الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أسوأ 200 سنة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد مائة عام من وفاة النبى صلي الله عليه وسلم، ظهرت مدرسة فقهية إسلامية فى العراق سموها مدرسة «البداء». و«البداء» هو الاعتقاد فى أن الله قد قدر أمرًا، ثم عاد ورجع فى تقديره، بعد حوادث استجدت.. أو ظروف طرأت. 
أرجع الدارسون للفلسفة الإسلامية أسباب ظهور «مدرسة البداء» لاضطراب مفهوم النبوة فى أذهان بعض المسلمين من أبناء البلاد المفتوحة، بعد أعوام قليلة من وفاة النبى صلي الله عليه وسلم. 
فى كتاب جديد اسمه «إحياء العقيدة» تكلم الباحث الفرنسى من أصل جزائرى يوسف بن لوز عن «مدارس البداء»، وقال إن المغالاة فى حب النبى صلي الله عليه وسلم هى التى أدت ببعض المسلمين الأوائل إلى اعتبار سلوكه كله وحيًا.. واجتهاده كله تكليفًا دينيًا.
قال بن لوز إن الاعتقاد فى «البداء» كان سببه عدم قدرة بعض المسلمين الأوائل على التفرقة بين ما هو من عند الله، وما هو من عند النبى كشخص لا كرسول. 
أما أصحاب «البداء» فقالوا إنه إذا كان كل ما يقوله النبى صلي الله عليه وسلم من عند الله، فالمعنى أن السنة النبوية إلهية. وإذا كانت السنة إلهية، ثم حدث بعد فترة أن تراجع النبى صلي الله عليه وسلم عما قاله فى حادثة ما، أو حدث وعاتبه الله فى بعض ما فعل، فهذا معناه أن الله سبحانه وتعالى، عاد عما كان قد قدره، وأجراه على لسان نبيه من أفعال أو أقوال! 
هى فكرة جدلية، لكن ليست منطقية. لذلك أثار ظهور أصحاب «البداء» سجالًا بين مدارس الفلسفة الإسلامية فى العراق فى القرن الثانى الهجرى. انتهى الصراع بحتمية التفرقة بين سلوك النبى الدنيوى، وبين كلام الله الذى أوحى به سبحانه، إلى النبى وهو القرآن.
فى عصور الإسلام الأولى، فطن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هذا دون فلسفة ولا صراع ولا سجال. تيقنوا أن النبى اجتهد فى أمور الدنيا.. من عنده، ومن خبراته البشرية، لكن ما بلغه من قرآن.. فكان من عند الله. 
علم الصحابة أيضًا، أن عتاب بعض آيات القرآن للنبى فى وقائع تاريخية محددة، انصبت كلها على اجتهاداته صلي الله عليه وسلم كبشر يخطئ ويصيب. لذلك، فإن تحريمه صلي الله عليه وسلم العسل على نفسه، بعد عراك زوجاته، وإخفاءه زواجه من زينب بنت جحش، وإعراضه عن ابن أم مكتوم الأعمى، كلها كانت مبادرات دنيوية شخصية للنبى لا وحى فيها. 
فهم الصحابة معانى الآيات الكريمة: «إن هو إلا وحى يوحى» و«ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» فى حدود ما نزلت فيه تلك الآيات. كان المقصود بالوحى فى الآية الأولى هو القرآن، لم يكن القصد أن كل ما يخرج من فم النبى صلي الله عليه وسلم قرآن. 
فى كتابه المهم، الذى طرح مؤخرًا فى أوروبا، قال يوسف بن لوز إن ما فهمه الصحابة تبدل على مر التاريخ، فخلط المسلمون بين الوحى، وبين أفعال النبى الشخصية. قال إن المسلمين لم يعودوا يفرقون بين القرآن الذى هو كلام الله، وبين كلام النبى الذى هو خاص بمحمد الشخص، لا محمد الرسول. 
اعتبر بن لوز، أن الذين يقولون إن كل كلام الرسول فى حياته، كان وحيًا، لا يفهمون الإسلام، لماذا؟ لأن كلامهم لو صح، لترتب عليه أن يتعدى دور النبى صلي الله عليه وسلم مجرد نقل الرسالة، إلى التشريع، فى حين أن النبى صلي الله عليه وسلم بعث رسولًا بتشريع من عند الله، لا بتشريع من عنده هو.
إليك هذا المثال : نُسب للرسول صلي الله عليه وسلم قوله: «خير القرون قرنى والذى يليه»، ونتيجة لهذا الحديث، أدخل مسلمو العصور الحديثة قداسة على الصحابة، والتابعين، وتابعى التابعين، باعتبارهم منزهين معصومين حسب ما قاله النبى، أو حسب ما ورد فى حديث منسوب إليه، مع أنه للحق، لا قرن النبى صلي الله عليه وسلم كان خيرًا، ولا المائة عام التى تلت وفاته صلي الله عليه وسلم كانت سعيدة. 
ففى قرنه صلي الله عليه وسلم، مات عمر بن الخطاب مقتولًا، ومات عثمان بن عفان بأيدى بعض أبناء الصحابة مقتولًا أيضًا. وفى قرنه خرجت السيدة عائشة، مع طلحة والزبير، ضد على بن أبى طالب، ما سبب فتنة كبرى، ما زال العالم الإسلامى يعانى من آثارها حتى اليوم. 
قرنه، والقرن الذى تلاه، كانا المائتى عام الأسوأ فى تاريخ الإسلام.