الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تجديد الخطاب الحكومي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى ظل حالة الاستقطاب السائد فى المجتمع.. تفقد الألوان ملامحها الأصلية الدقيقة.. تُختَصَر كل تنويعاتها بين منطقتى إما الأبيض أو الأسود.. من البديهى ألا يسلم أداء الحكومة من النقد الموضوعى حين يتجاذبه طرفا نقيض، كما أن للحكومة «ربا يحميها» ويدافع عنها.. فى المقابل هناك أقلام لكتاب وبرامج فضائية تتخذ موقف (التحفز) حين تعرض كشف حساب يومى لأوجه التقصير فى الأداء الحكومى.. الأمر المؤكد أنه خلال الأشهر الماضية وجد المواطن نفسه أمام علامة استفهام كبيرة ما زالت الحكومة غير قادرة على حل ألغازها بشفافية.
منذ ثورة ٣٠ يونيو.. تتوالى الوثائق والحقائق عن عزم جماعة (عصابة البنا) -ضمن مخططاتها- إثارة أزمات اقتصادية بهدف خنق المواطن وإثارة حالة عامة من الإحباط والتذمر.. إذن الأمر ليس مفاجأة، خصوصا أن مخطط خلق الأزمات تداوله معظم وسائل الإعلام حتى قبل خلق كل أزمة وتصاعد نتائجها، رغم ذلك يستمر أداء الحكومة أمام كل أزمة فى اتخاذ موقف المباغتة وانتظار المزيد من التراكمات التى لا تحتملها الظروف الحالية فى مصر.. فيما يبدو وكأن مخططات (عصابة البنا) دائما تسبق أداء الحكومة بخطوة.. هم يعلنون عن الأزمة التى مهما بلغت بساطتها، يبقى مردودها مؤثرا على المواطن البسيط.. ثم ينجحون فى إثارتها.. ويبقى المواطن أسيرا لعدم وجود رد منطقى يبرر تأخر الحكومة فى التدخل عند المراحل الأولى قبل أن تستفحل الأزمة وتزداد تعقيدا.
الأرز.. السكر.. الدولار.. وحاليا تتفاقم الخطورة مع أزمة نقص الأدوية أو استفزاز مشاعر أبناء النوبة كل فترة عن طريق قرارات غير مدروسة تتعلق بطرح الأراضى التى هُجّروا منها للبيع.. منطقيا، تتابع كل هذه النماذج من المستحيل إدراجه ضمن عامل الصدفة مهما بلغت دعاوى البعض تحميل الحكومة المسئولية الكاملة عن استفحال هذه الأزمات أو رفض البعض الآخر حقيقة وجود مؤامرة.. كما لا يمكن فصلها عن مخطط إفشال تجربة الشعب المصرى وإصراره على اختيار مصيره السياسى.. لكن هذه الحقيقة لا تمنح الحكومة (صك براءة) من كونها الطرف الذى يكتفى بموقف انتظار (رد الفعل) دائما فى مقابل مواجهات خسيسة لن تتوقف لمعاقبة المواطن البسيط.
التهديدات الأمنية والاقتصادية تفرض قرارات سياسية حاسمة.. مبادرات توازى فى سرعة الإيقاع تحرك مؤسسة الرئاسة فى الاستجابة إلى نبض الشارع.. إحدى الإشكاليات المهمة التى تواجهها الحكومة، أن جسور الثقة بين مختلف شرائح المجتمع المصرى وبين الرئاسة تزداد صلابة ورسوخا.. بينما لا تتخذ هذا المسار مع الأداء الحكومى.. المواطن البسيط يزداد يقينه فى انحياز الرئيس إليه عبر عدة رسائل تحرص الرئاسة على إرسالها إليه.. بل إن شريحة الشباب التى رفعت شعار التمرد والابتعاد عن المشاركة، تجاوبت سريعا حين لمست صدق جهود مؤسسة الرئاسة فى بناء جسور الثقة والعمل المشترك.. هذا الفارق فى السرعة بين الأداء الحاسم لمؤسسة الرئاسة فى مقابل بطء تجاوب الحكومة مع الأزمات يُبعِد الضوء عن ما يمكن أن يدخل ضمن العديد من العناصر الإيجابية التى يجب الإقرار بها.. ولا يخفف من وقع خطط الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى التى تبنتها الرئاسة للخروج من أكبر تحديات تواجه مصر نتيجة عقود من التراخى والسياسات الخاطئة.
كل مؤشرات التحذير لا تخفى على الحكومة.. خصوصا أن مسار خلق الأزمات بدأ يتجه تحو تصعيد أكثر خطورة.. إذا كان المواطن البسيط تجاوز غلاء وغياب سلع أساسية كالأرز أو السكر، فى سابقة عرفتها مصر أثناء حرب أكتوبر ٧٣ حين كان الحصول على ملعقة سكر أو حفنة أرز أشبه بالمعجزة.. وقتها كانت مصر تحارب على جبهة واحدة فقط -الشمالية- بينما الآن تخوض حربا أشرس على ثلاث جبهات -الشمال، الغرب، الجنوب- التصعيد فى خسة (عصابة البنا) يتجه حاليا إلى خلق أزمة نقص سلعة مثل الدواء الذى يسهم فى إنقاذ حياة مواطن.. وهو ما يستدعى إعادة نظر سريعة من الحكومة تختلف عن أسلوب معالجة الأزمات السابقة.
بناء جسور الثقة بين المواطن والحكومة بعد انقطاع استمر عقودا.. تراكم خلالها انفصال الأخيرة عن نبض وهموم الشارع.. يفرض على الحكومة إيقاعا وطبيعة حراك مختلف.. لعل أقرب النماذج التى على الحكومة أخذها فى الاعتبار.. ملتقى شرم الشيخ الذى وضع أول خطوة حقيقية فى بناء التواصل بين الشباب والرئاسة.. مواجهة الحكومة للأزمات بحاجة إلى إيقاع أكثر سرعة ما يمنح المواطن العادى ثقة المبادرة والحسم من طرف حكومته.