الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"صلاح جاهين".. شاعر الشعب وفيلسوف الفقراء

صلاح جاهين
صلاح جاهين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"دخل الشتا وقفل البيبان ع البـــيوت.. وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت..
وحاجات كتير بتموت في ليل الشــتا.. لكن حاجات أكتر بترفض تمــــــوت"
بكلماته العذبة استطاع صلاح جاهين أن يعبر الزمن ويمتده عطاؤه إلى عقود تتلو عقود، قدم إبداعًا مصريًا خالصًا، حمل فى طياته الهوية المصرية فى أوضح وأبهي صورها، كان كالأب يحنو بكلماته على رعاياه وقت تقسو الأيام عليهم، وكان كالصديق يشاركهم فرحهم وتزيد جلسته الأجواء بهجة وفرح، وكان كالمحارب يتصدى لكل المخاطر والأزمات بقلمه وريشته، وكان وكان وكان.
استطاع أن يقتحم عقول ووجدان المصرين ببساطته وحسه الفكاهي وعبقريته التي لا يضاهيه فيها أحد، فكان لجرة قلمه تأثير السحر في تقلب الوجدان حسب أهوائه، فبكى المصريون معه عندما كتب "لموا الكراريس"، رثاءً وحزنًا على دماء أطفال مدرسة بحر البقر التى أهدرتها القوات الإسرائيلية الخسيسة‏، ورقصوا معه على كلماته مع سعاد حسنى فى "الدنيا ربيع والجو بديع‏".
وقادت ريشته العديد من المعارك الثقافية والسياسية والدينية ولعل أبرزها، معركته مع الشيخ الغزالى، أثناء مناقشة مشروع الميثاق عام 1962، حيث رسم الفنان الشيخ الغزالى، وهو يخطب فى الجماهير، وكتب على لسان الشيخ: "يجب أن نلغى من بلادنا كل القوانين الواردة من الخارج، كالقانون المدنى وقانون الجاذبية الأرضية"، فما كان من طلاب الأزهر إلا أن استباحوا دم الشاعر وتظاهروا وتجمهروا أمام جريدة الأهرام.
إنه الكاتب والشاعر والفنان التشكيلي الكبير الراحل صلاح جاهين، والتي تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ66.
ولد صلاح جاهين في الخامس والعشرين من ديسمبر عام 1930 بحي شبرا في شارع جميل باشا، وهو الأكبر بين إخوته، كما أنه الطفل الوحيد على بنات ثلاث، هن: بهيجة، سامية، وجدان، والده المستشار بهجت حلمي، الذي تدرج في السلك القضائي بدءًا من وكالة النيابة حتى أصبح رئيسًا لمحكمة استئناف المنصورة.
وعُرف عن جاهين في صغره الهدوء والبراءة والهوايات الرقيقة، فكان يعشق الرسم وصناعة الألعاب اليدوية ومنها العرائس، مقلدًا بذلك والدته التي كانت تصنع بعض اللعب بالطين، كان جاهين أيضًا مولعًا بالقراءة، دءوبًا في المطالعة، وقد أتاحت له مكتبة جده السياسي والكاتب "أحمد حلمي" الذي يحمل أحد شوارع حي شبرا اسمه مجموعة من أمهات الكتب، فراح يعبّ من وردها ليكوّن ثقافته الموسوعية الرفيعة التي نرى أثرها واضحًا في قصائده وأغانيه، بدأ جاهين كتابة الشعر أثناء مراهقته، وكان رائد العامية، ينظمه بالفصحى أولًا حتى غلبت عليه العامية وبالأخص عند قراءته لإحدى قصائد زميله وتوأمه ورفيق دربه الشاعر فؤاد حداد.
وقد حاول جاهين أن يلتحق بكلية الفنون الجميلة، لكن والده المستشار أصر على أن يدخل كلية الحقوق، فمنها يخرج الوزراء، وقد أعاد جاهين المحاولة إبان دراسته بالفرقة الثالثة لكنه أحجم عن ذلك وقرر أن يبقى كما هو، وحصل على شهادة الليسانس، ثم توجه مباشرةً إلى الصحافة، وفي منتصف الخمسينيات ارتبط اسمه بمجلتي روز اليوسف وصباح الخير، وفيهما تفوق على نفسه وذاعت شهرته كرسام للكاريكاتير، وكانت له صفحة أسبوعية يملأها بريشته ويتلهف عليها القراء.
وفي مطلع الستينيات واصل عمله الفني بجريدة الأهرام، وكانت له معركة ضروس مع الشيخ محمد الغزالي، بعد رسوم لاذعة أثارت حفيظة الإمام، لكن الأمر انتهى بالصلح بينهما.
وهذا الملف لم يكن استعراضًا جافًا لمعالم رحلة جاهين وأيامه الحافلة، وإنما هو يتأمل مسيرته من جميع جوانبها ويتحدث عنه شاعرًا وصحفيًا ورسامًا للكاريكاتير، كما يقف عند علاقته الرائعة بالشاعر فؤاد حداد، فالكلام عن جاهين لا ينفد ولا ينقضي، ولكنها نبذة يسيرة نأمل أن يتعرف منها القارئ على صلاح جاهين أسطورة الشعر والفن والصحافة.
كانت حركة الضباط الأحرار وثورة 23 يوليو 1952، مصدر إلهام لجاهين حيث قام بتخليد جمال عبد الناصر فعليًا بأعماله، حيث سطر عشرات الأغاني. لكن هزيمة 5 يونيو 1967م، خاصةً بعد أن غنت أم كلثوم أغنيته راجعين بقوة السلاح عشية النكسة، أدت إلى إصابته بكآبة. هذه النكسة كانت الملهم الفعلي لأهم أعماله الرباعيات والتي قدمت أطروحات سياسية تحاول كشف الخلل في مسيرة الضباط الأحرار، والتي يعتبرها الكثير أقوى ما أنتجه فنان معاصر.
كانت وفاة الرئيس عبدالناصر هي السبب الرئيسي لحالة الحزن والاكتئاب التي أصابته وكذلك السيدة أم كلثوم، حيث لازمهما شعور بالانكسار؛ لأنه كان الملهم والبطل والرمز لكرامة مصر، ولم يستعد بعدها جاهين تألقه وتوهجه الفني الشامل.
ولـ"جاهين" العديد من الأعمال التي برزت وتألقت وحفرت اسمه وسط أهم أدباء وفنانى العالم العربي ومن أهم أعماله السينمائية والدرامية، "رغبة متوحشة "1992، "انقلاب" 1988، "المخطوفة" 1987، "اليوم السادس" 1986، "هو وهي" 1985، "اتنين على الهوا" 1985.
توفى جاهين فى الـ21 من إبريل عام 1986، عن عمر يناهر الـ55، زخر بنجاحات وأعمال خالدة قدمها الشاعر المحب لتراب وطنه، وأعطى فيها من قلبه قبل عقله.