الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

سر ارتباط نجيب محفوظ وبهاء طاهر وتوفيق الحكيم بـ"كرة القدم"

كتاب لمصطفى بيومي يكشف كيف تلاعبت «الساحرة المستديرة» بعقول وأقلام الأدباء

توفیق الحکیم و إحسان
توفیق الحکیم و إحسان عبدالقدوس و نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم انتمائهم إلى أجيال متفاوتة زمنيًا، فإن كرة القدم كانت حاضرة باستمرار فى الأعمال الأدبية لمعظم الروائيين المصريين، بداية من الراحل توفيق الحكيم وحتى الروائيين المعاصرين، ربما كان ذلك افتتانًا من الأدباء أنفسهم بالساحرة المستديرة، وربما كان ذلك بفعل التأثير الشعبى الجارف للعبة الأكثر جماهيرية فى مصر. 
فى الكتاب الصادر عن دار بورصة الكتب للنشر، تحت عنوان «كرة القدم فى الأدب المصرى.. شهادات اجتماعية وسياسية» بقلم الكاتب الصحفى مصطفى بيومى، يروى كيف تقاربت معالجة أجيال متباينة من الأدباء ومدارس فنية مختلفة ورؤى سياسية وأيديولوجية متعارضة، بفارق عمر بين الكتاب يتجاوز ربع القرن، فى تعاملها مع اللعبة. 
بدأ الكتاب بالإشارة إلى تأثير كرة القدم على السياسة والاقتصاد، مستدلًا بالحرب العسكرية بين السلفادور وهندوراس بسبب مباراة فى كرة القدم، مرورًا بواقعة اغتيال أحد اللاعبين، ونشاط المافيا فى اللعبة، والفساد الذى يتخللها، وصولًا إلى واقع الأهلى والزمالك فى الحياة المصرية

توفیق الحکیم
«انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم»، مقولة له تشبه الدليل القاطع على وجود تناقض حتمى بين كرة القدم والفكر، فالحياة الإنسانية تتسع للاعبى الكرة والأدباء والمفكرين، اتساعها للممثلين والراقصات ورجال الأعمال وأصحاب المهن والحرف والفلاحين، لكن التجاورية قائمة بين هؤلاء جميعًا، ولكل منهم دوره الذى لا تكتمل خريطة الحياة إلا به.
حاور توفيق الحكيم، قبل عامين من ثورة يوليو، عصاه، مقارنًا بين كرة القدم المصرية ونظيرتها العالمية، راصدًا براعة اللاعب المصرى، الذى لا يقل مهارة وموهبة عن أقرانه الأوروبيين، فى ظل أن الفرق المصرية لا تحقق نجاحًا يُذكر فى مباراتها، بفضل سيادة الفردية على الأداء الجماعى للاعبيها.
يضيف الحكيم «التيم المصرى كل فرد يلعب مستقلًا عن المجموعة، وتطغى عليه براعته الشخصية، متصورًا أن بإمكانه أن يقذف كرة القدم إلى الهدف بقدمه وحدها.. ويؤدى ذلك إلى ضياع الرابطة بينه وبين زملائه اللاعبين، إلى اختلال النظام الذى يجعل منهم وحدة منسقة، فإذا الفريق مفكك، واللعب مرتجل، والمصادفة هى التى تقرر النجاح أو الفشل». 
هيمنة الفردية فى كرة القدم وغيرها من مناحى الحياة، داء مصرى عضال مزمن، يقود فى الأغلب الأعم إلى المشاكل والهموم التى تستعصى على الحل، ويحول دون التقدم المنشود المأمول، هذه السمة هى الملمح الأساسى فى إيقاع الواقع المصرى قبل ثورة يوليو، فهل يتغير الأمر بعدها؟!.
«رواية بنك القلق»، ١٩٧١، التى تجمع بين الشكلين الروائى والمسرحى، منتقلة من فصل سردى إلى آخر حوارى، يقدم الحكيم رؤية بالغة العمق عن الملامح وسمات المجتمع المصرى فى العهد الناصرى، حيث احتكار السلطة لكل المفردات الحيوية فى إيقاع الحياة السياسية والاقتصادية، والإهمال الكامل للأفراد، وإنكار حقوقهم المشروعة فى التعبير والمشاركة والشعور بالتحقق الذاتى.
يقدم «الحكيم»، عينات من مظاهر القلق عبر تسعة زبائن يترددون على البنك، ولا تغيب كرة القدم كمصدر لصناعة القلق والتوتر عند المتطرفين فى تشجيع الأندية إلى حد الهوس الهستيرى، ولا شك أن ظاهرة كهذه تتجاوز حدود الرياضة الشعبية لتُعبّر عن حالة المجتمع المسكون بالفراغ والخواء، ما يدفع إلى البحث عن انتماء يضفى المعنى والجدوى.
«حصل مرة أن الزمالك كاد فى الشوط الأخير يصيب الهدف، لولا اصطدام الكرة بخشبة المرمى، لم أطق. ولم أشعر بنفسى. وإذا يدى تلتقط شيئًا لم أفطن إذا كان عمامة أو كاسيت، فوق رأس الشخص الذى بجوارى، وقذفت بها فى الهواء، وسط الملعب.. وبالطبع حدث هياج وخناق، خصوصًا وقد اتضح أن صاحب غطاء الرأس هذا الذي طار فى الهواء هو حيوان أهلاوى».
الانفعال بتسجيل هدف الزمالك يتخذ طابعًا أكثر حدة وتطرفًا من رد الفعل على ضياع الفرصة، ويوشك المتطرف فى التعبير عن فرحته أن يرتكب جريمة قتل.
«وفى مرة أخرى تحمست لهدف عظيم أحرزه الزمالك، فلم أشعر إلا ويدى قد تناولت طفلًا صغيرًا من حجر أمه الجالسة بجوارى ورفعته فى الهواء.. 
وقذفت به فى الملعب؟.
لا.. من حسن حظى أدركونى.. ولكنهم أشبعونى لطمًا وشتمًا.. وأنا أصرخ.. هذا شيء غصب عنى يا ناس!».

الکرة فى أدب محفوظ
«كان نجيب محفوظ لاعب كرة قدم من طراز نادر، فى أيام الصبا فى العباسية. كان محاورًا ومناورًا كرويًا، لو استمر لنافس على الأرجح حسين حجازى والتتش ومن بعدهما عبدالكريم صقر، ثم الضظوي».
كان «محفوظ»، أشبه بالصاروخ المنطلق وكان هذا يلائم الكرة فى عصر صبانا، ففى شبابنا الباكر كان عقل اللاعب فى قدميه وكان اللاعب القدير هو اللاعب الفرد الذى ينطلق بالكرة كالسهم نحو الهدف، لا يلوى على شيء.
ينعكس اهتمام نجيب بالكرة على إبداعه الأدبى الثرى لتقدم رواياته وقصصه القصيرة شهادة مهمة، تكشف عن المكانة التى تحتلها كرة القدم فى الحياة المصرية، خلال مراحل تاريخية مختلفة، وعبر تجليات ذات مستويات متعددة، فى رواياته الذاتية «المرايا»، يتجلى اهتمام نجيب محفوظ بكرة القدم وتأثيرها فى طفولة ومراهقة الراوى.
رضا حمادة، صديق فرد ناضج جدير بالاهتمام، ولا شيء عنده يعلى على الأحاديث الوطنية والسياسية «كان يتكلم عن سعد زغلول أكثر مما يتكلم عن حسين حجازى أو شارلى شابلن، أو المصارع عبدالحكيم المصري».
يقول محفوظ: «فى ذلك اليوم شاهدت مباراة كرة قدم لأول مرة فى حياتى، وعرفت لاعبين لم يمح أثرهم من نفسه حتى اليوم مثل حسين حجازى ومرعي».
فى قصة صورة قديمة مجموعة دنيا الله يستعرض الصحفى حسين منصور، صورة مدرسية قديمة تضمه وطلبة السنة النهائية بالقسم الأدبى من الجيزة السنوية ١٩٢٨، تمهيدًا للقيام بتحقيق صحفى عن المصائر التى يؤول إليها الزملاء القدامى ١٩٦٠.

إحسان عبدالقدوس
فى قصة «لاعب الكرة.. يحب»، مجموعة «بنت السلطان»، يقدم إحسان عبدالقدوس تجربة مهمة، تنعقد البطولة فيها للاعب الكرة المعتزل برعى محمد السيد الذى يعرف نفسه على النحو التالي: أنا برعى محمد السيد.
الجفاف سمة ملازمة لواقع اللاعب المعتزل، التى تخاصمه الأضواء بعد إقبال طويل، لكنه يشير فى تداعياته إلى ملمح مهم جدير بالانتباه والاهتمام، لأنه يتجاوز كرة القدم إلى رحابة الحياة الاجتماعية بشكل عام: «لم تكن الدرجة الثالثة وحدها هى التى تجرى إلى داخل الملعب لتحملنى على أعناقها.. الدرجة الأولى أيضا.. فكرى أباظة اندفع نحوى مرة ليقبلنى عقب مباراة الأهلى والزمالك.. ولم يستطع أن يصل إلى.. حصرته الجماهير.. وسقطت نظارته من فوق عينيه، وتحطمت تحت أقدام الناس.. أتذكرون الأسلاك الشائكة التى وضعت حول النادى الأهلى، لقد وضعت خصيصًا لتحمينى من الجمهور».
بمبادرة منها تبدأ العلاقة، أما برعى نفسه فلم يكن يحلم بمعرفتها أو الاقتراب من عالمها: «شريفة هى التى تسللت إلىّ.. لقد جاءت إلىّ عقب إحدى مباريات العام الماضى.. كنا فى المساء.. وكنت قد غيرت ملابسى وجلست أشرب كوب الشاى الذى تعودت أن أشربه بعد اللعب.. قالت لي: كنت هايل يا برعي، وانتفضت أمامها واقفًا، وأنا لا أصدق أنها هى التى تحادثنى.. وقلت: ربنا يخليكى يا فندم.. وابتسمت لى ابتسامة لم أر فى حياتى أجمل منها.. ابتسامة دق لها قلبي».
الحب الذى يحظى به برعى ويتمتع بثماره الطيبة، من جماهير الكرة وشريفة على حد سواء، لا ينبع من الإعجاب بشخصيته وسماته.. العاطفة عند الكتلة الجماهيرية المحبة للكرة تنصب على أداء اللاعب، وتقترن عند شريفة ومثيلاتها بالنجومية والشهرة وتسليط الأضواء الإعلامية.. عندما يتراجع العطاء فى الملعب وتتبخر الشهرة، ينتهى الحب المؤقت المشروط، ويبدو منطقيًا عندئذ، أن يعود برعى واحدًا من آحاد الناس: «اعتزلت الكرة، وزوجتنى أمى فتاة من صنفنا».
أما اليوم، فاللاعبون يجرون، ولكنهم لا يلعبون.. وإذا كانوا يلعبون، فهم يلعبون استغماية.. ضيعوا النادى الأهلى.. ضاع الدورى وضاع الكأس.. «الله يكسفهم».. وقلبى ينشق أنى أرى الأهلى يتمرمط أمام عينى ولا أستطيع أن أفعل شيئًا، وأرى الجون فاضى.. يكفى أن تزيح الكرة بقدمك لتسجل هدفك، ولكن المغفل الذى يلعب للأهلى لا يستطيع أن يزيح الكرة.. وأنا أمام شاشة التليفزيون لا أستطيع أن أفعل شيئًا.. فقط أصرخ.. وأشوح بذراعىّ.. وأشد شعرى.. فقد اعتزلت.. اعتزلت الكرة منذ عشر سنوات، كأن أمجاد الأهلى وانتصاراته رهينة ببرعى وحده، ومع اعتزاله يظهر لاعبون «مغفلون»، محدودو المهارة يهدرون الفرص السهلة فتحل الهزائم والانكسارات.

عبدالرحمن الشرقاوي
فى «الفلاح»، رواية الشرقاوى الوحيدة، التى تعبر عن الواقع المصرى، فى ظل نظام ثورة يوليو، حيث تدور أحداثها سنة ١٩٦٥، يقدم الروائى شهادة مهمة يكشف من خلالها عن تنامى وصعود شعبية كرة القدم على نحو غير مسبوق، ويتبلور ذلك التصور فى إطار سلبى الغالب عليه موقف الاستياء والاستهجان والإدانة.
فى الصفحات الأولى يستعيد الراوى ذكرياته مع فندق «شبرد»، ويستدعى الإهانات القديمة التى يتعرض لها مع ابن عمه عبدالعظيم بعد دخولهما المكان الأرستقراطى المحظور علي الفقراء والفلاحين وصولًا إلى الطرد بالقوة والاحتجاز فى قسم الشرطة..تستعاد الوقائع القديمة فى واقع مختلف لا وجود فيه للمقر المندثر: «والأرض التى كان يحتلها شبرد أصبحت الآن ملعب كرة يقلد فيها أبناء الحى نجوم الكرة الكبار الذين يقرأون عنهم فى الصباح والمساء».
يعلو صوت المعلق الرياضى الإذاعى ليخدش الصمت ويفسد التركيز الذى يتسم به الاجتماع، ويبرهن من ناحية أخرى على اهتمام الإذاعة المصرية مثل الصحف بالمباريات، دون تفكير فى الفلاحين الأولى بالاهتمام.
الأقلية من الشباب تعلن عن انحيازها الصريح للكرة وتؤثر الانسحاب من الاجتماع السياسى، والأغلبية تواصل المشاركة التى ترادف الجدية والالتزام بقضايا القرية، بل إن إحدهم يتطوع بالاعتذار وإدانة «مجانين» كرة القدم، وهى إدانة يوافق عليها عبدالمقصود عندما يؤكد ضرورة توعيتهم، ما يعنى أنهم محدودو الوعى.

فتحى غانم
كنت ألعب معهم من مكانى خلف النافذة، أحاور، وأركل الكرة بقدمى، فتصطدم بالجدار أسفل النافذة.
حسن يوسف منصور، فى «الأفيال»، طفل يتسم بالحيوية، ونشيط ذو شخصية قيادية قوية، لكنه يتعرض لحصار خانق مدمر فى سنوات الدراسة الإعدادية، وأصبح المدرسون يطلبون من الأولاد الخضوع والطاعة العمياء. لا يعترفون بالشقاوة ولا بشيء اسمه الشخصية القوية، وواجه حسن ناظر المدرسة وهو يجمع شلة الأولاد الأشقياء، وعلى رأسهم حسن، وقال لهم وهو يضغط على أسنانه متوعدًا: «سوف أشتتكم.. لن يجمعكم فصل واحد.. سأبطش بكم بلا رحمة إذا صدر منكم أى شيء ضد النظام».
فى قصة «تأملات كاتب مشهور فى آخر أيامه»، مجموعة «الرجل المناسب»، يتحمس الكاتب ذائع الصيت للإلحاح على تصوير الحياة المرحة الوردية الممتعة، ثم يقول لوزير الإعلام ضاحكًا: «إننى أعنى الحياة الوردية لا الحياة الحمراء، حيث حمامات الدم»، فضحك الوزير، وقال: «إن اللون الأحمر ليس قاصرًا على الشيوعية، فهو أيضا لون فانلة النادى الأهلي».
المباراة التى يشير إليها هى نهائى كأس العالم ١٩٧٤، وهو ما يتوافق مع المرحلة التاريخية للحوار، ولا شك أن مجاورة كيسنجم تستدعى الفخر والمباهاة، أما السفر إلى ألمانيا ومشاهدة المباراة من المكان المميز والأكثر تكلفة فى الملعب، فإنه متعة لا يقوى على تحمل نفقاتها إلا أصحاب الملايين.
فى «من أين؟»، تضع الارستقراطية عايدة عينها على الشاب منير، لتتخذه عشيقًا يملأ فراغ حياتها، ومن «مميزات» المرشح للعشق أنها تسمعه وهو يبدى الإعجاب بعبد الجليل حارس مرمى النادى الأهلى، وعندئذ تشعر بالاطمئنان: «حماسه، وطريقته فى الكلام، واهتزاز رأسه فى غرور، كل ذلك طمأنها إلى أنه لا يفكر كثيرًا بعقله».
«فى الرجل الذى فقد ظله»، يكشف فتحى غانم عن الصلة الوثيقة بين الكرة والعالمية والسياسة والصحافة.. جريدة «الأيام» التى يرأس تحريرها محمد ناجى، ويبدأ فيها يوسف السويفى حياته الصحفية، تخضع لسيطرة المليونير الرأسمالى القوى شهدى باشا، ويتم تسخيرها لخدمة أهدافه ومصالحه الاقتصادية والسياسية.

یوسف الشاروني
فى قصة «حارس المرمى» ١٩٦٠، يقدم يوسف الشارونى رواية ذات مذاق مختلف عن الموقع الذى تحتله كرة القدم فى الحياة المصرية، ويكشف عن التداخل والتشابك بين اللعبة الشعبية ومفردات الواقع، حيث التناغم عبر مباراة فريقى المديرية والعاصمة، من منظور حازم حارس مرمى الفريق المحلى.
اختلاف الأزياء والسلوك بمثابة التأكيد على أن الإعجاب باللعبة شامل، ولا مشترك يوحد بين الحشود الهائلة إلا الحرص على المشاهدة ووحدة الانفعال بالصياح الجماعى عند التهيؤ لبداية المباراة، أداة التنفيس عن المشاعر ووسيلة التقاط الأنفاس والتخلص من المفردات العادية المألوفة الراكدة.
يستعين الشارونى بالمونتاج السينمائى المتقن، ليقدم تجسيدًا فنيًا متوازنًا لأوجه التشابه الكثيرة الدقيقة بين كرة القدم والحياة، ومن خلال هذا التجسيد تكشف القصة عن الشعبية الكبيرة التى تحظى بها كرة القدم ونجومها فى المدن الصغيرة.

أبو المعاطى أبو النجا
ترصد رواية «ضد المجهول»، التى تدور أحداثها فى صيف ١٩٥٤، خلال مرحلة التحولات الاجتماعية والسياسية فى أعقاب ثورة يوليو ١٩٥٢، فكرة تأسيس النادى فى قرية «الزهايرة»، وطبيعة الأنشطة المصاحبة له، وأسلوب التمويل والدعم، وما يترتب على ذلك كله من تداعيات، هى الأدوات التى يتشكل من خلالها الرصد والتحليل للكشف الدقيق العميق عن طبيعة المرحلة التاريخية المهمة، بتفاعلاتها المعقدة وتداخلاتها المتشابكة المركبة.
ينجح نظام ثورة يوليو فى إقصاء وتهميش منافسيه، ولا يقدم بديلًا تنظيميًا مشجعًا مقنعًا، فالتنظيم السياسى الأول المعبر عن الثورة يبدو هزيلًا هزليًا يستحق سخرية شريف اللاذعة: «هيئة التحرير» «فريق الأسد المرعب»، ترحب بمن يلعب ومن لا يلعب!..
كرة القدم فى رواية أبو المعاطى أبو النجا، هى المعادل الموضوعى للحياة الجديدة وما تحفل به من صراعات اجتماعية فى ظل الفراغ السياسى، فهى اللعبة الإطار، وهى اللعبة الرمز.. شريف الماوردى هو صاحب اقتراح تأسيس النادى، ويطوف بصحبة بعض تلاميذ القرية لجمع التبرعات من الأعيان والوجهاء والقادرين على المساهمة.
تؤكد المؤشرات جميعًا أن كرة القدم قد ولدت لتبقى وتستقر وتزدهر، فكأن «الزهايرة»، على موعد معها.. لا متسع للتفكير فى الاستغناء عنها والعودة إلى إيقاع ما قبل ميلادها.. «وكان لا بد أن تمضى أيام ليشعر الناس أن كرة القدم يجب أن تبقى.. ليتفقوا جميعًا على هذا المطلب ويختلفوا بعد ذلك فى الأسباب».
مثل احتفالات الأعراس والموالد، لا تنجو مباراة كرة قدم من الشغب والشجار، والقتيل الذى يسقط من أبناء السنبلاوين ليس إلا ضحية لسيطرة الأحلام الخارقة التى ترادف الأوهام.. نهاية مأسوية لحلم قصير ساحر تمثله الكرة، وقبل المباراة بكل ما يترتب عليها من آثار وخيمة، يبدو صبرى حكيمًا بعيد النظر عندما يقدم تحليلًا ذا طابع سياسى، يتجاوز كرة القدم إلى الثورة ونظامها الجديد، بل إنه يتجاوز الثورة إلى فلسفة الحياة الإنسانية بشكل عام.

بهاء طاهر
فى قصة «المظاهرة»، التى كتبت ونشرت فى عام ١٩٦٦، وتظهر فى مجموعة «الخطوبة»، ١٩٧٢، يقدم بهاء طاهر شهادة ناضجة عميقة، على الصعيدين الفكرى والفنى، عن الموقع الذى تحتله كرة القدم فى الحياة المصرية خلال المرحلة التاريخية، فى منتصف الستينيات.. اللعبة، كما تكشف القصة، ليست رياضة شعبية تحظى بالاهتمام الجماهيرى العريض فحسب، لكنها أيضا بمثابة الأداة الأهم لملأ الفراغ السياسى، وتحقيق التوازن النفسى، ذلك أنها سلاح فعال يتزود به الكثيرون لإضفاء المعنى الجدوى على حيواتهم الفارغة، ومعانقة الشعور الكاذب بالتحقق والانتماء.
فى الشارع الذى يسير فيه متخبطًا يصطدم بالناس، ينتبه الراوى إلى الزحام والضجة والموسيقى فى نهاية الطريق: «وأناس يحملون نعشًا غريبًا، وكان الواقفون على الرصيف يبتسمون فى سعادة، وهم ينظرون نحو الزحام وبعضهم يعدو ليلحق به.. استوقفت واحدًا وسألته..
ما الخبر؟
فقال متهلل الوجه: أخذنا الكأس، خمسة أهداف لواحد.. تصور خمسة لواحد..
قال ذلك ثم تركنى وجرى فعدوت لألحق به وأتفرج».
بالنظر إلى حياة الراوى المأزوم المحبط، المحاصر بسلسلة طويلة من الانكسارات والهزائم، يمكن تفسير اندماجه المفاجئ على ضوء أوجاع لا شأن لها بكرة القدم التى لا يعرف عنها شيء، يوجه سيلًا من الضربات العنيفة القاسية ويتلقى مثلها، وكراهية الآخر المجهول تستدعى الاهتمام والتأمل، فهو لا يضرب عدوًا يعرفه من قبل، لكنه يصارع رمزا يكثف ويلخص كل ما يعانيه من ضيق وهوان وتعاسة، مع أمه وأخيه والعمل الروتينى السخيف.

صنع الله إبراهيم
فى رواية «شرف»، التى صدرت طبعتها الأولى فى مارس١٩٩٧، تدور أحداثها عام ١٩٩٥، ويقدم صنع الله إبراهيم رواية عميقة متعددة الأبعاد عبر تجربة الشاب أشرف عبد العزيز سليمان، الشهير بـ«شرف»، عن طبيعة الحياة داخل السجون المصرية، حيث الصورة المصغرة المكثفة للواقع الأكثر اتساعًا خارجها فى السجن، يعاد إنتاج العناصر الشائعة جميعًا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وجنسيا ونفسيا، وينشغل السجناء بما يهيمن على من يعيشون خارج السجن من اهتمامات.
انتصار الأهلى لا يكون صحيحًا، ففى عام ١٩٩٥، حيث تدور أحداث الرواية ويلتقى الفريقان مرتين، وينتهى اللقاءان بالتعادل من ناحية أخرى.. تكشف صياغة صنع الله عن درايته المحدودة باللغة ومصطلحاتها الشائعة، فلا معنى للعبارة المنسوبة إلى شرف: «بدأ فريق الأهلى يسجل انتصاراته».
إيهاب قاسم
فى رواية «ملعون»، يقدم إيهاب قاسم رؤية متفردة غير مسبوقة، من خلال كرة القدم، عن طبيعة المجتمع المصرى، قبل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، يمثل الأجانب الوافدون العابرون والمتمصرون المقيمون، جزءا أصيلا من نسيج الحياة اليومية، حيث التسامح والتعايش السلمى والاندماج بلا توتر أو صدام.. تتجسد هذه السمة بأفضل صورها فى نادي «المختلط»، الزمالك فيما بعد.. الاسم القديم ليس تهمة تطعن فى الوطنية وتستوجب الإدانة كما يروج بعض السطحيين، ذلك أن المجتمع فى جوهره «مختلط»، بلا اضطراب.. يتكئ على معطيات دينية أو عرقية. يبدى الكروى الخبير زكى إعجابا غير محدود باللاعب السكندرى الجديد الذى ينضم إلى صفوف المختلط، ويسهب فى الحديث الحماسى عن موهبة فتحى غانم، وقدراته الكروية الخارقة: «يكاد يطير فرحًا وهو يخبرهم عن هذا اللاعب الجديد الإسكندرانى الفلتة الملقب بالبرنس، والمنتقل من النادى الأوليمبى حديثًا..».
مش معقول، ساحر تمامًا كأن الكرة مربوطة فى جزمته، ابن اللذينه.. بيرقص الملعب كله.. مش معقول بيشوط من نص الملعب، مرعب، مرعب، لن يقف أحد أمامنا لعشر سنوات قادمة».
هل تتحمل كرة القدم مسئولية الهزيمة فى يونيو ١٩٦٧؟ بعد أن تنتهى طقوس العزاء فى الضابط الشهيد محمود فتحى غانم، يقول الأب لابنه علاء وصهره المستشار توفيق الطرابيلي: «سوف أغادر غدًا إلى الكويت، كما تعلمان، رموا الهزيمة على الكورة والست أم كلثوم.. فأوقفوا الدورى، وأخرسوا الأغانى.. مسخرة.. لم يعد لى عمل هنا، حصلت على عقد عمل لتدريب أحد الأندية هناك، قد أعود مرة فى العام، وقد لا أعود..».

أحمد الصاوي
لعل رواية أحمد الصاوي: «إصابة ملاعب»، هى الأكثر أهمية فى تاريخ الأدب المصرى، من حيث العلاقة مع كرة القدم، الرياضة الشعبية واسعة الانتشار، والعمود الفقرى فى البناء الروائى، عبر الاندماج مع المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية والأمنية، وثيقة الصلة بعالم الكرة.
لم يعد الانتماء مقتصرا على الأندية المصرية الأكثر شهرة وجماهيرية: الأهلى والزمالك والإسماعيلى، فالولاء الجديد يتوزع بين ريال مدريد وبرشلونة فى إسبانيا، ومانشستر يونايتد، وتشيلسى فى إنجلترا، وميلان وبايرن ميونيخ فى إيطاليا وألمانيا، وغير ذلك من الأندية الأوروبية ذائعة الصيت. اعتراض ناصر على منظومة أفكار المدرب التى تقود إلى الصدام بينهما، فاللاعب المحترف فى أوروبا يحتك بالتنوع الدينى والعرقى واللغوى، ويتجلى ذلك بوضوح فى القضايا التى يطرحها بصراحة موجعة فى بعض تصريحاته الإعلامية: «لماذا يندر اللاعبون المسيحيون فى كرة القدم المصرية؟ وفى الفريق الوطنى تحديدًا؟ هل فى المسألة أى بعد طائفي؟
هل المسيحيون المصريون لا يلعبون كرة القدم؟
هل الملاعب المصرية التى ترحب بالمدربين المسيحيين الأجانب واللاعبين المسيحيين الأجانب تضيق بالمسيحيين المصريين؟
أهلاوى مغفل.. جعل يناقشني.