الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

زوجة يوسف إدريس لـ"البوابة": إسرائيل وراء فوز محفوظ بـ"نوبل".. منظمو الجائزة زاروا منزلنا وأكدوا أحقية رائد القصة القصيرة بها.. نعيش "زمن الأقزام" في الأدب والفن

الكاتب الراحل «يوسف
الكاتب الراحل «يوسف إدريس» أثناء حوارها مع "البوابة نيوز"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

«وراء كل رجل عظيم امرأة»، عبارة جسدتها الناقدة الفنية والأدبية «رجاء الرفاعي»، زوجة الكاتب الكبير الراحل «يوسف إدريس»، والتى كانت نعم الرفيق ومثالًا قويمًا للزوجة الراقية المستنيرة، واستطاعت بسحرها الأخاذ ورقة مشاعرها وذكائها الكبير أن تصنع «صومعة من الإلهام» أخرجت كل ما فى جعبة زوجها من «إبداع».

درست «السيدة رجاء» الفلسفة واتجهت بعدها لدراسة النقد الفنى والأدبى، لكى تكون عونًا ومشاركة لرفيق دربها، وعلى اطلاع بالحركة الأدبية، ورغم إيمانها التام بمكانة وحرية المرأة وضرورة عملها، إلا أنها فضلت أن تكون بجانب زوجها لرعايته وتوفير سبل الراحة له لكى يبدع ويثرى العالم بكتاباته وروائعه الأدبية، لتصبح بمثابة «الجندى المجهول» فى قصة نجاحة وكفاحه.

«البوابة» التقت زوجة الأديب الراحل لتحكى لنا جزءًا مما عاشته، وهى الشاهد على تفاصيل إبداعه عن قرب، وشهدت انفعالاته مع قصصه ومسرحياته ورواياته، وذلك فى «رحلة عمر» استمرت ٣٤ عامًا منذ زواجهما عام ١٩٥٧ حتى وفاته.


فى البداية، كشفت «السيدة رجاء» عن مدى الفراغ النفسى والعزلة الوجدانية التى أصابتها عقب وفاة زوجها، وعدم إيجادها حتى الآن من يعوض مكانته فى حياتها، وهو الأمر الذى أصابها بموجة اكتئاب شديدة لم يخرجها منها سوى اتجاهها لممارسة هوايتها فى «صناعة الحلي»، مضيفة: «عندما رأت الفنانة الكبيرة سناء البيسى أعمالى فى مجال الحلى، أبهرها ما قدمته، وقالت لى إنه إنتاج محترفين وليس هواة، واقترحت علىّ أن أقيم معرضًا لتلك الأعمال، وهو ما أقمته ونال إعجاب كل رواده، وتم بيع كل معروضاته».

وتابعت: «لم أكن أعرف أنى أملك هواية صناعة الحلى من الفضة والأحجار الكريمة، وخصوصًا الياقوت، والمرجان، والفيروز الطبيعى، والعقيق، قبل أن يرحل يوسف إدريس، وكان رحيله هو ما فجرها بداخلي».

تسترجع ذكرياتهما معًا فتقول: «قبل وفاته كنت أدور فى فلكه أشاركه خبايا يومه وكواليس إبداعاته، وكان هو هوايتى وعملى وشغلى الشاغل.. كنت ملهمته التى يتأمل فيها فينتج عصارة إبداعاته.. وكنت ناقدته التى ترى بعينها الفنية ملاحظات دقيقة تثرى كتاباته». وتضيف: «لا يخرجنى من حالة الحزن عليه سوى رغبتى فى استرجاع ذكرياتى معه، وذلك بالعبث فى أشيائى القديمة، ومن بينها الحلى وكل ما كان يهدينى إياه».

وعن بداية قصة حبهما، تشير إلى أن الأديب الراحل خطف قلبها منذ أن رأته للمرة الأولى، رغم خطبتها لطبيب آنذاك، لافتة إلى أنهما منذ التقيا تلاقت روحاهما معًا، فبات يسأل عنها زوج شقيقها لكى يخطبها، ورغم تأكيده له أنها مخطوبة لشخص آخر، إلا أنه لم يلتفت لذلك، ولم يجعل خطوبتها عائقًا يحول بينه وبينها.


تقول عن تلك الفترة: «إدريس أصر على متابعتى رغم خطبتى، وطلب من زوج أختى أن يبلغنى أنه يريد التحدث معى، وما أن اتصل به أخبرته أنى خلعت دبلة الخطوبة بمجرد رؤيته، وأبلغت والدتى عنه وعن شعورى بأنى سأتزوجه».

وأفصحت أن المرحلة الأولى من زواجهما كانت غاية فى الاختلاف والصعوبة، وكانت ستؤدى إلى طلاقهما، نظرًا لأنهما لم يكونا على سابق معرفة من قبل، مشيرة إلى أنها فكرت فى تأجيل الإنجاب حتى لا يكون هناك أطفال إذا ما قررا الانفصال.

قررت والحديث ما زال لها أن تدخل عالمه، لذا أكملت تعليمها حتى وصلت إلى الجامعة، لكنه كان شديد الغيرة عليها، ورفض ذهابها إلى الجامعة حتى لا تختلط برجال، وبالفعل أكملت دراستها فى المنزل، كما أنها درست النقد الأدبى لكى تصل إلى فكره وعشقه وموهبته الرائعة المتمثلة فى الكتابة، وهو الأمر الذى كان «أقرب طريق للوصول إلى قلب وعقل يوسف إدريس».

وفى هذا السياق، أوضحت أن السبب الحقيقى وراء ارتفاع نسبة الطلاق حاليًا هو اتجاه المرأة للعمل واعتمادها على ذاتها فى توفير الموارد المادية، ما زادها ثقة فى نفسها، وجعلها تعتقد أنه لا يوجد فرق بينها وبين الرجل، وهو الأمر الذى أشعل فكرة «الندية» فى كثير من البيوت العربية. وتضيف: «الزواج فن التنازلات، وهناك فرق بين الرجل والمرأة، ولا أحب كلمة المساواة، فالرجل له كيانه وقوته.. وللمرأة ضعفها وحنانها وشخصيتها العذبة».


تعود إلى زوجها واسترجاع ذكرياتها وتقول: «يوسف إدريس كان أبًا رائعًا وزوجًا مثاليًا، لم يؤثر انشغاله بالكتابة عن ممارسته لدوره المقدس كزوج وأب، لذا كان دائم الجلوس فى البيت، ويفضل الأجواء العائلية والاقتراب من أبنائه والاستماع لمشاكلهم ومحاولة حلها، وذلك لفقده الشعور العائلى نظرًا لتركه أهله وتوجهه إلى القاهرة للدراسة».

وأكدت أنها لم تندم قط على زواجها من يوسف إدريس رغم ما واجهته من عقبات، وقالت: «أنا محظوظة بتلك الزيجة، فقد كنت زوجة لرجل ذى حس إبداعى راق ومؤثر، إضافة إلى أنه كان سببًا فى اكتسابى العديد من الخبرات الحياتية فى سن صغيرة، مضيفة: «لو عاد الزمن بي هاتجوز يوسف إدريس مرة تانية».

ورأت زوجة الأديب الكبير أنه لا توجد مقارنة بين الأدب والفن حاليًا وفى الماضى، مؤكدة أن الفن قديمًا كان متصلًا بكل المجالات، وكان يضفى على الأشياء جمالًا إبداعيًا وقيمًا خلابة، مستدلة بأم كلثوم ونجيب محفوظ، وقالت: «هؤلاء كانوا زمن العمالقة.. أما الآن فإننا نعيش زمن الأقزام»، موضحة أنه حاليًا يوجد ركود فى الفن والموسيقى والمسرح والسينما، وتابعت: «كله أصبح يشبه غيره، ولم يظهر من يستطيع ترك بصمته وإثارة جدل كما كان فى زمن العظماء».

وترى أن زوجها «أفضل من كتب القصص القصيرة، ولا يستطيع أن ينافسه أحد فى هذ المجال»، مشيرة إلى أن ذلك أدى إلى أن يكون معظم إنتاجه مجموعات قصصية، وذلك لامتلاكه قدرة أدبية فائقة خاصة أن القصة القصيرة من أصعب أشكال الكتابة الأدبية، نظرًا لما تحتويه من مخزون فنى عميق تقدم من خلال جرعة صغيرة، أما الرواية فتعطى مساحة كبيرة للكتابة دون جهد.

وعن كواليس كتابته لأعماله، كشفت عن تعرضه لوعكة صحية كبيرة أثناء كتابة مسرحية «الفرافير»، والتى تسبب نصها فى إرهاقه نفسيًا نظرًا لمضمونه الفنى المجهد والضخم وهو ما أثمر بتحقيق نجاح كبير، مشيرة إلى وجود خلافات كبيرة بين زوجها والفنان كرم مطاوع بطل المسرحية.


وأكدت أن قصة «اللعبة» من أقرب الأعمال التى ألفها يوسف إدريس قربًا لقلبها، ومن شدة تعلقها بتلك القصة، سمت أول مولود لهما باسم بطل القصة «سامح»، وذلك لاحتوائها على مضمون فنى راقى ومبسط وجميل، مشيرة إلى أنها كانت ملهمته التى أهدته لكتابة قصة «حادثة شرف».

كانت لزوجها الراحل طقوس عديدة قبل شروعه فى كتابة نص أدبى جديد، كما تقول، ومنها قيامه بإصلاح راديو أو تليفون قديم، فى المنزل، كما كان لا يستطيع أن يكتب إلا فى وجودها وكأنها مصدر إلهامه، مضيفة: «كنت أعطيه جرعة من الطمأنينة وأبث فى روحه جرعة من الشغف والأفكار البناءة لابتكار عمل أدبى يترك صدى كبيرًا». وتشير أيضًا إلى أن الكاتب «محمد المخزنجي» كان الكاتب المفضل والأقرب لزوجها، فكان من أشد متابعيه، ودائم التنبؤ له بمستقبل أدبى باهر، كما جمعته بالكاتب «توفيق الحكيم» علاقة صداقة قوية.


وعن علاقته بأديب نوبل «نجيب محفوظ» قالت: «رغم وجود الكثير من الشائعات عن عدائه لنجيب محفوظ، إلا أنه كان من أصدقائه القريبين»، موضحة أنه عارض فوز «محفوظ» بجائزة نوبل، وأضافت: «قبل صدور نتيجة الجائزة أكد منظموها أنها من حق يوسف إدريس، وزارونا فى المنزل، وأجروا حوارًا معه لصحيفة (التايمز) أعلنت فيه أنه المرشح لجائزة نوبل، وذلك لأنه الأحق والأكثر فنًا من نجيب محفوظ، وبعد إعلان النتيجة تفاجأ إدريس بفوز محفوظ، الأمر الذى أثار استياءه بشكل كبير، وكانت بمثابة صدمة له».

وأكدت أن جزءًا من فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل كان سياسيًا، وذلك لأن مشرفى الجائزة من اليهود وهم ألد أعداء «إدريس» وكان دائم الانتقاد لهم، مضيفة: «السبب الحقيقى لفوز محفوظ بجائزة نوبل هو ترحيبه الشديد بالتعامل والمصالحة مع إسرائيل فى اتفاقية كامب ديفيد».

وأشارت إلى أن زوجها كان شيوعيًا فى بداية حياته الجامعية متأثرا بمعظم الأفكار السائدة حينها، حاله كباقى شباب جيله، ولكنه بعد أن اكتشف أن الشيوعية أكذوبة، غير فكره إلى اليسارية، وكان ذلك حال معظم الكُتاب وقتها.

وكشفت أن أصعب اللحظات التى مرت بحياة «إدريس» كانت قيام حرب العراق أثناء وجود ابننا الأكبر «سامح» هناك، والذى ألقت القوات العراقية القبض عليه لمدة أسبوع، وأفرجوا عنه عندما علموا بأنه ابن الكاتب الكبير، وتسببت تلك الأزمة بإصابة «إدريس» بأزمة قلبية حادة، جعلته جليس الفراش لمدة كبيرة.

وأعربت «السيدة رجاء» عن استيائها من اتهام زوجها بالترويج لوجود «المومسات» والتعاطف معهن فى رواياته، مؤكدة عدم وجود قصة أو رواية له توجد بها «مومسات»، وأضافت: «هذا الاتهام يجب أن يوجه لنجيب محفوظ، وذلك لاحتواء العديد من رواياته على نصوص جنسية صريحة كرواية (ثرثرة فوق النيل)».

وأشارت إلى أن زوجها انزعج بشدة من المقالة التى كتبها وزير الإعلام آنذاك محمد عبدالحميد رضوان فى صحيفة الأهرام، وذكر فيها «الآراء السياسية ليوسف إدريس ناتجة عن تعاطيه المخدرات»، وهو ما دفعه إلى عدم الرد عليه، وتوجه على الفور لرفع دعوى قضائية ضده، وبالفعل أصدرت محكمة جنوب القاهرة حكمًا يتضمن إدانة الوزير وتغريمه ٢٠ ألف جنيه على سبيل التعويض. كما نفت وجود علاقة حب جمعت بين زوجها والمطربة الكبيرة «نجاة»، مؤكدة أنها «كانت مجرد شائعة ضمن العديد من الشائعات التى تطول المشاهير»، وأن زوجها كان معجبًا بـ«نجاة» كمطربة يعجبه صوتها وتجذبه نعومة إحساسها. وأكدت أنها كانت دائمة التشجيع له للتمسك بآرائه الحرة الجريئة التى يراها على حق دائمًا، وأضافت: «يوسف إدريس لو كان فى زمننا الحالى كان هيكون من أوائل الثوار فى ٢٥ يناير». وأوضحت أن الوضع الحالى فى مصر ليس بحاجة لثورات أو اعتصامات، إنما يحتاج إلى المزيد من الهدوء والتأمل فى كيفية إصلاح الوضع الحالى، وضبط الرؤوس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من خلال مستشارين لديهم الخبرة والمعرفة الكافية، حتى لو تطلب الأمر استيرادهم من الخارج. وأشارت إلى أنها لم تشك لحظة فى وطنية الرئيس السيسى الذى يبذل أقصى ما فى جهده لتحسين الأوضاع فى مصر، لكن الخلل يكمن فيمن حوله من منظومة حكومية فاشلة يجب تغييرها، ومجلس نواب لا يقدم أى دور. ورأت أنه لا يوجد دور واضح للمثقفين أو للإعلام حاليًا، فكلاهما لا يقدم غير الحوارات والمجادلات غير الهادفة دون وجود رؤية واضحة لحل المشاكل، وأكدت أن وضع الثقافة المصرية فى حالة انهيار تام، لفقدها المثقف القارئ المساعد للآخرين، والمستعد لإبراز نشء جديد ذى وعى ثقافى يستطيع أن ينقله للآخرين، مختتمة: «أكبر دليل على انهيار الثقافة المصرية هو غياب دور المسارح والسينما».