الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خراب الإسلام السياسي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انطفاء ظاهرة (الصحوة المتأسلمة)، وتراجع تبنى العرب والمسلمين لها، كان أمرًا متوقعًا، منذ أن ظهرت على السطح فى بدايات الثمانينيات من القرن الماضي، ليس فى المملكة فحسب، وإنما فى أرجاء العالم الإسلامى كله.
ثلاثة أسباب محورية فى رأيى بعثت هذه الظاهرة إلى الوجود، وأطلقتها من عقالها، أولها: نجاح الثورة الخمينية فى إيران، ومحاولة ثوار العرب الاقتداء بها، لتثوير مفاهيم الإسلام السنى على غرار الإسلام الشيعى، ومواكبة تلك الثورة التى كانت حينها لامعة وجذابة للجماهير العربية على اعتبار أنها منطلقة من التراث، وليست غريبة عليه. السبب الثانى: غزو أفغانستان من قِبل الاتحاد السوفيتى، واعتباره الإسلام عدوًا يجب أن يسحق وينحّى عن السيطرة على أفغانستان. السبب الثالث: حركة جهيمان، واحتلال الحرم المكى، انطلاقًا من قناعته هو ومناصرى حركته، أن معهم (المهدي)، الذى جاءت بعض الآثار الموروثة تُبشر بظهوره فى آخر الزمان، ليملأ الأرض عدلًا، كما هى فكرة (المخلص) التى جاءت بها أغلب الأديان، وليس الإسلام فحسب. هذه العوامل أو الأسباب الثلاثة كانت لدى كثير من الراصدين والمحللين وأنا واحد منهم، هى الدوافع (الأهم)، وليست بالطبع الحصرية، التى جعلت (التأسلم السياسي)، أو كما يسميها مناصروها، (الصحوة الإسلامية)، تطفو على السطح، وتستمر لمدة ثلاثة عقود من الزمن قبل أن يخبو وهجها وتألقها.
وهناك فى المقابل أسباب كثيرة، جعلت نظريات التأسلم السياسى، تفشل، وتبدأ فى الاضمحلال والعزوف الجماهيرى، حتى وصلت إلى ما هى عليه اليوم، خاصة بين صغار السن، وتحديدًا من هم أقل من سن الثلاثين. أهم هذه الأسباب أن هذه الظاهرة كانت تقدم نفسها ظاهرة (خلاصية)، لكنها فشلت فشلًا ذريعًا فى تقديم حل حضارى حقيقى يُكرِّسها كمنقذ من حالة التخلف الذى يعيشه أغلب شعوب المسلمين، خاصة العرب. وليس لدى أدنى شك أن حركة (داعش) التى هى شكل من أشكال التأسلم السياسى، أجهزت عليها، وأثبتت فشل، بل وخطورة، ما يُسمى (الربيع العربي)، الذى لعب فيه المتأسلمون ونظرياتهم الدور الرئيسى والريادى، وقد كان لحركة (داعش) القدح المعلى لإثبات أن (التأسلم السياسي) لا يمكن أن يقدم حلًا حضاريًا، بقدر ما يقدم شلالات دماء وفتن وقلاقل ومحن وخرابًا، كما كان لفشل جماعة الإخوان المسلمين، عندما تسلمت الحكم فى مصر وأخفقت، أثر تكريسى إضافى.
ولا أعتقد أن راصدًا موضوعيًا ستخفى عليه اليوم انحسار وتراجع صوت (التأسلم السياسي)، وابتداء نجمه بالأفول، غير أن السؤال الذى يُقلق كثيرًا من المثقفين والمفكرين العرب هو (ماذا بعد؟)، فهل هزيمة وتضاؤل التأسلم السياسى، سيؤدى إلى ولادة (حل حضاري) جديد، قادر على إقالة العرب والمسلمين من عثرتهم الحضارية؟.. لا أعتقد أن ثمة محللًا متابعًا وموضوعيًا يستطيع الجزم بذلك أو نفيه، فالمسارات التاريخية للأمم معرضة لكثير من العوامل المفاجئة التى لم تكن فى الحسبان، وتصرفها فى النتيجة عن الوصول إلى شاطئ النجاة، حتى ولو بدا هذا الشاطئ قاب قوسين أو أدنى للوصول إليه.
نقلًا عن العربية