الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

تفجير الكنيسة البطرسية: جريمة التطرف والعنف

حادث  تفجير الكاتدرائية
حادث تفجير الكاتدرائية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الأيام القليلة الماضية، حدثت في مصر الأيام بعض الجرائم الإرهابية والتي لا ينبغي الفصل التام بينها أو مطابقتها. فحدوث عدة تفجيرات لمواقع مختلفة في فترة زمنية متقاربة (خلال ديسمبر 2016) قد يضع تصور بوجود ترابط تخطيطي أو فكري بين منفذيها، لكن الجدير بالملاحظة أيضًا هو اختلاف الأماكن المستهدفة: كمين شرطة، وشارع، وكنيسة، ويعكس هذا تفكيرًا معاديًا للأصحاب الاعتباريين لهذه الأماكن؛ وربما يعكس هذا مرجعيات فكرية متوازية لتفجير هذه الأماكن، وكان آخِر هذه الجرائم تفجير في الكنيسة البطرسية بالقاهرة في 11 ديسمبر 2016.
وعداوة واعتداء المتطرفون على المسيحيين أو ممتلكاتهم أو كنائسهم ليس بالأمر الجديد، ولكي لا يطول الحديث عن جرائم التطرف يمكن التركيز على السنوات القليلة الماضية، والتي برزت فيها بعض الحوادث. ففي يناير 2011 حدث تفجير استهدف كنيسة القديسين مارمرقس الرسول والبابا بطرس بالإسكندرية. وفي مارس 2011 تم حرق كنيسة الشهيدين مارجرجس ومارمينا ومنازل الأقباط بقرية صول، مركز أطفيح، محافظة حلوان. وفي إبريل 2013 تم الاعتداء لأول مرة في التاريخ المعاصر على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية. وفي أغسطس 2013 تم حرق العديد من الكنائس وممتلكات المسيحيين في أرجاء مصر. وفي هذا الشهر تم التفجير في الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية بالعباسية. وفي كل جريمة من جرائم التطرف هذه يتكبد المسيحيون الكثير من الخسائر إذ يُقتل بعضهم وتحرق ممتلكاتهم أو كنائسهم.
ولا يمكن تجاهل أن هذه الجرائم موجهة في الأساس ضد المسيحيين، فالمتطرفون الذين يعتدون على الأقباط يرون في المسيحيين عدوًا لهم ربما لأسباب دينية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. فبعضهم يرى المسيحيين كفار، يعيقون تأسلم المجتمع المصري وتطبيق شرع الله، والبعض الآخر ينظر للمسيحيين باعتبارهم عائقًا لإقامة الدولة الإسلامية وتفعيل ولاية الخلافة، والبعض يرى الأقباط منافسين اقتصاديًا أو إقطاعيين ظالمين والبعض مازال يرى الأقباط مواطنين درجة ثانية ولا يستحقون شيئًا مما لهم. وهذه التصورات المريضة سواء فرادًا أو مزيجًا تدفع المتطرفون لإلحاق الضرر بالمسيحيين ماديًا ومعنويًا. وبالتالي فالمسيحيون أفراد أو جماعة هم المتضرر الأول من جرائم العنف والإرهاب الطائفي.
ويلحق المتطرفون الضرر بالمسلمين الآخرين من خلال هذه الجرائم الطائفية. ففي الوقت الذي يتحدث فيه الكثير من المسلمين عن المبادئ الإسلامية كالسلام والمسالمة، تأتي وقائع العنف لتقدم صورة سلبية عن أصحاب الدين الإسلامي. وكأن المتطرفون بإرهابهم يقولون بأن الفكر الإسلامي في جوهرة يدعو للكراهية والعنف ضد الآخر. فحين يغتال مسلم متطرف طفلًا أو امرأةً أو رجلًا يتعبد في كنيسة ما، هو يغتال أيضًا مبادئ الإسلام في السلم والمسالمة ويشوه صورة الإسلام في الداخل والخارج.
والمتضرر الثالث والأخير من جرائم العنف ضد المسيحيين هو مؤسسات الدولة المصرية. فمن المفترض في مؤسسات الدولة حماية المواطنين دون تفرقه، ومن المفترض في أجهزة الأمن أن تحافظ على سلامة المواطنين. ولكن مثل هذه الحوادث تشكك في قدرة مؤسسات الدولة والمنظومة الأمنية على حماية بعض المواطنين. ما يعود سلبًا على كل تعاملات مؤسسات الدولة داخليًا وخارجيًا، فتتزعزع الثقة على الأقل في السياسة والأمن والاقتصاد المصري.
ولذا وجب على المتضررين من جرائم العنف ضد المسيحيين مواجهتها. فمواجه التطرف والطائفية مسئولية المسيحيين والمسلمين ومؤسسات الدولة. وعلى هؤلاء أن يسعوا معًا بكل قوة وحكمة لمواجهة التطرف والعنف، مستفيدين من الدراسات العديدة التي تناولت هذا الموضوع بصورته المحددة (أي التطرف والعنف الطائفي) أو بصورته العامة (أي التطرف والعنف عامة). وتوضح هذه الدراسات تنوع أسباب نشوء التطرف في المجتمع: سياسية واقتصادية وثقافية وتعليمية ودينية واجتماعية، واختلاف طرق الوقاية والعلاج منه.
والحقيقية أنه لا يوجد حل واحد سحري للوقاية والعلاج من التطرف والعنف. فلقد تبنت الحكومات المصرية نماذج أحادية في التعامل مع التطرف والعنف؛ ولكنها لم تنجح كثيرًا، فمرات حاولت الحكومات المصرية مواجهة التطرف والعنف بالمعالجات الأمنية والتي لم تنجح إلا في جعل العنف والتطرف يأخذ طابع سري. وكذلك تبنت حكومات مصرية معالجة التطرف بالإدماج الديمقراطي ولكن هذا أيضًا لم ينجح كثيرًا. ولذا في رأيي أن معالجة التطرف والعنف يحتاج إلى العمل على كل أسبابه لتجفيف منابع تكوينه وعلاج مظاهرة، مع ضرورة تكاتف جميع المؤسسات والكيانات والأفراد في الدولة المصرية على مدى زمني طويل.