الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

التجنيد تجسيد للشخصية المصرية الوطنية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الجيش المصرى له مكانة خاصة فى قلوب المصريين، ليست جملة عابرة نرددها فى المناسبات المختلفة، لكنها حقيقة بالفعل؛ دائما كان التقدم للكليات العسكرية المختلفة حلم طالب الثانوية العامة، الآلاف يقفون فى الطوابير للالتحاق بالقوات المسلحة، فكرة أن تصبح ضابطا كانت ولا تزال وستظل هى وجهة معظم الشباب المصرى، حتى الأطفال، فارتداء البدلة العسكرية للضابط هى مكافأة عظيمة من الأب والأم للطفل نتيجة تفوقه الدراسى أو التزامه.
ماذا عن المجندين؟
أداء الخدمة الوطنية فى القوات المسلحة المصرية؛ أو ما يعرف بـ«التجنيد» يعتبره المصريون واجبا، وهو فى العرف الشعبى خطوة فى اكتمال شخصية الشباب ونضوجهم، ففيه يدرك الشاب الصغير معنى تحمل المسؤولية والمواجهة والتصرف الحكيم، حتى إن الجميع يردد مقولة «بكرة يدخل الجيش ويعقل» دلالة على ما فيه من خبرة عملية للتعايش مع الحياة فى ظروفها المختلفة، فهناك بالفعل أولياء أمور قليلو الحيلة أمام دلع واستهتار أبنائهم، يعتبرون مرحلة الخدمة العسكرية (طوق النجاة لأبنائهم). 
من منكم يعرف شابا تم تجنيده وخرج بنفس صفاته السلبية؟ جميع من أعرفهم ممن التحقوا بالقوات المسلحة، اكتسبوا مهارات وخبرات شخصية مكنتهم من مواصلة حياتهم بشكل أفضل.
فى مصر ينظر الشعب إلى التجنيد باعتباره ليس شرفا وحسب، إنما أبعد من ذلك، فهو أحد البديهيات، وقد ارتبط فى حياتنا اليومية بذكريات كثيرة ومهمة، فهناك جملة أثيرة تقال للطفل الأول، بعدما ترزق الأسرة بالطفل الثاني؛ يقولون «حتدخل الجيش»، وعندما يذكر الجيش أو القوات المسلحة على مائدة أى أسرة، تتدفق الذاكرة، فيسرد الأب ذكرياته أيام خدمته العسكرية، ويبدأ أبناؤه فى طرح الأسئلة وهو يجيب بكل حماس، تتنوع الحكايات ما بين المواقف الجادة والطريفة، ويتذكر كل مجند فى الجيش ضابطه أو صف الضابط، ويتذكر زملاءه فى الكتيبة أو السرية.
أحد المواقف التى لا أنساها حين التحق أخى الأكبر بالخدمة العسكرية، فعل موقفا غريبا ومفاجئا، كان يظل فى وحدته ٢١ يوما ويأخذ راحته ٧ أيام، وفى إحد إجازاته قام بقطع إجازته وعاد إلى وحدته بعد يومين فقط من عودته إلى القاهرة.
لا يزال أبناء أبطال القوات المسلحة يفتخرون بهذه «الأبوة»، أنا ابن فلان الذى أسر عدد كذا، والدى شهد حرب أكتوبر، أبى استشهد فى حرب الاستنزاف، حكايات ملؤها الفخر والاعتزاز، لا يعرف طعمها ولم يتذوقها إلا من ينتمى لمصر.
لن أتكلم عن مقارنة بيننا وبين دولة أخرى تاريخ تأسيسها أحدث من تاريخ تأسيس عمارة سكنية فى حى مصر الجديدة، أتفهم النقص الحاد فى نفوس بعض الشعوب التى لا تملك تاريخا، يقرأون ويسمعون عن حكايات لم يشاهدوها إلا فى الأفلام والمسلسلات.
تلك الدول فى الثمانينيات كانت تتعاقد مع أفراد من جنسيات أخرى للالتحاق بالجيش (مرتزقة)، وعند غزو الكويت، أرعبهم الإحساس بأن كتيبة واحدة يمكن أن تحتل بلادهم فى «ساعتين زمن» ما جعلهم يهرولون إلى التجنيد الإجباري، ومنح الجنسية لمواطنى الدول الأخرى للالتحاق بالجيش.
التجنيد فى مصر ليس مجرد حمل السلاح وبعض التدريبات، التجنيد تجسيد للشخصية المصرية الوطنية، نعرف جميعنا أن المقاتل المصرى على رأس قائمة تصنيف الجيوش العالمية فى الشراسة والقوة والتحمل، ومن الطبيعى أن تتحدث الجيوش الأخرى عن قوة وصلابة المقاتل المصرى.
البعض يفهم الوطنية والحرية بشكل خاطئ، إذ يعتقدون أن التجنيد للدفاع عن الوطن مهانة وإذلال بينما نعتبره نحن فخرا واعتزازا، إن فهمهم الخاطئ يرجع إلى أنهم بلا هوية ولا تاريخ يعتزون به؛ بينما يفخر المصرى بعبوره المصاعب وبأن له كينونة تحميه من المهالك فى كل حين.