الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإرهاب بين المقاومة والمواجهة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المعركة مع الإرهاب طويلة وشرسة، وهى أيضا ليست نزهة أو استعراض قوة وفرد عضلات.. الإرهاب واقع فرض نفسه على العالم بعد أن كان أداة صنعتها دول كبرى وأجهزة استخبارات لتنفيذ مخططات صعبة فى منطقة الشرق الأوسط تحديدا «منطقة فوائض الأموال والثروات الطبيعية والطاقة ومركز العالم وملتقى ممراته وأسواق تجارته». الإرهاب أسقط دولًا، وحول بعضها لدول فاشلة بعد أن فتت جيوشها وفككها، وصنع بين أهلها حروبًا طائفية وعرقية ودينية.. لم يعد فى المنطقة دولة قادرة على الوقوف ضده بشعبها وجيشها وقدراتها الذاتية غير مصر، لذلك يزيد الضغط عليها، وتصوب إليها الضربات الشديدة القاسية لتترنح وتسقط الجائزة الكبرى فى حجر أعدائها.
بعد حادث الكنيسة البطرسية الذى استشهد فيه ٢٥ مواطنًا مصريًا مسيحيًا وأصيب فيه ما يزيد علي الأربعين أعتقد أن سؤالًا ملحًا يطرح نفسه بقوة علينا جميعا: هل نحن نواجه الإرهاب أم نقاومه؟
فى تقديرى أننا نقاوم الإرهابيين لكننا لم نصل بعد إلى مواجهة الإرهاب بشكل أساسى، وأظن أن هذه القضية محل خلاف وفيها من وجهات النظر الكثير، وأجزم أن كل وجهات النظر تستحق الاحترام والتقدير، فمن يرى أن التعامل معه كقضية أمنية فقط لا يرى تعارضًا مع استراتيجية المواجهة الشاملة للإرهاب، لأن انتظار المواجهة الشاملة والاستراتيجية المتكاملة سيوقع المزيد من الضحايا والشهداء، ولا ينكر أحد أن الأجهزة الأمنية نجحت وما زالت تواصل نجاحاتها فى الرد على كل الضربات الإرهابية بمنطق رد الفعل، كما أنها قامت بعمليات استباقية كثيرة تم الكشف عن بعضها ولم يتم الكشف عن البعض الآخر لاعتبارات أمنية ومعلوماتية.. لذلك فالحلول الأمنية ضرورة لا غنى عنها.
ومن يرى أن مواجهة الإرهاب على كل الأصعدة وأنا منهم ضرورة ملحة خصوصًا بعد الحادث الإرهابى الأخير الذى وقع فى الكنيسة البطرسية والذى يحمل الكثير من الرسائل الخطرة منها حالة الإحباط التى تعانى منها التنظيمات الإرهابية بعد فشلها فى النيل من مصر وشعبها فوصلت للمحطة الأخيرة فى مواجهة الدولة، وألقت بورقتها الأخيرة وأطلقت رصاصتها المتبقية فى مسدسها.. عمليات التفجير بأحزمة ناسفة بما يعنى أننا أمام تطور نوعى يصعب على الأجهزة الأمنية كشفه بسهولة.
بعيدًا عن منطق التفاؤل أو التشاؤم.. من الوارد أن تتكرر هذه الحوادث ويرتدى من تم غسل عقولهم ووُعدوا بالجنة أحزمة ناسفة، ويفجرون أنفسهم بين الناس طالما من يحشون هذا الفكر فى عقولهم يرتعون على الشاشات، ويركبون منابر المساجد تحت سمع وبصر الموظفين فى وزارة الأوقاف، وينتشرون كالجراد والجرذان فى الزوايا التى تنشأ كالزائدة الدودية تحت العمارات بلا رقيب أو متابع، وتكتظ بهم بعض الجمعيات الأهلية التى تختفى وراء عمل الخير فى الأماكن الفقيرة والمناطق المنسية!
مواجهة الإرهاب لا تعنى عدم مقاومته فى التو واللحظة، ولا تعنى التوقف عن رد الفعل عند وقوع عمليات إرهابية، المواجهة تعنى تنسيق الجهود فى كل المؤسسات الدينية والثقافية والتعليمية والإعلامية والأمنية والمجتمع المدنى الحريص على الوطن، وليس المتاجر بآلام الناس واستغلال حاجتهم.. المواجهة تتطلب من كل هؤلاء فهمًا صحيحًا للخطر الذى تواجهه الدولة، وتتطلب شجاعة الاعتراف بالخطأ والتقصير فى المعالجة، وتتطلب أيادى وعقولًا غير مرتعشة تأخذ القرار وتقول الرأى بلا حسابات. 
المواجهة تقتضى فهم الرسالة التى أطلقها الرئيس بضرورة تصحيح الخطاب الدينى، وتنقيته من الشوائب التى علقت به فصارت جزءًا من منه، وأن يتوقف خطاب الكراهية الذى نسمعه على مدار الساعة إلا من رحم ربى، وتقتضى أن يفهم المسئولون عن مؤسساتنا الدينية أن الخوف من المواجهة هو حماية للإرهاب ومبرر لاستمراره.
المواجهة تستوجب تطهير مؤسساتنا من الخلايا النائمة من المتطرفين بلا خوف ولا حسابات، فهم معروفون للعامة والخاصة فى كل المؤسسات وظهروا جميعًا وكشفوا عن أنفسهم فى السنة السوداء التى حكمت فيها الجماعة.
المواجهة تتطلب عودة مكاتب جهاز أمن الدولة فى كل المدن والمراكز القريبة والبعيدة، والتى حرصت الجماعة بمساعدة بعض المسئولين على غلقها وتسريح ضباطها، فحدث الفراغ الكبير وتحول الوطن إلى مرتع لخلاياهم.. مكاتب الجهاز كانت تعلم عنهم كل شاردة وواردة وتتعامل معهم بالطريقة التى يفهمونها.
المواجهة تحتاج تعديلات تشريعية لتمكين القضاء من القصاص السريع من القتلة، وتحتاج جرأة فى اتخاذ التدابير التى تحمى الوطن من السقوط، وتحتاج الرد على المرجفين والعملاء، ومن يريدون لهذا الوطن أن يظل عليلًا مريضًا لا يقوى على الانطلاق.. حماية الوطن لا تحتاج مبررات لحمايته.. وخيانته لا تحتاج الطبطبة والخوف من حسابات الخارج.
فى هذه المرحلة لسنا فى حاجة إلى ترف الحديث عن حقوق القتلة والمجرمين والسجناء، ولا مكان لمن يقولون.. عفا الله عما سلف.. قبل أن نقطع دابر الإرهاب، وقبل أن تهدأ أرواح الشهداء ويجرى القصاص تحت بصرنا وسمعنا، ومن يرى أن الوطن ليس فى حاجة إلى ذلك فليبحث له عن وطن بديل.. وتحيا مصر.