الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"البوابة نيوز" تبحث عن دوافع الكتابة لدى 9 أدباء

أدباء ودافع الكتابة
أدباء ودافع الكتابة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أعد الملف: سامح قاسم

ربما كانت الكتابة لعبًا في عصور أخرى، أيام التوازن والانسجام، لكنها اليوم مهمة جسيمة لم يعد الغرض منها تسلية العقول بالقصص الخرافية أو مساعدة هذه العقول على النسيان، بل الغرض منها تحقيق حالة من التوحّد بين جميع القوى الوضاءة التي لا تزال قادرة على الحياة حتى أيامنا الانتقالية هذه، والغرض أيضًا، تحريض الإنسان على بذل قصارى جهوده لتجاوز الوحش الكامن في أعماقه
.
نعم يا "نيكوس"، لم تعد الكتابة ترفًا في هذا الزمن، بل وسيلة للعيش بعقل لا تراوده الأفكار الحمقاء، ومحاولة ضرورية للنجاة من الوحدة وعقاقير الاكتئاب. 
مارست الكتابة يا "نيكوس" لكي تخلص روحك من الوحش الذي يسكنها، وبنبل يليق بك تركت لنا "زوربا"، ليعلمنا الغناء والرقص رغم الفقر والمرض والوحدة، تركته يرقص رقصته الشهيرة لتنتفض أرواحنا ضد الوحش الكامن داخلها، وتنتفض عقولنا ضد كل قوى التخلف التي تتربص بنا خلف كل رقصة، أو مشهد من فيلم، أو صفحة من كتاب.
أكتب لأن تلك رغبتي، أكتب لأنني لا أقدر على القيام بشيء آخر غير الكتابة، أكتب كي أناقش بعض الآراء التي وردت في كتبي، أكتب لأنني غاضب منكم جميعًا، من العالم كله، أكتب لأنه يروق لي أن أنزوي في غرفتي اليوم كله، أكتب لأنني لا أستطيع تحمل الحقيقة إلا وأنا أغيّرها، أكتب حتى يعرف العالم أجمع أي حياة عشنا، وأي حياة نعيش، أكتب لأنني أحب رائحة الورق والحبر.
عندما تكون غاضبًا من العالم لا تمسك ببندقية، ولكن أكتب واستمر بالكتابة، ربما يستحيل ما كان مصدر غضبك إلى مصدر بهجتك، وإن لم يكن فيكفيك أنك لم تسمح لطاقاتك السلبية أن تلتهم إنسانيتك، وتستحيل تحت وطأتها إلى وحش يفتك بنفسه في نهاية الأمر، سيد "باموق" معك كل الحق، لا بد من أن نمارس الكتابة لنقف على كل الحقائق المؤسفة، أن نكتب عن واقعنا التعس، ربما نعثر على طريقة ما لتغييره، وإن لم نستطع فيكفينا الهوس برائحة الورق والحبر فبهما، ودون غيرهما انصلح الكون.
الكتابة هي انفتاح جرح ما، أن تكتب يعني أن تهجر معسكر القتلة، يجب أن يكون الكتاب فأسًا للبحر المتجمد فينا، معسكر القتلة تتسع رقعته يومًا بعد يوم حتى ضاقت بنا الحياة يا سيد كافكا.. المعسكر ما زال يستقبل عميانا جددًا، لكن هذا لا يعني أن نتجاهل نصيحتك بل على العكس تمامًا، علينا أن نكتب كي تنهار كل جبال الثلج التي تحاوطنا.. كي ننأى بأنفسنا من معسكر القتلة. 
إن كل فردٍ يعاني فكرة الزوال، ويخال نفسه غير مسموع ولا ملاحظ، في عالمٍ لا مبالٍ، ومن جرّاء ذلك يريد– ما دام الوقت سانحًا– أن يتحول هو نفسه إلى عالم من الكلمات خاصٍ به.
اكتب لا ليلاحظك العالم، اكتب لتتحول أنت إلى عالم أنت كل من فيه، وكل ما فيه يخصك، كل ما فيه هو لك وحدك، حينها سيلاحظك العالم، اكتب وضع ما قاله السيد كونديرا صوب عينيك.
كنت- وما زلت- أعتبر مهنة الكتابة من أنبل وأنفع المهن، وإنني لمقتنع تمامًا من نفعي في هذا المجال، فلربما استطعت أن ألفت الانتباه مجددًا والحصول على اسم جديد لامع يضمن وجودي، كما اعتبرها دوستوفيسكي اعتبرها أنت أيضا فهي حقا من أنبل المهن.

هكذا رأى كتاب أوربا العظام الكتابة.. رأوها إنقاذًا لذواتهم من التيه في عالم لا يشبههم ولا يشبهونه ومنهم من رآها وسيلته الناجعة ليحل الجمال محل القبح الضارب هنا وهناك.. هكذا أجابوا ربما دون أن يطرح عليهم السؤال: لماذا الكتابة؟ وهو السؤال نفسه الذي نطرحه هنا على بعض من كتابنا وهم أحمد الخميسي، صفاء النجار، حسين عبدالرحيم، أمل جمال، محمد رفيع، ضحى عاصي، ميسرة صلاح الدين، أماني سعيد محفوظ، وأمينة عبدالله.
أحمد الخميسي: الكتابة تنبع من الحاجة إلى شخص ينصت إليك

في الواقع فإن السؤال "لماذا الكتابة؟" ينطوي على سؤالين معا، الأول: لماذا يكتب الكاتب؟ وماهي دوافعه إلي ذلك؟. الثاني: لماذا الكتابة بحد ذاتها؟ أي هل أن للكتابة دورا خارج عملية التعبير عن الكاتب؟ بالنسبة لدوافع الكاتب التي تسوقه للكتابة هي كثيرة ومتشابكة وتتغير. البعض يبدأ أحيانا برغبته أن يكون مشهورا، البعض يبدأ بالرغبة في التعبير عن جرح ما، عن حالة من الشعور بالوحدة والغربة، البعض يبدأ بالرغبة في إثارة دهشة المحيطين به، دوافع الكاتب الشخصية كثيرة ومعقدة وتتبدل فيما بعد، لكنها مع توفر وتمثل خبرة أدبية بالقراءة تضع الكتابة وسيلة قريبة للتعبير عن النفس من بين الخبرات المتوفرة لدي الشخص. وفي معظم الحالات تكون دوافع الكتابة أقرب الي الاحتياج الشديد إلي التعبير عن النفس، احتياج يكاد أن يكون فطريا، غريزيا، كحاجة الكروان لإطلاق صوته في الفضاء: ثمة أغنية تضغط على المرء لتخرج إلى الناس، ثمة حاجة للتواصل مع الآخرين، لهذا تقول الكاتبة الأمريكية المعروفة جويس كارول أوتس "الأدب كله، والفن كله، ينبعان من أمل التواصل مع الآخرين". 
دوافع الكاتب كثيرة وبغض النظر عنها فإننا في نهاية الأمر نتلقى عملا مكتوبا بين أيدينا يحدث تأثيره المستقل عن تصورات الكاتب نفسه، فبعد أن ينتهي الكاتب من عمله ويصبح العمل مشاعا يبرز السؤال هو: هل للكتابة دور؟ لماذا الكتابة؟ وهو سؤال رافق الأدب على امتداد تاريخه وانقسمت الإجابة عنه على امتداد ذلك التاريخ بين القائلين بأنه ليس للكتابة والفن من دور سوى" الفن ذاته"، وهي الفكرة التي كررها بودلير كثيرا حتى قامت ثورة 1848 فقام بإصدار مجلة ثورية واستنكر فكرته السابقة معلنا أن: "الفن للفن نظرية صبيانية"، ثم أعاد تكرارها أوسكار وايلد الذي نادى بأن الفن "إبداع للجمال في ذاته"، يحدد ماركيز دور الكتابة حين يقول إنه يكتب لكي "يُسعد أصدقاءه"، وهي إجابة جميلة لكن لا يمكن أخذها على محمل الجد، جورج أمادو الواقعى قال: «أكتب لأكون مقروءًا، ولأؤثر فى الناس، هكذا أسهم فى تغيير واقع بلادي، عبر خلق رؤية لحياة أفضل، لدى الشعب الذى يعاني"، هكذا يرى أمادو أن دور الكتابة هو الإسهام في تغيير الحياة، أما إيزابيل الليندي فإنها تجد أن دور الكتابة هو تنظيم الفوضى السائدة في العالم فتقول: "الكتابة دائما ما تعطي شكلا من النظام لفوضى الحياة"، وباختصار فإنه رد على السؤال: لماذا الكتابة؟ وجد البعض دورا اجتماعيا، أو فلسفيا، ووجد البعض أنه ما من دور سوى ابداع الجمال. وابداع الجمال أمر ضمني محتم في كل عمل فني، ويبقى بعد ذلك أثر ذلك العمل ورسالته، قد لا تكون الرسالة رسالة أيديولوجية، أو سياسية من أي نوع، لكن الكتابة تنطوي بالحتم على رسالة، لأن منبعها الرغبة في التواصل مع الآخرين، الرغبة في نشر كلمة أو فكرة، الرغبة في أن تجد من ينصت إليك. لهذا يحرص الكاتب على تدقيق كلماته، لأنه يعلم أن هناك طرفا آخر سينصت إليه، ويحرص على ضبط إيقاع العمل الفني، لأنه يعلم أن هناك من سيسمعه. بذلك تظل الكتابة رسالة من نوع ما، تلح على الكاتب فلا يستطيع كتمانها ويبعث بها إلي الآخرين، في اعتقادي أنه ما إن يمسك الكاتب القلم حتى يجيب على السؤال: لماذا الكتابة؟ لأنها رسالة تواصل تحتاجه البشرية. وقد ظهرت فكرة رسالة الأدب بقوة مبكرا عند أرسطو ونظرية الشعر، ثم عند " هوراتيوس" الذي قال إن وظيفة الأدب هي "المتعة والفائدة". 

صفاء النجار: أكتب لأنه ليس لي سوى حياة واحدة.

أكتب لأنه ليس لي مهارة "فان جوخ "، ولا جرأة "ماتيس" كي أرسم وجه حبيبي، وأتتبع خطوطًا رهيفة رسمتها الأيام مساء، وفي الصباح أكتشف كم تعمقت وما كان عارضًا صار بصمة، فأظل ساهرة أجمع سجايا وأسرار حبيبي وأنثرها على كل الرجال الطيبين في حكاياتي، ويصبح عمق عينيه غابة يتسلق فروعها كل المريدين، فيتوه الكل، ووحدي أخرج سالمة مطبقة بكفي على بعض من رموشه، أنثرها في طريقي كي أستدل دوما عليه.
أكتب لأنه ليس لدي سوى ابنة واحدة، لا أستطيع في الحقيقة أن أعتني بسواها، وأمارس معها طقوسا أمومية بدربة ساحرة واقتدار عرافة، لكني لا أملك حساسية "مونييه" أو دقة "ديجا" كي أخلد ابنتي وهي تتدرب على خطواتها الأولى في الباليه. فأجلس مع الأمهات في الصفوف الخلفية أتتبع حركات قدمين صغيرتين على نبض قلبي، وعندما ينتهي الحفل ويسرع أبيها إلى خشبة المسرح كي يهديها كعاشق مراهق زهورا بنفسجية أوصيته بها، لا تتزحزح فتاتي من مكانها وتكتفي بهزات من رأسها "no، no، après la fete" فتجسد لي صلابة ورسوخ "مختار" في وقفة فلاحته، وأهتف في رضا "ده أكتر من اللي بتمناه" واكتفي وأنا في الأصل امرأة قبيلة، أن أنثر بعضا من رحمي في كل كتاباتي.

لماذا أكتب؟
أكتب لأني أملك رفاهية أن أجلس وأتامل العالم من شرفة تطل على حديقة واسعة، فيما بيني وبين الشارع.. مسافات، ومسافات، ولدي من الوقت ما يسمح لي بعد زهرات شجرة البنسيان الحمراء، وفي يدي فنجان نسكافيه أستدفئ به، وإذا برد تسعفني سيدة تسعى خلف رزق أطفالها بفنجان آخر.. وفي هذه السرمدية أستحي أن أحزن، أن أشكو، أن أتألم، أن أتوجع، وبالكتابة أجرب كل الأوجاع والآلام، كل العثرات والخيبات الصغيرة والثقيلة.. ويتاح لي أن أكون كل ما أريد.. قاطعة طريق.. راهبة، غجرية، ممرضة.. وأستطيع أن أتمادى في غوايتي وأصبح "عامل النظافة" الذي يجمع "الشاليموهات "المتناثرة على كوبري الجامعة، أنظفها وأغسلها وأعيد تكييسها وبيعها لأصحاب عربات حمص الشام المتراصين بامتداد كوبري الجامعة وكوبري عباس فأكسب جنيهين أو خمسة، أمنحهما لصغيري وهو في طريقه كي يشتري "كيس مولتو" ولعل السيدة التي ترتدي بنطلونا رماديا وبلوفرا زهريا وتعبر الكوبري ذهابا وإيابًا أن تنتبه لي، ويكون لديها متسع من الوقت وبدلا من أن تعطيني ورقة نقدية، أن تمنحني في قصتها القادمة ابنة تساعدني كي أمحو أميتي وتفتح لي من آفاق الحياة ما كان مستغلقا، فلا تتحسن حياتي إلا قليلا، ولكن عميقا بمقدار ما يستغرقه وصول المرء من حرف الألف إلى الياء.

لماذا أكتب؟
أكتب لأني في الواقع لا أستطيع خدش حياء أحد، لكني بالكتابة أستطيع أن أزعج كل الأغبياء والمنافقين والفاسدين، دون أن أفقد سحر ابتسامتي التي تكسو وجهي في صفحتي على فيس بوك، فيتسبب ما أكتبه لهم ببعض الصدمة، بعض القلق.. فيراسلني أحدهم على الخاص مستفسرا.

صفاء.. إنتِ اللي كتبتِ الكلام ده؟
فتظهر له ابتسامتي المربكة وهي تجيب بحياد قاتل "نعم" 
واستمر أنا في مطاردة سحبي المتناثرة على صفحة سماء واسعة تظلل حديقة تطل عليها شرفتي.
حسين عبدالرحيم: الكتابة تخلق حياة موازية أو قل مختلفة.. نقيضة لحياتي العادية

كانت السينما والمسرح، كمحترف، تمثل بداياتي، ومن أجل اتساع الخارطة في الرؤيا كانت الكتابة، طرق ومسارات بها القد الأكبر من التركيز والدقة بعد التخليق، للكتابة متعتها التي تساوي آلامها، هي دائما حياة بديلة تخطط لها لترتقي إنسانيا، قبل المعرفي والثقافي، فهي الصلاة والنسك وهي أيضا مسالك للفجور بأهداف ما عليا تبغي الهدم من أجل البناء بأشكال اكثر رسوخا، أنت تكتب، إذن انت قادر على التنفس بعيدًا عن عوادم وسموم السياسات التي تقتل الإنسان، ببطء، أو بعنفوان، كيف تكتب باختزال ما تراه يخدم على ما تريد من واقع أو وقائع تنسجم معها، تعينك في كل مرة في البعد عن هذا الواقع الرث الممسوخ المتكرر بالزيادة وتراكم السأم في العيش والشوارع وحتى المدن، وهذي البلاد الطاردة للأحلام، الضد، الكتابة ليست مسارات للبوح وكفى، ولكنها عوالم أكثر رحمه، بعيدا عن الأرض أن تحت سماء عادلة ورحيمة..كيف تدافع عن المرض والفقر الكلي بالفن والجمال ونور المعرفة دون أن تخلق عالمك البديل من رحم وهم المعاش القادر على نسف الحس والحواس، أنا أكتب، إذن أنا ضد، الرتابة والتقزيم والعصف بالروح وخلخلة الجسد، ليس معنى هذا أن الكتابة لا تبث سموم الفقد وقت ترحالاتك في تلك العوالم المختلقة، ولكنها السموم الظاهرة التي لم تتمكن بعد من كبح جماح شهوة التراكم عن الرؤي التي تستنطق البلادة وتأبى الركون للبيروقراطية المعتادة في كل شيء. وسحق الفرد، البني آدم ودروبه وحتى مسلكه في بلادنا، بشكل شخصي، وقلتها مرارًا.. الكتابة بالنسبة لي بديلا للنفي، والعجز والإنتحار، نعم لأن أدنى الحقوق بالنسبة للإنسان، هي أن يرتقي، فقل لي ما هي تلك الأوعية أو السلوكيات أو حتى طرق العيش في أوطاننا العربية التي تعين الفرد على ذلك، وإن حدث وتوافرت تلك البدائيات فأنت إنسان قاصر محسوب على الجماعة البليدة،اعرضت عن الاختيار، فشلت أن تفك أسلاك القيد الحتمي والأبدي والمهدي اللحدي، الذي يأسرك قيد أغلال الجهل والخفة والهشاشة، الذي فرض على الفرد في ارض الله.أن تكتب، إذًا انت تفكر،تنفض تراب الأرض وتمهد تربة صالحة لتراكم جمالي فارق، أقله. التحدث بلغات اسمى مع البشر، كلهم في كل بقاع العالم وخرائطه، خطابا يخصك مع خالقك.حبيبتك وطنك،قناعاتك.ذاتك، أفكارك، حتى وإن صرعتك أو لفظتك. فهل ستستسلم لضياع عمرك في حصاد عبثي نتاج تخاذلات جمة، عن نفسي، كانت الكتابة في كل مرة، أو السرد، يبعدني عن المألوف والعادي والمتكرر النمطي المسالم، خسرت كثيرًا، تقريبا كل شيء. مالا ومناصب وترقي وظيفي. وبت على مشارف الخمسين، ولم يبق لي ثمة شيء اخاف عليه، لا أملك إلا رأسي وفكري وحيوات يملؤها الخصب، حتى احلامي باتت تعينني على كتابة ماعشت بالشكل الجمالي والفني الذي يروق لذائقتي أولًا حتى وإن كانت نتاجاته تمرضني وتزيدني اغترابا.ولكنه الإغتراب الإختياري والذي تامل منه التصالح مع الأفكار الإنسانية الخلاقة البناءة التي تنتصر للحرية والعدل والحق.. أما عن تحقيق المهمة، للكاتب والكتابة، فلابد للمبدع أن لا ينتظر المكافأة عن معاناته مع كل مخاض جديد لفكرة أو لنهج ما أو كتابة، وتحديد في مصر، فلم تعد هناك محميات للكاتب، انحسرت فكرة الأحزاب وماتت، وحتى الشللية باتت في طريقها للزوال بعد ان سقطت غالبية الأقنعة والقناعات الجوفاء، لن تعين المراوغ ولا الكذاب الهش على حصد غنائم ما لعبثه وهشاشته. الهم كل الهم والأهم، بل والباقي هو التوحد مع ذاتك المبدعه حتى وإن سجنت كاجسد وملامح. لتبقى فكرة الخلود تراودك عن نفسك، كل لحظة ومع كل نفس في الروح تلهبك بقول فارق ومجرد وكله حيرة، ( أبحر أو ازحف أو مت.. ف أنت في صحراء الحقيقة الخالية، أو انهض لقد بعثت لتحلم، قبل أن تحيا.


أمل جمال: أكتب لأن هناك ما يقلق عقلي

لماذا الكتابة؟ سؤال هو الحيرة عينها، لكني أستطيع القول إنني أكتب لأن هناك ما يقلق عقلي. أكتب لأن ثمة أمور أراها تفرض سطوتها على كياني وتجتاحني، فأعبر عنها، لدى دائما رسائل يلتقطها الوعي المتحفز قبل أن يستشعرها الآخرون ويعمل اللا وعي على بلورتها فتؤلم وتؤرق وتجهد وتثقل الروح ولا تهدأ إلا حين تخرج القصيدة. أكتب هكذا كما تسير الحياة،التي أمضي فيها كتفا بكتف مع القارىء الذي هو أخي أو حبيبي أو جارتي أو شابة صغيرة تمسك بكتابي. لا أبراج عاجية أسكنها ولا حكمة أمتلكها ككاهنة القبيلة. فأنا وجيلي كله لم نعش أحلام الرومانسيين ولا واقعية الستينيين ولا رمزية السبعينين، اشتبكنا فورا مع قلق جيل الثمانينيات وانفجرنا كتسعينيين ومعنا قصيدة النثر، انهار الاتحاد السوفيتي فاختلت القوى توحشت الرأسمالية وزاد الفقر وزاد الغنى وتفجر الخليج بالحرب وأطل التطرف برأس شيطان ولسان تنين ينفث نارا. حتى أحلامنا الصغيرة انكفأت وتعرت أرواحنا. كيف لي أن أصمت حيال ذلك وأهدهد الكون بتهويدة حريرية على جناح فراشة؟! كان لا بد وأنا لا أستطيع أن أفعل شيئا لدفع الألم سوى أن أغني، كل منا يغني أغنيته الخاصة.يكتب وهو ينظر إلى ذاته ويتأمل التشظي العام. هكذاأصبحنا وحيدين نكتب ذواتنا وفقط، أؤمن تماما بنظرية "إميل دور كايم" التي تقول"إن الأدب ظاهرة اجتماعية، وإنه إنتاج نسبى يخضع لظروف الزمان والمكان، وهو عمل له أصول خاصة به وله مدارسه ولا يبنى على مخاطر العبقرية الفردية، وهو اجتماعى أيضا من ناحية انه يتطلب جمهورا يعجب به ويقدره.و لكن أين الجمهور؟ هكذا أصبحنا بين شقى رحى، جمهور مغترب عنا وشعر لا مناص الا الجنون إن لم نكتبه والأسوا هو غياب النقد الأدبي، كيف نستطيع التواصل مع الجمهور لتصله الرسالة والنقد خلف الشعر بمراحل؟ كيف لا نصاب بالإحباط من آن لآخر؟ كيف لا نصاب بالاكتئاب؟ أو الغضب المكتوم الذي نخبئه في جيوبنا ونحن نسير في شارع الحياة. إنني بشكل شخصي ومنذ فترة طويلة اتخذت قراري بالكتابة دونما رهان سوى على الأيام ومصداقية ما أكتبه ومشاركة الآخر الذي يعيش معي في الكوكب لا أقول في قريتي ومدينتي ووطني فقط ولا أقول في حالة الحب أو الحرب أو الطلاق أو الخيانة فكلنا ذات واحدة مصهورة في بوتقة العولمة، والحق أقول إننا جميعنا نتألم. ولذا أصاحب السخرية والعبث دائما. يلعبان معي لعبة الغواية وألعب معهما لعبة الدفع بعيدا فتنبت وردات على الساحة فيما بيننا هي الكتابة.


محمد رفيع: الكتابة فعل قسري حميد ودوافعه ذاتية

الإبداع عند الفنان او الأديب في رأيي ليس اختيارا فهو قد يختار ماذا يكتب أو أي المدارس يتبع او اى التجارب يجرب لكنه لا يختار فعل الكتابة من عدمه فهو فعل قسري حميد دوافعه ذاتية، وهذا يمثل بالنسبة لي بالضبط كالمرأة الحامل التي قد تختار اسم مولودها أو ألوان ملابسه وغرفته وسريره لكن هي لا تستطيع أن تختار ألا تلد مطلقا، وأن تحتفظ بالجنين في أحشائها مدى الحياة، في بداياتي كنت أتساءل السؤال الأبدي والتقليدي عن هل أنا موهوب من الأساس؟ أم لا؟ وهل هذا المعترك الذي أنا بصدده هو لي؟ وما هذه التراكيب اللغوية والرؤى والقصص التي تصعد إلى رأسي؟ وما هذه الحالة من التوتر المحموم التي تصيبني فكان أن قرأت في علم نفس الإبداع وأيقنت أن العملية الإبداعية هي شيء يعتمل بالأعماق وأنها خاصة بكمياء المخ وأن خللا ما في الشعور والوجدان يولد تلك الطفرة التعبيرية، وأنه بحث دائم عن الاكتمال والتحقق، إذن فالامر لا فكاك منه ولا يمكن كبحه أو إدارة الرأس عنه، ومنذ هذا التوقيت وأنا لا أضيع وقتا في مثل هذه التساؤلات والشكوك وأصبح عندي يقين داخلي أن هناك شيئا لا بد أن أتمه، أيقنت من حينها أني يجب أن أطوع حياتي كلها ما استطعت لإنجاز المشروع الإبداعي والتعبير عن خوالج صدري ورؤيتي عن العالم وأصبح الإبداع أكثر طوعا حين اعترفت بوجوده وحين لم أعترض طريقه أو أسمح لأحد بذلك، بدأ من حولي يدركون ذلك بعد فترات من الإنكار التي لم تسفر عن شيء وبقي يقيني بذاتي هو الثابت وعليهم أن يدوروا في فلكه أو يبتعدوا للأبد، الأمر يشبه المحار فليس كل المحار قادرًا على تكوين اللؤلؤ داخله فآلاف المحارات تعشن حياة عادية إنما المحارات التي يحدث لديهم خللا ما يؤدي الى اقتحام ذرة تراب ضارة داخل المحارة يدفعها حب البقاء لتصحيح الخلل فتغطي تلك الشائبة بالمادة اللؤلؤية فتكون أكثر اكتمالا من زميلاتها التي لم تقتحمها ذرات التراب، الرحلة من النقص للاكتمال عبورا فوق رؤوس العوام هكذا أرى الأمر ولا أرى الإبداع فقط هكذا بل الارى من غيروا الحياة من مفكرين ومبدعين وقادة من دفعوا البشرية الى الأمام كلهم كقصة المحارة هذه وانا أطمح أن أغزل لؤلؤتي بدأب وكد، وأن أروي حكاياتي وأقص رؤياي وأكمل نقصي.
وإلى أي مدى يستطيع المبدع تحقيق المهمة والوصول إلى الهدف؟ 
ليس هناك ضامن لأي شئ في الحقيقة فالعوامل كثيرة منها الموهبة وأصالتها والقدرة على الاقناع والاحتكاك وظروف النشر والدوائر التي يتحرك فيها المبدع لكني أوصي ان يكرس المبدع وقته وطاقته في الاشتغال على مشروعه وعدم استعجال النتائج والتجويد المستمر والحفاظ على الاستقلالية لان التبعية وان أتت ببعض النتائج السريعة يمكن ان تدمر كل شئ باختلاف الظروف لكن الاستقلالية تمنح الكاتب قدرا من الحرية ومن الاحترام احترام الذات أولا والنجاح في النهاية هي معادلة صعبة ومركبة ولا نعرف من أين تأتي لا في مهنة الكتابة ولا في أي مهنة أو موهبة، وقد يأتي النجاح متأخرا أو لا يأتي أو يأتي بعد موت الانسان فكم من علماء ومبدعين ادركنا قيمتهم بعد رحيلهم، هذا لا يجب ان يشغل الكاتب عن مشروعه وعليه أن يحدد أهدافه فهل هو يكتب للشهرة للمال للتحقق لتأدية رسالة للاستمتاع للبحث عن ذاته ومكنون روحه للبحث عن الله إذا كان محددا في أهدافه واضحا سيسير في طريقها أدركها أو لم يدركها اللذة في الرحلة وليس في الوصول.

ضحى عاصي: لا أعتقد أن هناك من يعرف لماذا يكتب

لماذا نكتب؟ إنه السؤال الأصعب ما الذي يدفع الكاتب الي الكتابة؟
أرى إنها رغبة محمومة تدفعك دفعًا، من أين أتت هذه الرغبة؟ وكيف تولدت؟ وما الهدف منها؟ أسئلة إجابتها متفاوتة يعتقد البعض أنه يعرف لماذا يكتب، أما أنا فلا أعتقد أن هناك من يعرف لماذا يكتب، أنا لا أعرف لماذا أكتب ولماذا انفصل عن العالم والحياة واختار هذا الفعل الشاق فعل الكتابة، حاولت كثيرا أن أجد أسبابا وجيهة تليق بهذا الاختيار الصعب.
هل هي محاوله للتعبير عن الذات؟ هل هي تصورات عن قدرتنا على إدراك العالم ومحاوله نقل هذا الفهم؟ هل هي رغبه للتحقق وتكوين المجد الشخصي؟ هل هي محاولة لاكتشاف العالم من خلال الكتابه؟ هل هي اللذه في متعه التكوين؟ هل هي محاوله للتواصل مع عوالم أخرى وأشخاص وأزمنة أخرى؟ أنهكت في إيجاد إجابة ولكني لم أجد غير أنني مدفوغه للكتابة، ولذا قررت أن أتعامل مع قرار الكتابة بشكل أكثر بساطة ودون البحث عن الأسباب مستندة على وجه نظر مستمدة من الموروث الشعبي "الرجل تدب مطرح ما تحب" الروح أيضا تدب مطرح ماتحب، إنني أكتب طالما أنني أحب الكتابة، ولذا افرح باكتمال أي عمل إبداعي بدأته فدائما تساورني شكوك حول نفسي انني ربما في أي لحظه ازهد هذا الفعل واتركه ولا أعلم يقينا مصير ما اكتب وأبذل من جهد هل سيقدر له الاكتمال؟ أم لا؟ وعندما أنتهي من أي عمل إبداعي اعتبره هو نهايه منجزي الإبداعي حتى تظهر دفقة روحية تدفعني للكتابه مره أخرى 
ورغم هذه البساطة في قرار الكتابة ولكن ما إن بدأت فعل الكتابه حتى أشعر بمسئولية شديدة وجديه اكثر تجاه ما أكتب، أحيانا أشعر انني أبذل جهدا اكبر مما ينبغي رغم علمي بأن بذل الجهد لا يعني دائما معيار القيمة والموهبة ولكن اعتبر هذا الجهد هو احترامي لذاتي وصدقي فحتى أن اتت النتيجة غير مرضية ولكني على الأقل كنت مخلصة في ما أفعل، باختصار الكتابة هي حالة عشق يعيشها العاشق بكل صدقها وآلامها وعذابتها وهج لا ينطفئ إلا بزوال المحبة.

ميسرة صلاح الدين: أكتب لأبقى على قيد الحياة

"لماذا الكتابة؟" بقدر ما يبدو هذا السؤال بسيطًا ومكررًا إلا أنه السؤال الأخطر والأصعب فى مسيرة الكاتب وعلى الكاتب الحقيقى أن يعيد مواجهة هذا السؤال مرارا وتكرارا ويقف أمامه كمن يقف أمام امتحان ملتبس، ولا يقنع أبدا بأى إجابة توصل إليها، وأى مشاعر اطمأن لصدقها. ليكون ذلك السؤال وسيلته الراجحة لصياغة تجربته الإبداعية والإنسانية وصهرها المرة تلو الأخرى حتى تنضج وتتقد وتصبح شديدة الخصوصية شديدة الشبه بذاته، ولا تشبه أحدا سواه، ولا يمكننى أن أنكر أن إجابتى لذلك السؤال تغيرت وتطورت وتشكلت مع مرور الوقت وتشكل التجربة، فما بدأته مع الكتابة كرغبة فى إثبات الذات ووسيلة للتنفيس عن قلق النفس المضطربة وهواجس العقل القلق أصبح مع الوقت شريكا فى رحلة الحياة يحمى من بطشها ويمنع القلب من الاستسلام لأحزانها ثم تطور الامر لتصبح الكتابة هى عالم كامل بديل تعيش وتتنفس وتنبض من خلاله وتصبح الكتابة هى الملجأ من الخوف والجنون والانتحار.
ولكن تلك العلاقة الخاصة بينى وبين النص تطورت مرة اخرى بشكل لم أكن أتوقعه وأصبحت الكتابة فى حد ذاتها هى السبب الرئيسى والدافع الأهم لاستمرارها وأصبح الهدف من الكتابة هو النص ذاته وأصبح الصراع بينى ككاتب وبين النص ورغبتى الدائمة والمحتدمة فى تغذيه النص وتطويره وإعادة كتابيته وتقليم أطرافه وترسيخ جذوره هو السبب الذى يدفعنى للكتابة ويحفزنى على الاستمرار، وبالطبع أصبحت رؤيتى تختلف كثيرا عما كانت عليه من قبل فلقد أدركت أن النص الملهم والقصيدة التى يأتى بها ملوك الجن من وادى عبقر قد انتهى عصرها – على الاقل بالنسبة لى – وأصبحنا فى عصر الفكرة وعصر المشروع الابداعى وعصر العمل الدءوب وبالطبع لا استطيع أن أنكر ما للموهبة والاستعداد من دور مهم فى تلك العملية الشاقة البالغة الحساسية لحفظ التوازن الدقيق فى النص بين الذهنية والمشاعر الانسانية.
ومرة تلو الاخرى اصبح التورط فى تجارب جديدة وخبرات مختلفة والاضطلاع على ثقافات وحضارات وخبرات مغايرة هو جزء لا يتجزأ من التجربة التى لا يمكن ابدا ان تحقق اهدافها او تصل لنهايتها مادام المبدع قد وضع نصب عينيه التحدى القائم بينه وبين النص ومازال ذلك الصراع قائما.
فلا تنتهى مهمة الكاتب طالما كان قادرا على الكتابة وطالما كانت لديه القدرة على البحث والاقتناص والعمل فى مشروع إبداعى جديد وأصبح الكاتب كالصياد الذى يتحتم عله بشكل يومى أن يبحث عن طريدة جديدة حتى يضمن استمراره وبقاءه على قيد الحياة.

أماني سعيد محفوظ: الكتابة سري.. أخبئ بها نفسي وحكاياتي 

لماذا الكتابة؟ أقصر وأصغر صيغة سؤال يمكن أن تُطرح، إلا أن إجابة هذا السؤال البسيط كالبحور لا يمكن إحصاء أمواجها.
ولن أنكر أن هذا السؤال الصغير أسكتني وراوغني حين تلقيته لأجيب عنه، لكن سرعان ما بدأت أفكر في إجابته بعد هذا الصمت الذي أصابني وأدهشني.

جدلية الكتابة.
الكتابة واقع لا يمكننا إنكار لذته ولا متعته التي يستشعرها الكاتب أولًا والقارئ ثانيًا، والكتابة بالنسبة لي هي ما خُلقت لكي أقوم به ولم أقم به لكي أوجد، فهذه هي الطبيعة التي أوجدت عليها؛ هذه هي متنفسي ومتعتي ونشوتي، فالكاتب يبحث لنفسه دائمًا عن متنفس لما بداخله عبر الكتابة، كذلك الكتابة تبحث عن نَفَسٍ تتنفسه لتعيش وتبقى، وأنا مؤمنة بأن الكتابة تولد ولها روحٌ تحيي القارئ وليس القارئ هو من يحيي الكتابة، فرُقي الكتابة هو ما يضمن لها البقاء على قيد الحياة للأبد، والرقي في الكتابة هو ما يضمن لها العطاء في كل مرة تُقرأ فيها،
الكتابة تُعطي ولا تأخذ؛ والشئ الوحيد الذي تأخذه هو وقت القارئ وعقله وذهن الكاتب وعمره،
كتاباتي للمرة الأولى كانت استكشافًا لخيالاتي الطفولية الخصبة، والتي سرعان ما تحولت إلى استكشافات لأحزان ومتاهات المراهقة الصامتة التي كنت أجعلها تتحدث من خلال كتاباتي وأشعاري.
والكتابة بالنسبة لي هي حالة مخاض أمُر بها وبآلامها وعذاباتها وتوتراتها واضطراباتها العنيفة إلى أن يخرج من جوفي هذا المولود النص فأسقط رأسي إلى الوراء لأستمتع بنشوة العناء والألم والضغط الذي مررت به، كتاباتي هي أجنحتي وأجنتي التي تكبر وتنمو بين أيدي القراء، وكلما قُرأت عاشت وتغلغلت في أروقة الأرواح والوجدان مراتٍ ومرات..
الكتابة بالنسبة لي ليست مهمة أصل بها إلى هدف بل هي نَفَسٌ أعيش به وأستمتع به لكي أمتع به وكلما استمتع القارئ بكتاباتي واستعذبها تولدت لدي رغبة في الكتابة أكثر فأكثر فأصبح في زخم كتابة لا ينتهي طوال الوقت.
أحيانًا من كثرة ما بداخلى من تعبيرات وجمل وموضوعات لا أجد ما يسعني للكتابة أو يستوعبها، وفي أحيان أخرى أشعر بأن بحر الكتابة نضب وأتعجب أين ذهب هذا الجني الذي يرقد برأسي يهمس لي ويدغدغ أفكاري ومشاعري كي أكتب؟ هذه هي المتعة، هذه هي اللذة التي لا تنتهي ولا أشبع منها، هذه هي المياه التي كلما ارتوريت منها يتجدد عطشي، الكتابة تشعرني بالجنون والسكون والرصانة والعبث والعشق واللوم والمكر، الكتابة هي السحر الذي ألقيَ عليّ فألقي به على القراء ليعود إلىَّ في نظرة إعجاب بالحرف وبالكلمة والمعنى وبالمضمون، الكتابة حب وخيانة ورجلٌ وامرأة وأطفالٌ وكهول، وإذا ما أمسكت بقلمي لا أشعر بنفسي، لا أرى ما حولي.. لا أسمع.. لا ضجيج ولا سكون.. ولا أعرف أين أكون قبل أن أترك قلمي بعد عملية الكتابة، ولا يمكن لشخص ببيتي أن يتحدث معي وأنا أكتب فالكل يعلم أنه لن يجدني، فأقل ما يقال عني أنني شاردة في حين أنني انتقلت بروحي لمكان لا أعرف كيف أذهب إليه وأنا في وعيي دون سكرة الكتابة، الكتابة سري.. أخبئ بها نفسي وحكاياتي وأحلامي ومشاعري.. وأخفي فيها "هو" وأحيي فيها "هو".. وأهجو فيها "هي".. وأُنصف فيها "هي".
أي سؤال هذا الذي وإن جلسنا لنكتب فيه لن تكفينا مجلدات الكون لتستوعب إجاباتنا عليه،
الكتابة حياة والحياة أمل والأمل روح تحييها الكتابة.

أمينة عبدالله: بدون الكتابة يصدأ الذهن وتسود الروح
قررت مراجعة فكرتى حول مفهوم الكتابة، والكتابة الحقيقية والكتابة المستمرة، وهل الكتابة فعل عام؟ أم فعل شخصى؟ أم بينهما حلقة وصل؟ وعن الكتابة الأجمل الكتابة العفوية التى لا تحتمل أكثر مما انفعلت به لأعبر عن نفسى بالكتابة، وتطوري الشخصى وتطور مفاهيمى عنها إذ تحولت الكتابة إلى نشاط ذهنى يجب القيام به باستمرار وإلا صدأ الذهن واسودت الروح، نعم تسوَّد الروح إذا ما ابتعد الكاتب عن النشاط الذهنى الذى يقوم به، ولو على سبيل كتابة الواجب نعم فالكتابة أيضا لها واجب يومى للتواصل معها وعن تقوية العلاقة بيننا (أنا والكتابة) اهتممت بفكرة البناء والمشروع والتى استهجنتها بشدة أول مرة سمعتها، فكيف تتحول مشاعرى وأنا أكتب إلى مشروع أو على وجه الدقة كيف تتحول وسيلة التعبير عن المشاعر إلى مشروع، وأعترف بخطئى تماما، نعم فالكتابة مشروع حياة إذ كل كتابة نعد لها كما يعد العاشق شقة الزوجية لحين اللحظة الحاسمة واكتمال البيت، عندما وطدت علاقتى بفكرة مشروع الكتابة توطدت علاقتى بمجموعة من الأشياء الأخرى مثل"السينما والمسرح والفن التشكيلى والموسيقى وحلقات الذكر والأمثال الشعبية والموروث الإجتماعى"، وقد كنت فى عزلة عن هذى الأشياء الجميلة.
 والآن بعد تجربة ما مع الكتابة استطيع الجزم بأننى مدينة لكل ما سبق بالفضل فى إنجاز محاولة صغيرة جدا للتعبير عن فكرة ما أتطرق إليها بالكتابة، إذ تبدأ مرحلة الإعداد بوضع الفكرة وتجميع المفاهيم المرتبطة بها وتعريفاتها القاموسية ومشاهدة مجموعة من الأفلام والمسرحيات المرتبطة بنفس الفكرة وتدعيم البصر بالفن التشكيلى وسماع الموسيقى بشكل مستمر، وربط كل ما سبق لموضوع الكتابة وأسمى هذه المرحلة بمرحلة الشحن أو التعبئة ثم مرحلة الهضم، وهى الإجازة لمدة شهر لاستيعاب ما تمت قراءته ومشاهدته وسماعه، ثم مرحلة الكتابة، وهنا تتحول الكتابة إلى خلق خاص وإبداع لا يتشابه فيه من يبذل مجهودا كبيرا للحصول على حقله الدلالى مع من يتساهل ويتشابك ويتماس مع ما هو مطروح فعلا ويحاكيه، ولذلك فالكتابة مهنة مكلفة ماديا للتواصل مع كل أدوات الكتابة، ومعنويا مستهلكة ما ندخره من أرواحنا للوقوف على أقدامنا من قوة نفسية وروحية لمواجهة هذا العالم الذى لا يرى جدوى للكتابة.
أيتها الكتابة.. أحبك.