الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المصالحة.. المصارحة.. حرف يختزل كل المعنى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حرف واحد بين المصالحة والمصارحة.. لكنه يختزل المعنى الضامن لعدم تقويض أركان الأولى وتجريدها من كل مصداقية. على الصعيد العربى كلمة المصالحة أصبحت فى كثير من الأحيان بمثابة الساتر الذى إما يُخفى كل أوجه الشر أو العلاج المؤقت الذى تلجأ إليه بعض الحكومات لامتصاص وتهدئة غضب الشارع.
فى العراق إقرار البرلمان الموافقة على قانون دمج فصائل الحشد الشعبى ضمن قوات الجيش العراقى أثار اهتمام العديد من القنوات الرسمية والخاصة فى مصر لمتابعة تداعياته.. كما أعاد إلى صدارة المشهد الدعوة إلى قيام عملية سياسية على أسس تتدارك الأخطاء الكارثية التى ارتكبتها الحكومة السابقة وأشعلت فى العراق جحيم الاحتقان الطائفى الأمر الذى دفع قوى برلمانية مثل الكتلة العربية السنية وتحالف القوى العراقية إلى إبداء اعتراضها معتبرة أن تمرير هذا القانون يدفع البلاد نحو التقسيم ويدق آخر مسمار فى نعش بناء عملية سياسية قائمة على المصالحة والمشاركة بين أطياف الشعب العراقى.
فى المقابل بادر رئيس الوزراء حيدر العبادى بالتأكيد على أن القانون «سيميز بين الملتزمين بقانون الدولة والخارجين عنه».
الهوة بين المطالب السياسية للشارع العراقى التى يرفعها فى مظاهرات أسبوعية ومحاولات العبادى الإصلاحية من المنتظر تصاعد مظاهرها فور انتهاء المعارك العسكرية لتحرير قضاء نينوى ومدينة الموصل من داعش. الشارع يصر على بناء عملية سياسية قائمة على الإصلاح والمشاركة الفعلية بين أطياف وأعراق الشعب بعيدا عن ذريعة الغالبية الطائفية التى تبنتها أمريكا والحكومة السابقة ما أفقد العراق استقلالية قراره كدولة عربية وأوقعه بين مخالب أطماع قوى إقليمية وتنظيمات إرهابية. قرار دمج الحشد الشعبى يستدعى التوقف أمام عدة نقاط أساسية يقوم عليها القانون الذى يمثل بشكله الحالى مجرد هيكل أو إطار غير مكتمل العناصر. أولا ما هى الضمانات التى يحملها القانون لطمأنة الشارع حول التزام هذه القوى بعقيدة القوات المسلحة والتجرد من كل النوازع الطائفية، خصوصا أن انفلات بعض العناصر الزاعمة لانتمائها إلى الحشد تجاوزت مخاوف المواطن العادى إلى جهات دولية عديدة، وهو ما يستدعى الهاجس الثانى حول العقوبات التى وعد العبادى باتخاذها ضد مرتكبى هذه التجاوزات الطائفية بعدما التزم بإجراء تحقيقات موسعة دون أن تظهر حتى الآن نتائج هذه الوعود ما يضع الحكومة فى حرج يتعمد إثارته بعض القوى التى تنسب نفسها إلى الحشد عبر إطلاق التصريحات الطائفية فور إقرار البرلمان قانون الدمج -تصريحات قائد عصائب أهل الحق عن توجه قواته بعد انتهاء تحرير الموصل إلى اليمن للقتال فى صفوف الحوثيين- ثالثا لم يُعلن القانون تفاصيل الأطر الأمنية والقانونية التى تحكم عملية الدمج لتحويل الفصيل إلى جزء من الجيش العراقى، وما هى ضمانات التزامه بالعقائد العسكرية التى تمنع المنتسبين فى خدمة الجيش من الممارسات الحزبية أو السياسية خصوصا على ضوء تصريحات طائفية صدرت عن بعض قادة هذه الفصائل التى تدرج نفسها ضمن الحشد الشعبى دون أن تلتفت حتى إلى خطورة تأجيج الصراع بين ولاء شيعة العراق إلى المرجع الأعلى فى النجف على السيستانى وإعلان بعض ممن يزعمون الانتساب إلى الحشد الولاء إلى المرشد الإيرانى على خامنئى.. المؤكد أن هذا القانون إذا لم يحمل آليات تنفيذ حاسمة تتبنى فعليا المصالحة بين أطياف الشعب العراقى سيضاف إلى جملة التحديات السياسية التى تنتظر الحكومة بعد انتهاء العمليات العسكرية فى الموصل. 
فى سياق مختلف ظهور كلمة المصالحة على فترات فى مصر.. يفرض التنبه إلى كل السموم التى عبأتها جماعة «عصابة البنا» داخل «كبسولة» هذه المصالحة.. الملاحظ أن الجماعة تقوم بتسريب هذه الكلمة فور تنفيذها لكل جريمة سواء اقتصادية أو أمنية فى محاولات يائسة لتطويع الشعب والدولة.. تُريق بعملياتها الجبانة دماء الأبرياء ثم تدس كلمة مصالحة فى بيانات صادرة عن قادتها.. تحشد ذيولها الاقتصادية لتغذية أزمات تخنق المواطن البسيط وتتلاعب بمشاعر غضب الشارع ضدها عن طريق تسريب نفس الكلمة عبر كتائبها الإلكترونية. «عصابة البنا» تستهين دائما بذكاء الشعب اعتمادا على أنه لن يفطن إلى أسلوب «البلطجة» فى فرض الأمر الواقع على المصريين عن طريق ممارسة مختلف الضغوط لإرضاخهم وإجبارهم على قبولها مجددا. نموذج أخير يُضاف إلى خيبات الجماعة التى نجح غباؤها فى حشد الرأى العام برمته -حتى من يصنفون مواقفهم ضمن تيار المعارضة- حول الجيش المصرى بعد محاولة هزيلة للمس بمكانته من خلال فيلم لا يرتقى فى سماجته وافتراءاته إلى تصنيف «الكوميدي». 
المصالحة فى حد ذاتها مجرد شعار ما لم تقم على واقع سياسى صلب يمنحها المصداقية سواء فى العراق أو ليبيا. أما فى مصر فكل ألاعيب الدهاء لن تنفع «عصابة البنا» فى المتاجرة بالمصالحة بينما هم يدسون بيد خناجرهم فى ظهر الشعب.. ويحاولون باليد الأخرى مصافحته.