الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دع القلق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يعرف الإنسان قيمة النعمة إلا حين تزول عنه، فهو يرى من مسلمات الحياة أن تكون موجودة، والطبيعى أن يستمتع بوجودها، بل أحيانا لا يشعر بالاستمتاع بل يشعر بالملل، وربما لا يشعر فى الأساس بوجود تلك النعمة فهى موجودة لأنه يستحقها وإن لم يعمل على وجودها. 
فى كل مرحلة من مراحل حياة الإنسان يشعر بضغوط الحياة فيتذكر المراحل السابقة على أنها كانت الأفضل ويشعر بالنقمة على المرحلة الحالية ويظل يشعر بالقلق مما هو آت فلا يستمتع أبدا بما بين يديه، بل لا يراه وربما رأى يديه مكبلتين وهما فى الأساس حرتين تملؤهما القوة التى لا يستخدمها، وتحت أمره عقل ذكى لا يستخدم ذلك الذكاء إلا فيما لا يفيد.
كالعادة نشعر بنقمة على أوضاعنا ولا نرى غيرنا.. البعض يرى أنه من المؤمنين ولا يفعل كما يفعل المؤمنون، وآخرون يشعرون بأنهم من العلماء ولا يفعلون كما يفعل العلماء، والكثيرون يرون أنهم من الأذكياء الفاهمين لكل ما يجرى بالحياة، وهم لا يرون أمام أقدامهم بل بالكاد أنظارهم لا تتعدى أنوفهم.. السلام كل السلام لمن أراد أن يعلو وبدأ بنفسه.
العمر واحد ولا يستحق أن يضيع دون أن نعلم أين توجد السعادة الحقيقية، لا تضيعوا استمتاعكم بكل مرحلة لقلقكم من التالية، ولتفكروا جديا فى أهدافكم فلن تتوفر لكم الفرصة لتعيدوا حياتكم مرة أخرى، ومن أراد أن يتعظ فليسأل من سبقه فى مراحل العمر، فهو الأجدر بإعطاء النصيحة لأنه يتمنى أن يكون مكانك ولو للحظة.
منذ زمن بعيد ولى.. كان هناك شجرة تفاح فى غاية الضخامة.. كانت هناك طفل صغير يلعب حول هذه الشجرة يوميا.. كان يتسلق أغصان هذه الشجرة.. يأكل من ثمارها.. وبعدها يغفو قليلا لينام في ظلها.. كان يحب الشجرة وكانت الشجرة تحب لعبه معها.. مر الزمن.. وكبر هذا الطفل..وأصبح لا يلعب حول هذه الشجرة.. فى يوم من الأيام رجع الصبى وكان حزينا.. فقالت له الشجرة: تعال والعب معى.. فأجابها الولد: لم أعد صغيرا لألعب حولك.. أنا أريد بعض اللّعب وأحتاج بعض النقود لشرائها.فأجابته الشجرة: لا يوجد معى أى نقود.. ولكن يمكنك أن تأخذ كل التفاح الذى لدى لتبيعه ثم تحصل على النقود التى تريدها.. كان الولد سعيدا للغاية.. فتسلق الشجرة وجمع ثمار التفاح التى عليها ونزل سعيداً.. لم يعد الولد بعدها.. فى يوم ما رجع هذا الولد للشجرة ولكنه لم يعد ولداً بل أصبح رجلاً.. كانت الشجرة فى منتهى السعادة لعودته وقالت له: تعال والعب معى.. لكنه أجابها: لقد أصبحت رجلاً مسئولاً عن عائلة.. وأحتاج لبيت ليكون لهم مأوى.. فقالت له يمكنك أن تأخذ جميع أفرعى لتبنى بها بيتاً.. فأخذ الرجل كل الأفرع وغادر الشجرة وهو سعيد.. وفى يوم حار..عاد الرجل مرة أخرى وكانت الشجرة فى منتهى السعادة.. فقالت له الشجرة: تعال والعب معى.. فقال لها الرجل أنا فى غاية التعب وقد بدأت فى الكبر.. أريد أن أبحر لأى مكان لأرتاح.. هل يمكنك إعطائى مركباً؟
فأجابته يمكنك أخذ جذعى لبناء مركبك.. بعدها يمكنك أن تبحر به أينما تشاء.. وتكون سعيداً.. فقطع الرجل جذع الشجرة وصنع مركبه..وسافر مبحراً ولم يعد لمدة طويلة جداً.. أخيرا عاد الرجل بعد غياب طويل وسنوات طويلة جداً.. لكن الشجرة أجابت وقالت له: آسفة يا بنى الحبيب لكن لم يعد عندى أى شيء لأعطيه لك.. قالت له: لا يوجد تفاح.. قال: لا عليك لم يعد عندى أسنان لأقضمها بها.. لم يعد عندى جذع لتتسلقه ولم يعد عندى فروع لتجلس عليها.. فأجابها الرجل لقد أصبحت عجوزاً اليوم ولا أستطيع عمل أى شيء!! فأخبرته: أنا فعلاً لا يوجد لدى ما أعطيه لك.. كل ما لدى الآن هو جذور ميتة.. أجابها قائلا: كل ما أحتاجه هو مكان لأستريح به.. فأنا متعب بعد كل هذه السنين.. فأجابته وقالت له: جذور الشجرة العجوز هى أنسب مكان لك للراحة.. تعال.. تعال واجلس معى هنا واسترح معى.. فنزل الرجل إليها وكانت الشجرة سعيدة به والدموع تملأ ابتسامتها. هل تعرفون هذه الشجرة؟ 
إنها وطنك.