الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

امرأتان فوق العادة صنعتا مجد المرأة المصرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وكأنهما على موعد مع الجنرال ديسمبر حتى تأتى كل منهما إلى الدنيا.
الاولى احتفى بمولدها منذ أيام قليلة «جوجل» أكبر محرك بحث على شبكة الإنترنت وتوسطت صورتها شعاره الشهير.
وصفتها إذاعة «مونت كارلو» بـ«الرجل الوحيد فى مصر» وانتهت حياتها بمأساة، هى الدكتورة درية شفيق، المولودة فى مدينة طنطا ١٤ ديسمبر عام ١٩٠٨، أرسلتها «وزارة المعارف» لتتعلم على نفقة الدولة فى «باريس»، فحصلت على رسالة الدكتوراه فى أطروحة قدمتها ناقشت فيها «حقوق المرأة فى الإسلام».
وبعد عودتها من فرنسا طالبت بالتعيين فى جامعة القاهرة، إلا أن طلبها قوبل بالرفض لكونها «امرأة»!! تولت رئاسة تحرير مجلة المرأة الجديدة وأسست بعدها مجلة «بنت النيل» لتكون أول مجلة نسائية فى مصر لتعليم وتثقيف المرأة المصرية، ومع نهاية الأربعينيات أسست اتحاد بنت النيل ليكون المنبر الأول لمشاركة المرأة فى الحياة السياسية، وفى عام ١٩٥١ قادت «درية» مظاهرة نسائية مكونة من ١٥٠٠ فتاة وسيدة مصرية، اقتحمن «البرلمان المصري» فى ظاهرة هى الأولى من نوعها فى مصر للمطالبة بحقوق المرأة، وهو ما عجل بعرض قانون على البرلمان المصرى ينص على حق المرأة فى الترشح وخوض الانتخابات البرلمانية بعد هذا الحدث بأسبوع واحد.
قامت درية شفيق بتحويل اتحاد بنت النيل إلى أول حزب نسائى مصرى يحمل نفس الاسم لتكون رائدة العمل السياسى النسائى فى مصر والوطن العربى، واعترضت على عدم وجود امرأة واحدة فى لجنة كتابة الدستور عام ١٩٥٤، فأضربت عن الطعام برفقة نساء أخريات، مما جعل الرئيس محمد نجيب يقوم بوعدها بتحقيق حقوق المرأة فى الدستور وبالفعل تم منح المرأة المصرية حق التصويت والترشح فى الانتخابات العامة لأول مرة.
وفى فبراير عام ١٩٥٧ أعلنت إضرابها عن الطعام داخل السفارة الهندية، مطالبة بتنحى جمال عبدالناصر وإنهاء النظام الديكتاتورى واستشاط عبدالناصر غضبًا، لعدم قدرة الشرطة المصرية على دخول السفارة الهندية والقبض عليها وتدخل الزعيم الهندى «نهرو» ووقف بجانبها فكان على اتصال بعبدالناصر ليضمن سلامتها واستمرت فى الإضراب لمدة ١١ يومًا، وفى ١٧ فبراير حملوها إلى بيتها وتحت ضغط الأسرة أنهت إضرابها، وقيدوا خطواتها واختفت درية من الذاكرة العامة حتى مأساة موتها!!. فى يوم ٢٠ سبتمبر عام ١٩٧٥م حين سقطت بفعلها أو بفعل فاعل من شرفة منزلها فى الزمالك بالقاهرة، بعد أن بقيت شبه مسجونة فى شقتها فى الدور السادس بعمارة وديع سعد طوال ١٨ عامًا.
أما الثانية فهى أول فتاة مصرية تحصل على شهادة البكالوريا، وأول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية وهى الكاتبة والشاعرة والناشطة من أجل حقوق المرأة، نبوية موسى، والذى يتوافق اليوم مع مولدها ١٧ ديسمبر ١٨٨٦.
نبوية موسى كما تقول الموسوعة الحرة هى أهم رائدات التعليم والعمل الاجتماعى خلال النصف الأول من القرن العشرين، وكانت من رعاة الدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة المصرية، ومن أهم رائدات العمل الوطنى وتحرير المرأة والحركات النسائية المصرية فى القرن الماضى. كانت المساواة شعار نبوية موسى، فلم تقبل أن تأخذ المرأة نصف راتب الرجل، فقررت دخول معركة البكالوريا - الشهادة الجامعية - لتتساوى مع خريجى المعلمين العليا، ولذلك أنشأت الحكومة لجنة خاصة لامتحانها ونجحت فى النهاية.
ولدت نبوية موسى بقرية كفر الحكما بندر الزقازيق، محافظة الشرقية. فى طفولتها ساعدها شقيقها على تعلم القراءة والكتابة فى المنزل، فتعلمت نبوية مبادئ القراءة والكتابة، وعلمت نفسها مبادئ الحساب، وعلمها أخوها اللغة الإنجليزية. ويشار إلى تعلمها الكتابة عن طريق محاكاة النصوص المكتوبة. ولما بلغت نبوية الثالثة عشرة من عمرها تطلعت لاستكمال تعليمها، غير أنها لم تجد أى مساندة من عائلتها عند اتخاذها هذا القرار، لكنها تقدمت للالتحاق بالمدرسة السنية للبنات بالرغم من معارضة أسرتها. ذهبت نبوية سرًا إلى المدرسة، حيث سرقت ختم والدتها، وكما تقول فى كتابها «تاريخى بقلمي» لتقدم هى لنفسها بدلًا من ولية أمرها، وباعت سوارًا من الذهب حتى تحمل المدرسة على قبول طلبها الذى جعلته بمصروفات. 
حصلت نبوية فى النهاية على دبلوم المعلمات عام ١٩٠٨، وقضت سنتين تحت التمرين فى التدريس وثبتت فى وظيفتها كمعلمة، وفى هذه الفترة بدأت تكتب المقالات وتنشرها فى بعض الصحف، مثل «مصر الفتاة» و«الجريدة».
ألفت كتابًا مدرسيًا بعنوان «ثمرة الحياة فى تعليم الفتاة»، قررته نظارة المعارف للمطالعة العربية فى مدارسها. 
نجحت نبوية موسى فى نشر تعليم البنات فى الفيوم، فزاد الإقبال على المدرسة، وبعد ثمانية أشهر من العمل تعرضت لمتاعب ممن ينظرون إلى المرأة المتعلمة نظرة متدنية، فرشحها أحمد لطفى السيد ناظرة لمدرسة معلمات المنصورة. وهناك نهضت نبوية بالمدرسة نهضة كبيرة حتى حازت المركز الأول فى امتحان كفاءة المعلمات الأولية. كما انتدبت الجامعة الأهلية المصرية عقب افتتاحها، نبوية موسى مع ملك حفنى ناصف ولبيبة هاشم، لإلقاء محاضرات بالجامعة تهتم بتثقيف نساء الطبقة الراقية.
أصدرت نبوية رواية تاريخية باسم «توب حتب» أو الفضيلة المضطهدة، التى كانت تحتوى الكثير من المناقشات العلمية والأخلاقية، ونشرت أيضًا فى هذه الفترة ديوانًا من الشعر عنوانه: «ديوان السيدة نبوية موسى» يصنفها كأديبة وشاعرة مجيدة، وكذلك لها قصص قصيرة مكتملة تضعها كإحدى رائدات القصة القصيرة.
قامت نبوية أيضًا بإنشاء مطبعة ومجلة أسبوعية نسائية باسم «الفتاة» صدر العدد الأول فى ٢٠ أكتوبر ١٩٣٧، واستمرت المجلة تصدر لمدة خمس سنوات. وتسبب توجهها السياسى فى عداء شديد مع حزب الوفد الذى ما إن تولى الحكم فى فبراير ١٩٤٢ حتى سارع للانتقام من نبوية موسى فأغلق مدارسها ومجلتها كما تعرضت للتفتيش والمحاكمة.
استمر خصوم نبوية موسى فى مؤامراتهم ضدها، واستطاعوا أن يقنعوا الإنجليز أن نبوية من الوطنيات المشتغلات بالسياسة فتم نقلها إلى القاهرة، فى حين لم يكن لنبوية موسى عمل فعلى فى الوزارة، أخذت موسى منحى آخر، حيث بدأت تكتب فى الصحف وتنشر مقالاتها فى جريدة الأهرام. انتقدت نبوية فى مقالاتها نظم التعليم فى وزارة المعارف، الأمر الذى أثار ثائرة المستشار الإنجليزى للمعارف فمنحها إجازة مفتوحة مدفوعة الأجر. كما قامت فى عام ١٩٢٠ بنشر كتابها عن المرأة والعمل دافعت فيه عن حقوق المرأة، وشاركت أيضًا فى الحركة النسائية وسافرت ضمن الوفد النسائى المصرى إلى مؤتمر المرأة العالمى المنعقد فى روما عام ١٩٢٣، وأثار ذلك خصومها فتم نقلها إلى القاهرة بوظيفة كبيرة مفتشات.
فى سنة ١٩٢٦ شنت «نبوية موسى» هجومًا قاسيًا على وزارة المعارف على أثره أصدر على باشا ماهر قراره بإيقاف نبوية موسى من الخدمة وصدر القرار بفصلها من عملها بالمدارس الحكومية، لكن القضاء أنصفها وأعاد لها اعتبارها، وقرر أن تدفع لها وزارة المعارف مبلغ خمسة آلاف وخمسمائة جنيه تعويضًا لها عن قرار فصلها من الخدمة. بعدها، انصرفت نبوية موسى منذ إنهاء خدمتها بالمعارف ١٩٢٦ إلى الاهتمام بأمور التعليم فى مدارسها الخاصة فارتفع شأن مدارس بنات الأشراف بالإسكندرية، وأنفقت مبلغ التعويض الذى حصلت عليه من المعارف على تطويرها فأصبحت من أفضل المدارس بناء وتجهيزًا وإعدادًا وإدارة وتعليمًا. ثم افتتحت فرعًا آخر لمدارسها بالقاهرة واستمرت أيضًا فى تطويره وتوسيعه حتى أصبح مدرسة ومقرًا لإدارة جريدتها التى أنشأتها بعد ذلك. وقد أوقفت مبنى مدرسة بنات الأشراف فى الإسكندرية وقفًا خيريًا لوزارة المعارف سنة ١٩٤٦.
ورغم أنّ نبوية كانت مُحافظة فى زيها، وظلتْ طوال حياتها تـُغطى شعرها وترتدى الكرافت الرجالى، وتفضَل اللون الأسود لردائها الخارجى، نجدها تكتب رأيها عن سفور المرأة كما ورد فى كتابها «تاريخى بقلمي» قائلة: «أردتُ السفور فلم أكتب عنه، مع إنى قرأتُ كتب المرحوم قاسم أمين وأعجبتُ بها، فالعادات لا تتغير بالقول، لهذا عوّلتُ على أنْ أدعو للسفور بالعمل لا بالقول، فكشفتُ وجهى وكفىّ». ولأنّ المناخ السائد كان لا يزال مناخ الانعتاق من عصور الظلمات، فلم يكن غريبًا ما حدث معها عندما ركبتْ الترام، فسألتها إحدى السيدات: «هوّ إنتى مسيحية؟».
توفيت نبوية موسى فى ٣٠ إبريل ١٩٥١ تاركة سجلا حافلا بالذكريات واستحقت عن جدارة لقب رائدة تعليم الفتيات المصريات.