأ دائرة عمل «عم أيمن.. صاحب الخمسين ربيعًا»، بمروره صباح كل يوم على مخازن الخُردة القريبة منه، كالجسر أو الساحل، لفرز أكوام الخُردة المتواجدة بها، واستخراج أنواع حديد التسليح المختلفة منها، التى غالبًا ما تكون قادمة من عمليات هدم منازل أو أسوار مصانع، وصولًا إلى تجميعها داخل مخزنه، ثم تقطيع وفرد ما يلزم منها، حتى يتم بيعها إلى أشخاص يهربون من ارتفاع أسعار الحديد الجديدة.
وعن عدم وجود أى «زبون» منذ بداية حديثنا معه ولو للتفاوض على الشراء، يوضح «عم أيمن» قائلًا: «مفيش شغل دلوقتى، أول ما الحديد وصل ١٠ و١٢ ألف الناس بطلت تشترى خُردة الحديد القَطع، كان زمان الناس تيجى لنا من المحافظات علشان السعر أقل من ٢ جنيه للكيلو، لكن دلوقتى اللى بيشتغلوا فى الخُردة أحسن من اللى شغالين فى الحديد القَطع، لأنهم بيشتغلوا بطريقة «شيل واقلب» يعنى يجمع خُردته ويبيعها للمصنع فى نفس اليوم»، واختتم حديثه وهو يشير بيده إلى منطقة «الجسر» التى يتواجد بها تُجار الخُردة.

«السريحة»
منطقة الجسر «شارع شنن» بموقف التُرجمان، ينتشر بها عدد من تُجار الخُردة أصحاب المخازن الكبيرة، على رأسهم «دسوقى وأبوالعلا وهانى فريد والبردويلى»، جميعهم يعملون بأنواع الخُردة المختلفة، وإن كان أغلبها من الخُردة الحديدية والصاج، عكس خُردة المعادن كالنحاس والألمونيوم التى يتخصص فى عملها أشخاص آخرون نظرًا لقلتها وارتفاع أسعارها.
وصول الخُردة إلى تُجار منطقة الجسر له أكثر من مصدر، يبدأ من «سرّيحة» عربات الكارو والتروسيكل، وبائعي الروبابيكيا وورش ميكانيكا السيارات، مرورًا بمخلفات المصانع الصغيرة وهدم المنازل، وصولًا بالمزادات التى تطرحها الشركات العامة والخاصة عن بيع ما لا يلزمها من أدوات ومعدات وسيارات عفا عليها الزمن، ليتم تجميعها على شكل أكوام داخل المخازن بعدما يتم فرزها وتقسيمها إلى خُردة «حدادى» كالكريتال، وأخرى ثقيلة مثل الإكسسوارات المختلفة للسيارات، وثالثة تُسمى «خُردة خضراء» كالفلانشات وأيضًا المكابس.
وأكد الشاب الثلاثينى، «إبراهيم جمال»، مسئول حسابات بأحد مخازن الخُردة، أن الخُردة الثقيلة كالحديد ومواتير العربيات يكون سعر شرائها ٤ آلاف و١٠٠ جنيه للطن الواحد، فى حين أن أسعار شراء الخُردة الخفيفة كالصاج وبعض إكسسوارات السيارات يكون ٣ آلاف و٢٥٠ جنيها، أما خُردة المعادن، التى قلما يعثر عليها تُجار الخُردة، فأسعارها مرتفعة، حيث إن سعر كيلو النحاس الأحمر وصل إلى ٧٠ جنيها والأصفر إلى ٢٣ جنيها، بينما الألمونيوم وصل سعره إلى ٢٠ جنيها للكيلو والرُصاص إلى ٢٥ جنيها، كما يميل معظم تُجار الخُردة فى المنطقة إلى البُعد عن العمل فى الإستانلس لأن سعره يتحدد وفقا لدرجة نوعه، التى تتطلب جهازًا مُخصصًا فى كشف ذلك.
وغالبًا ما يعتمد تُجار الخُردة بمنطقة الجسر على موازين «بسكول» لتحديد أوزان الخُردة المُستلمة والموردة إلى المصانع، بالإضافة إلى ميزانين صغيرين داخل كل مخزن، لوزن الخُردة بالكيلو، بحد أقصى ٢ و٣ أطنان، بينما يصل عدد العمال لدى كل تاجر إلى ما يزيد على ١٥ عاملًا، بين سائقين وعُمال لتصفية وتصنيف وفرز الخردة فى أكوام حسب نوعها وآخرين لتقطيع الخُردة وتسويتها، وأيضًا عُمال مهنتهم تحديد الأوزان والأسعار والحسابات فقط. المخزن الواحد بنفس المنطقة يقوم بتوريد ما يقرب من ٥٠ طنًا أو يزيد من الخُردة يوميًا إلى مصانع الحديد بأسماء موردين معروفين، على رأسها مصانع حديد السويس وعز وأبوهشيمة وبشاى للصُلب وأركو ستيل والجارحى والدخيلة، بأسعار تبدأ من ٤ آلاف و٤٠٠ جنيه للطن الواحد من الخُردة المُصنفة كدرجة أولى، حتى تصل إلى ٤ آلاف و٢٠٠ جنيه للطن من الخُردة صاحبة أدنى تصنيف لدى المصنع.
ويضيف نصر دسوقى، أحد أكبر تُاجر الخُردة بمنطقة الجسر، أن سعر الطن الواحد من الخُردة ارتفع خلال الأربعة أشهُر الأخيرة من ٢٤٠٠ إلى ٤١٠٠ جنيه، وهو ما أثر على الكمية التى يوردها التجار إلى المصانع، فبدلًا من توريد ١٠٠ أو ٢٠٠ طن يوميًا من الخُردة إلى المصانع، أصبح التوريد اليومى ٤٠ أو ٦٠ طنًا فقط، كما أن رأس مال التُجار قل لدرجة أنه غير كافٍ لشراء أطنان الخُردة وتخزينها، بالإضافة إلى أن بعض المصانع اضطرت إلى تقليل كميات الخُردة التى تشتريها بسبب الأسعار الخيالية التى وصلت إليها الخردة. ويُكمل دسوقى: «تجارة الخُردة التى ازدهرت منذ عقود وتحديدًا مع بزوغ نجم مصانع الحديد الأهلية كمصنع أبوزعبل والدلتا، لم تصل أسعارها إلى هذا الحد من قبل، ففى ٢٠٠٩ ارتفع ثمنها إلى ٣٦٠٠ جنيه، ولكن خلال أيام أو ساعات تحديدًا عادت أسعارها مرة أخرى إلى ألف و٨٠٠ جنيه، حاليًا بعض المصانع اضطرت إلى الإغلاق بسبب هذه الأسعار، مثلما حدث مع مصنع «المراكبى» مُنذ أيام، ومصانع الحديد نفسها جزء رئيسى من الأزمة الحالية، لأنها لم تترك سوق شراء وبيع الخُردة بالمنافسة بين التُجار».

أباطرة الخردة
وبعد ثورة ٢٥ يناير اتجه المصنع الواحد إلى التعاقد مع أكثر من مورد لاستلام كميات مُحددة من الخُردة التى تلزمه، بمتوسط ١٠ آلاف طن من المورد الواحد، دون تحديد نسبة ربح للموردين كما كان يحدث فى السابق، فقط يفرض المصنع على الموردين بعض الشروط الجزائية فى حالة الإخلال ببنود التعاقد، وفى المُقابل يتم منحهم مميزات أخرى، متمثلة فى ضريبة مبيعات بما يوازى ١٠٪ من قيمة التوريد الشهرى، وهو ما يُضاف إلى الربح الصافى للموردين، الذين يتعاقدون فى نفس الوقت مع تُجار الخُردة على توريد الكميات التى طلبتها تلك المصانع.
المعلومات التى حصلنا عليها تؤكد أن ٥ أباطرة يسيطرون على سوق الخُردة فى مصر، من خلال احتكار عقود توريدها إلى المصانع التى تعتمد عليها كمادة خام أساسية، يأتى على رأس القائمة زينهم إبراهيم الشهير بـ«شحتة إمبابى»، وأشرف نصار وأولاد عبدالشهيد وأولاد غالب والحاج مُهاب، وهم يلتقون باستمرار فى كازينو الدوام هابى لتحديد أسعار الشراء من التُجار وأسعار التوريد إلى المصانع، وأيضًا للاتفاق على شروط جزائية لمن يخالف الاتفاقات، كما يتفقون على إسقاط أى تاجر خُردة آخر يسعى لإجراء تعاقد مع مصنع ما، حتى لو كلفهم الأمر خسارة أموال طائلة. والغريب فى الأمر أن أباطرة الخُردة ليسوا أولادًا للكار، وبعضهم حتى لا يملك مخزنًا واحدًا للخردة، لكن عن طريق علاقاتهم ببعض أصحاب النفوذ داخل المصانع الكُبرى استطاعوا خلال سنوات قليلة التعاقد مع معظمها على توريد الخُردة، لدرجة أن «شحتة إمبابى» بمفرده تعاقد مع حديد عز على توريد ١٥ ألف طن من الخُردة شهريًا، بالإضافة لتعاقداته مع عدة مصانع أخرى.

مسابك التصدير
تعد منطقة الجسر واحدة من الأماكن الأكثر شهرة فى تجارة الخُردة، حيث تتمركز تلك التجارة فى عدة مناطق أخرى، كساحل البحر بالقرب من قسم شرطة الساحل، وفى عزبتى أبوحشيش وشنن، وفى المنشية بجوار مستشفى المقاولون، وفى بعض شوارع شبرا الخيمة وبمنطقة الحرفيين، وأيضًا فى ميت حلفا التابعة لمحافظة القليوبية، وفى الإسماعيلية بجوار مصنع عوض الله لإنتاج وتصنيع الرصاص.
ويقوم القليل جدًا من تُجار الخُردة بعمليات إعادة تصنيعها لمُنتجات مُختلفة، ومعظمهم يتجه إلى إعادة استخدام بعض أنواع الخُردة مرة أخرى، فطفايات الحريق الخُردة مثلًا يتفق التاجر مع ورشة ما على تصليحها وإعادة تعبئتها وطلائها لبيعها مرة أخرى على أنها جديدة، كما أن بعض أباطرة توريد الخُردة إلى المصانع وتُجارها الكُبار يعقدون اتفاقيات مع تلك المصانع على توريد الخُردة كمادة خام مُقابل استلامها مُنتجًا تامًا يقومون بالاتجار فيه بجانب تجارتهم الأصلية.
وأثناء حديث «البوابة»، مع أحد تُجار الخُردة بمنطقة الجسر، تلقت اتصالًا يُفيد بأن صاحبه يسأل عما إذا كان توافرت كمية مُعينة من حديد «الزهر» لديه من عدمه، وبالاستفسار عن ذلك، قال نصًا: «ده صاحب مسبك بيصهر الزهر ويصنع منه مواسير حديد وغطيان صرف صحى أو يصنعه على شكل قوالب ويبيعه بطريقته، شُغل تصدير يعنى». وتنتشر مسابك صهر خُردة المعادن والحديد وإعادة تصنيعها مرة أخرى، بمنطقة الكوم الأحمر بأوسيم الجيزة، وسوق العصر التابعة لحى بولاق، لكن تظل منطقة «العكرشة»، أبوزعبل القليوبية، على رأس قائمة المناطق التى تقوم بإعادة تصنيع خُردة الحديد والمعادن، حيث إنها تحوى أكثر من ١٠٠٠ مسبك مُتخصص فى النحاس والألمونيوم والرصاص وحديد الزهر، ومؤخرًا أصبحت مدينة بدر وكرًا لمجموعة أشخاص من تُركيا، يقومون بشراء «الألمونيوم» من تُجار الخردة لإعادة تشكيله فى قوالب بعدما يتم صهره.
وعادة ما يتم الاتفاق بين صاحب المسبك وتاجر الخُردة على توريد الكميات التى تتوافر لدى الأخير بعد تحديد السعر المُناسب للبيع، حسبما أكده أحد تُجار الخُردة، فضّل عدم ذكر اسمه، ويضيف: «المسبك لا يشترى الخُردة الحديدية أصلًا، لأن صهرها قد يُكلفه فُحمًا ومصروفات تفوق أضعاف السعر الذى اشتراه بها، لكن أغلب أصحاب المسابك يميلون إلى شراء «حديد الزهر» فقط من الخُردة الحديدية، لأنه قابل للكسر ودرجة حرارة انصهاره أقل ويسهل إعادة تشكيله إلى طنابير سيارات ومواسير وأغطية صرف صحى أو صبّه فى قوالب وتصديره إلى الخارج، وهو غالبًا ما يحدث مع خردة النحاس الأحمر والأصفر والألمونيوم والرُصاص، ومسابك «محمد الماحى» فى شبرا من أشهر العاملين فى هذا المجال».

خطر يهدد الصناعات
وخلال الأيام القليلة الماضية، أبلغت بعض المصانع المصرية المُتخصصة فى إنتاج الكابلات، غرفة الصناعات الهندسية عن عدم قدرتها على الاستمرار فى العمل، لعدم توافر خردة النحاس والألمونيوم فى السوق، وفقًا لما أكده عاطف عبدالمنعم، رئيس شعبة المعدات والأدوات الكهربائية والكابلات بغرفة الصناعات الهندسية، مؤكدًا أن ما يقرب من ١٠٠ مصنع لإنتاج الكابلات تُعانى من تصدير خُردة المعادن إلى الخارج، بعدما أصبح الخيار الوحيد أمامهم استيراد ما يلزمهم من السوق العالمية، وهو ما يُعتبر تكاليف وعبئًا إضافيًا يفوق قدرة تلك المصانع ماديًا.
فى نفس الوقت، إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تُفيد بأنه لم يتم تسجيل طن واحد من الخُردة فى كشوف التصدير خلال العشر سنوات الأخيرة، مما يؤكد أن هناك طرقًا بديلة لتصدير الخُردة المصرية إلى الخارج، حتى يستفيد العاملون بها بفارق السعر بين السوق المصرية والسوق العالمية، الذى يتراوح بين ٣٠٠ إلى ٥٠٠ جنيه فى الطن الواحد.
أما محمد المهندس، رئيس غرفة الصناعات الهندسية، فأكد أن أصحاب المسابك وتُجار الخُردة يتحايلون على قرار رقم ٦٩٦ الصادر فى ٢٠١٢، الذى يفرض ٨ آلاف جنيه كرسم صادر على كل طن من خُردة النحاس والنحاس نصف الخام والمصبوب والمرسب والنقى وغير النقى، وأيضًا يتحايلون على نفس القرار الذى يفرض رسم صادر قدره ثلاثة آلاف جنيه على كل طن رصاص أو فضلات رصاص، بالإضافة إلى فرض ٦٥٠ جنيهًا على كل طن خردة حديد صب أو مطلى بالقصدير أو خردة صفيح مكبوس أو فضلات النشارة أو فضلات السبائك الحديدية، وذلك من خلال صب أنواع الخُردة المذكورة فى قوالب وتغيير شكلها تمامًا لتصديرها كمنتجات صناعية تامة الصنع حتى لا يتم فرض رسوم الصادر تلك عليها.
فيما قال محمد حنفى، مدير عام غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، إن خُردة الحديد والنحاس والألمونيوم تكاد تكون اختفت من الأسواق، وهو ما تسبب فى أزمة كبيرة لمعظم المصانع التى تعتمد على تلك الأنواع كمادة خام أساسية فى إنتاجها، مشيرًا إلى أن الارتفاع الكبير الذى تشهده أسعار بعض مُنتجات الحديد خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، يعود إلى الارتفاع الشديد فى أسعار خامات الصناعات الهندسية والمعدنية، متمثلة فى الخُردة، خاصة أن معظم تلك الخامات أصبحت تستوردها المصانع من الخارج بكميات أكبر من سابقه.
واتجهت معظم المسابك مؤخرًا إلى سلك طُرق جديدة فى مرحلة صب خُردة الحديد والمعادن التى يتم صهرها فى الأفران، فبدلًا من تَشكيلها على هيئة «أعمدة»، كأعمدة النحاس مثلًا، التى تكون غير متساوية فى الأحجام والأوزان، وهو ما قد يُسهل فى كشف أمرها أثناء عملية التصدير إلى الخارج على أساس أنها مُنتج تام، يتم الآن صبّها فى إسطمبات على شكل تماثيل فرعونية بوزن ٢ كيلو، فيجعلها بعيدة تمامًا عن شُكوك أفراد الجمارك. ويقدر أحمد البيلى، عضو مجلس إدارة غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، حجم الإنتاج السنوى من الخُردة فى مصر، بـ٥٠ ألف طن، ما يضعنا ضمن الدول غير المُنتجة للخردة، لكن «البيلى» ينوّه بأن نسبة ٨٠٪ على الأقل من الصناعات المعدنية تعتمد بشكل أساسى على الخردة كمادة خام، يأتى فى مقدمتها مصنع العربية للصُلب وأسيك لإنتاج كور الأسمنت، وهو ما يجعل من الخُردة ثروة قومية.
ويضيف: «فى حالة عجز توافر الخردة بالسوق المحلية، تتجه المصانع الكُبرى لاستيراد ما يلزمها من السوق العالمية، لكن الأزمة تكون كارثية بالنسبة للمصانع الأصغر، خاصة التى يكون إنتاجها غير حديد التسليح، فمادة TIR التى تستخدمها مصانع حديد التسليح كماد خام أساسية يتم استيرادها من الخارج أصلًا، أما المصانع المُنتجة لجميع أجزاء السيارات والمُعدات الحديدية وأدوات الصرف الصحى وكور طحن الأسمنت والكابلات، فتعتمد بشكل أساسى على الخردة، وهو ما يؤدى إلى رفع أسعار مُنتجاتها، وبالرغم من أن الخردة المعدنية تُصدر إلى الخارج فتحدث الأزمة، إلا أن الخردة الحديدية أيضًا بها أزمة طاحنة.

المصانع الصينية السبب
ورغم صعوبة تصدير الخُردة الحديدة إلى الخارج، إلا أنها لم تسلم أيضًا من عمليات الاستيلاء المُقنن شكليًا عليها، بما يضر بمصلحة المصانع المصرية الصغيرة ويهددها يوميًا بالتوقف، فخلال العامين السابقين ظهرت مصانع صينية، وصل عددها الآن إلى ٨ مصانع، تقوم بشراء الخُردة الحديدة بأسعار تزيد ٢٠٠ أو ٣٠٠ جنيه للطن الواحد عن الأسعار التى تشترى بها المصانع المصرية الأخرى، وهو ما ساعدها خلال فترة قصيرة فى أن تتعاقد مع كُبار تُجار الخُردة على توريد ما يلزمها من احتياجات.
المصانع الصينية مُتخصصة فى إنتاج «عمدان الحديد» الخام (١٠ سم عرضًا فى ٦ أمتار طولًا، المُستخدم فى سَحب أو تصنيع أشكال الحديد بأنواعه المُختلفة، سواء زوايا أو مُربعات أو كانات أو ألواح الكونتر أو الموبيليا الخشبية أو أدوات السباكة عدا البيليت وحديد التسليح، ويتمركز أغلب تلك المصانع فى طريق مصر إسكندرية الصحراوى وعرب أبوساعد بمركز الصف فى الجيزة، كما تمتلك ورشًا فى قليوب «مصنع التمساح»، ومعظم العاملين بداخلها عمالة صينية لا تحمل تصاريح.
«عمدان الحديد» الصينى تذهب إلى مصانع صغيرة وورش فى ميت غمر والزقازيق والمنصورة والبحيرة والإسكندرية وبعض محافظات الدلتا، التى تختص بإنتاج حديد الزاوية والخوصة والكمرة والمُربعات فقط، ويتراوح عدد العاملين بتلك المصانع بين ١٠ إلى ٢٠ عاملًا، ويحدث فى ظل غياب الرقابة عليها، أن تقوم تلك المصانع بسحب أو إنتاج حديد التسليح فى نفس خطوط تصنيع الأنواع الأخرى من الحديد، ثم بيعها فى السوق لتُصبح تهديدًا لأرواح آلاف المصريين.
ويقول أحد التُجار المُتعاقد على توريد الخُردة لواحد من المصانع الصينية، رفض ذكر اسمه، إن تلك المصانع تطلُب الخُردة الحدادى وليست الصلبة، المُسماة بـ«الخردة الخضراء»، وهى عبارة عن فضلات الصاج والزوايا وغيرها، لأنها لا تحتاج إلى «كور أسفنجية» تُشترى بالعملة الصعبة من الخارج، لمعالجتها بعد عملية صهرها فى الأفران حتى تتحول إلى حديد تسليح كما يحدث مع الخردة الحديدية الصلبة.
ويعاود المهندس «أحمد البيلى» حديثه، ليقول إن المصانع الصينية تحصُل على رُخصة من هيئة التنمية الصناعية، مُصرح لها بإنتاج ما يُقارب ١٠ آلاف طن سنويًا، لكن ما يحدُث أنها تقوم بشراء كميات كبيرة من الخُردة المتوافرة فى السوق المصرية، أغلبها بدون فواتير، حتى إن المصنع الواحد منها يُنتج ما يزيد على نصف مليون طن من عمدان الحديد، ويبيعه إلى ورش ومصانع بعضها غير مُرخص وبدون فواتير بيع أيضًا، خاصة فى ظل عدم وجود رقابة مُحكمة على تلك المصانع من هيئة التنمية الصناعية ومصلحة الضرائب.