الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

هشتكي ودلّعي "النونو" يا حكومة

رئيس الحكومة المصرية
رئيس الحكومة المصرية عاطف عبيد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحدثنا في المقال السابق عن وهم الصناعة الوطنية، وبدأنا بصناعة الدواجن الوطنية العظيمة، التي تبتز الدولة والمواطنين علنًا وبكل "صفاقة"، بعد أن ارتفعت أسعار الدواجن بشكل مبالغ فيه، فور تراجع الحكومة عن قرار إعفاء الدواجن المستوردة من الجمارك.
اليوم نتحدث عن صناعة وطنية عظيمة أخرى ظلت تحت رعاية و"هشتكة" الدولة لما يزيد على 40 عامًا دون أي نتيجة، وكانت المفاجأة بمطالبة البعض بزيادة "الهشتكة" الحكومية لهم.
وزارة الصناعة تقدمت بمشروع قانون لمنح حوافز لكل شركة تستطيع زيادة المكون المحلي في السيارة من 45% إلى 60%، وكذلك مَن يستطيع بيع 60 ألف سيارة في السنة، وأخيرًا مَن يقوم بالتصدير.
الحكومة استمعت إلى آراء أصحاب المصانع واستندت في مشروعها إلى أهمية وجود صناعة حقيقية تساهم في دفع الاقتصاد المصري إلى الأمام، وهو شيء طيب في ظاهره، لكنها في نفس الوقت يبدو أنها لا تقرأ ولا تهتم بالتاريخ.
التاريخ الذي يوثق حماية و"هشتكة" الدولة لهذه الصناعة لمدة تزيد على 40 عامًا، فرضت خلالها جمارك هي الأعلى من نوعها في العالم على السيارات المستوردة في سبيل نهضة الصناعة الوطنية العظيمة، وكانت النتيجة، سيارات مهترئة تمامًا، لا تطابق المواصفات الآدمية والإنسانية، سيارات توقف تصنيعها في العالم منذ 15 سنة، وبدأنا نحن إعادة إنتاجها بمكونات تستورد من مصانع بير السلم في حواري شانغهاي، مع منتجات محلية (الفرش – الإطارات – البطاريات، وغيرها من المكونات البدائية).
النتيجة النهائية أنه لم يستطع أي مصنّع وطنى عظيم تصدير "فردة كاوتش" واحدة إلى أي دولة!!
الأمر الأكثر غرابة حين تعرف أن هناك قواعد عالمية تنظم مسألة المكون المحلي، فهناك 3 أنساق (مجموعات) من المكونات يجب أن تزود بها السيارة لنطلق عليها محلية الصنع، في مصر يتم التزويد بنسق واحد فقط، نظرًا لأن النسقين الآخرين بتكنولوجيا مرتفعة جدًا، ولا تملك أي شركة محلية الـ"know how "، ولا بد من الاستعانة بشريك أجنبي لنحصل عليها.
المفاجأة أن القانون لا يتطرق على الإطلاق لمثل هذه النوعية من الأفكار، كما هو الحال للمنتج نفسه (السيارة)، الذي لم يحدد القانون نهائيًا مواصفاتها أو الحد الأدنى من السلامة والمعايير البيئية، وعندما تطرح هذا الأمر للمناقشة، يكون الرد أن المعني بالمواصفات القياسية هي هيئة الجودة والمواصفات!!
يتحدث ويعرف جميع الخبراء أن التصدير بيد الشركة الأم فقط، ولا يستطيع كائن من كان أن يقوم بتصدير أي سيارة إلى أي دولة إلا بموافقة وإذن الشركة الأم، وكما المتوقع، لم يُشر القانون من قريب أو بعيد إلى الشركات العالمية.. عالمية دي تبقى........!!!
وبمقارنة بسيطة بين مصر ودول المغرب العربي في تقديم الحوافز "الحقيقية" للمستثمرين، نجد أنه لا وجه للمقارنة، فدولة مثل المغرب يوجد بها مصنعان عالميان لشركة رينو الفرنسية، يقومان بإنتاج موديلات حديثة بغرض التصدير للاتحاد الأوروبي وأفريقيا، لماذا؟
شركة رينو جاءت إلى مصر، وجلس رئيسها مع رئيس الحكومة المصرية (عاطف عبيد)، وبعد مناقشات حول رغبة رينو في إقامة مصنع ضخم بمصر، اصطدمت الشركة بعقبات لا حصر لها، فقررت عدم الاستثمار في مصر واتجهت إلى المغرب التي قدّمت كل التسهيلات الممكنة وغير الممكنة للشركة، وكانت النتيجة في خلال 10 سنوات التصدير لأوروبا، وبعد رينو أقدمت بيجو على إقامة مصنع لها.
في الجزائر أقامت مرسيدس وفولكس فاجن مصانع لها، في تونس أنشأت الشركات العالمية للصناعات المغذية مصانع لها، وأصبحت تونس في مصاف دول العالم في إنتاج المكونات!!
لماذا؟
لدى هذه الدول رغبة حقيقية في جلب الاستثمارات والمستثمرين، يقدمون جميع التسهيلات اللازمة، يدركون جيدًا أن "هشتكة" رجال الأعمال وصناعاتهم ليست السبيل نحو إقامة صناعة حقيقية، يعرفون أن المنافسة تخلق مجالات كبيرة للاستثمار، اجلب شركة عالمية وقدّم لها الحوافز لكي تقيم مصنعًا ضخمًا لصناعة السيارات، ثم ستجد طابورًا من المستثمرين لإنتاج المكونات اللازمة للتصنيع، تصل لجودة وتكنولوجيا عالية، فتبدأ الشركات العالمية تهتم بك وتوجه وفودها لإقامة مشروعات، وهكذا..
أما مصر، فلها أسلوبها الخاص والفريد والمتفرد والأوحد في هذا الكون، أين تقع المصلحة، عند فلان وفلان، مقص الترزي متاح والتفصيل جاهز!!
من قال إن شركة عالمية مثل تويوتا ستأتي وتقيم مصنعًا بمليارات الدولارات لأنها تخشى على 5000 سيارة مبيعات في السنة؟ من صرّح بأن شركة مثل كيا ستضخ استثمارات في سوق هزيلة وتنحسر سنويًا؟ لماذا لا تتجه لإثيوبيا أو كينيا وغانا وهى تقدم كل شيء (أرض – إعفاءات ضريبية – تسهيلات تمويلية – بنية تحتية مخصوصة) مقابل إقامة المصنع حتى لو كان صغيرًا؟
تذكرني الحكومة بشخصية "الكحيت" في رائعة الراحل أحمد رجب، والممثل الراحل "أحمد راتب"، شخص فقير ومعدم ولا يملك أي مؤهلات على الإطلاق، إلا أنه يتحدث ممسكًا بالسيجار الكوبي الفاخر.