الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

سوق المغشوش.. مبيدات مجهولة تهدد الأمن الغذائي.. 25% منها مضروب ويُصنع تحت بير السلم.. و200 نوع مُحرم تداولها بمصر.. وخبراء: الأمل في وقف تجارتها وعودة المرشد الزراعي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكدت دراسات  حديثة أن 25% من المبيدات الموجودة فى الأسواق مغشوشة ومنها مهربة شديدة الخطورة، وأن أكثر من نصف محلات المبيدات الموجودة بالقرى والنجوع المصرية غير مرخصة تبيع مبيدات منها المهرب والمغشوش ومنتهية الصلاحية، فيما أفادت تقارير رسمية عن لجنة المبيدات بوزارة الزراعة أن هناك 7 آلاف محل مبيدات مرخص على مستوى الجمهورية تخضع للتفتيش والرقابة، وأن مصر تستهلك 10 آلاف و600 طن مبيدات سنويًا يُصنع منها 30% محليًا والباقي مستورد.
فيما كشف  رئيس لجنة المبيدات بوزارة الزراعة الدكتور محمد عبدالمجيد، في تصريحات رسمية، أن حجم المبيدات المغشوشة فى مصر يصل إلى 17% وأن اللجنة سيطرت على 60% من تجارة المبيدات المغشوشة والمهربة، مؤكدًا أن لجنة المبيدات منحت 130 مراقبًا حق الضبطية القضائية لغش المبيدات بـ 22 محافظة.
وأكدت تقارير منظمة الصحة العالمية حدوث ثلاثة ملايين حالة تسمم بالمبيدات كل عام على مستوى العالم من بينها 220 ألف حالة وفيات، ومصر بها 500 نوع من المبيدات منها 200 نوع محرم كان آخرها تحريم 96 نوعًا عام 1996.
وبالتتبع لأكثر المحافظات التى بها مصانع بير السلم والمنتشر بها مبيدات مغشوشة  ، لوحظ أن  كفر الشيخ تتصدر  القائمة يليها الفيوم وبنى سويف والبحيرة والغربية، والقانون القديم العقوبة به ضعيفة جدًا، حيث تصل غرامة بيع المبيدات المغشوشة والمهربة إلى ما لا يزيد على 10 جنيهات.
قال "محمد.ج" صاحب محل بيع مبيدات وأسمدة كيماوية بأحد مراكز جنوب الجيزة، إنه تأتيه بالفعل سيارات محملة بهذه المبيدات المغشوشة وعليها استيكرات توضح تاريخ الصلاحية وتركيبها ولكنها مضروبة وليست صحيحة ونعرف أنه مغشوشة، وبالتالى نشتريها بسعر أقل من الأصلية، فالمبيد الذى ثمنه 25 جنيهًا أصلى يأتى مثيل له مغشوش نشتريه بـ 6 جنيهات ونبيعه بـ 25 جنيهًا وكانه بديل وقد يأتى بنتيجة جيدة مع بعض المزارعين ويقتل الحشرات بالفعل لكننا لا نعلم شيئًا عن تركيبه أو مخاطره، مؤكدًا أن كل المبيدات لها مخاطر سواء كانت أصلية أو مغشوشة على حد قوله.
وقال الدكتور خليل المالكى، أستاذ المبيدات بمركز البحوث الزراعية، رئيس لجنة مبيدات الآفات الأسبق بوزارة الزراعة، إن هناك مشكلة أن هناك أكثر من جهة تدخل مبيدات للبلاد منها الطب البيطرى ووزارة الصحة ووزارة الصناعة ووزارة الزراعة، فوزارة الصناعة تدخلها على أنها كيماويات ثم يتم بيعها فى الأسواق على أنها مبيدات، وآخرون يقومون بإعادة تشغيلها فى مصانع تحت بير السلم وتتحول لمبيدات وهى غير مسجلة وغير مختبرة من قِبل وزارة الزراعة وهذا نتيجة أن مَن يغش المبيدات أو يهربها ويصنعها تحت بير السلم يعطى تسهيلات للتجار سواء فى السداد أو تخفيض فى الأسعار للإقبال على ترويج هذه المبيدات تحت دعوى أن المزارع ليست لديه الخبرة والدراية الكافية لكشف غش المبيد ثم يبدأون يقنعون الفلاح بأن هذا المبيد مستورد وجيد وله فاعلية قوية ومؤثر ليقبل الفلاحون على شرائه.
وأضاف المالكى، أن المصانع تحت بير السلم تقوم بعمل هذه الأدوية دون اشتراطات سليمة ، حيث إن العبوة نفسها سيئة فقد تتفاعل المادة الكيميائية للمبيد مع المادة الكيميائية للعبوة نفسها، موضحًا أن وزارة الزراعة بإمكانياتها المحدودة تقوم بدورها لكن على الجهات التنفيذية الأخرى أن تقوم بدورها فى ضبط هذه المبيدات المغشوشة، مضيفًا أنه فى كل دول العالم لا توجد غير لجنة مبيدات واحدة فقط سواء لمبيدات الزراعة أو الصحة أو البيطرى أو كل المبيدات التى تدخل البلد وهذه اللجنة بها المتخصصون من جميع الجهات المختلفة، إضافة إلى أنها تقوم بتجريب واختبار هذه المبيدات قبل دخولها البلد، موضحًا أنه فى مصر لو دخل مبيد تبع وزارة الصحة تقوم بتجريبه رغم أنه لا يجوز استخدامه فى الصحة حتى لو بتركيز أقل، فوزارة الصحة تأتى بهذه المبيدات للقضاء على الذباب والناموس والحشرات بأنواعها فى المستشفيات وحدائقها.


أوضح المالكى، أن هناك كارثة وهى أننا نركز فقط على مبيدات الزراعة وتركنا كل عشرات الإعلانات على شاشات الفضائيات والتى تأخذ تصريحًا من الصحة لرش المنازل والحدائق والمطاعم بالمبيدات الضارة والخطرة على صحة الإنسان وتقول هذه الشركات إنها مصل وهذا علميًا خاطئ فلا يوجد مصل لقتل الحشرات، إضافة إلى أن هذا الرش بالمبيد يترك أثره فى المنزل بعد الرش رغم أن الشركة وضعت به رائحة أخرى حتى تزيل رائحة المبيد الكريهة، وبالتالى يترك المبيد ضررًا على المتواجدين بالمنازل، فهذه المبيدات لا بد وأن يكون ضغطها البخارى منخفضًا وتتطاير سريعًا ولكنها ضغطها البخارى عالٍ للأسف، فتترك أثرًا كبيرًا وتظل أبخرتها تتصاعد وتضر أصحاب المنازل.
وتابع أستاذ المبيدات، أنه لا يدخل مبيد عن طريق وزارة الزراعة إلا بعد إجراء تجارب واشتراطات قاسية جدًا عليه، موضحًا أن المبيدات المغشوشة لها أضرار شديدة على المزروعات فبعض الشركات تأتى بالسولار وتضع عليه زيت معدنى وتضع عليه رائحة لإخفاء رائحة السولار ويبيعونه على أنه مبيد لكن السولار مخاطره كبيرة على الزراعة، وبعض الشركات تخلط الفينيك بمواد أخرى ليتغير لونه ثم يعبئونه كأنه مبيد يباع فى الأسواق وهنا الفينيك سيسمم الزراعة ويتلف التربة، موضحًا أن هذه الظاهرة كتهريب المخدرات بالضبط وأن الحل يتركز فى أن تكون هناك لجنة واحدة فقط للمبيدات تراجع وتختبر كل المبيدات التى تدخل مصر عن طريق أى وزارة وليس كل وزارة تدخل مبيدات عن طريقها دون علم لجنة المبيدات بوزارة الزراعة.
من جانبه قال الدكتور هشام سرور، أستاذ الكيمياء الفيزيائية والبيئية بالمركز القومى للبحوث الزراعية، إن هناك مبيدات فى الأسواق مهربة وهى مبيدات توقف استخدامها لخطورتها بناء على توصيات وهناك مبيدات مغشوشة بمعنى أن المادة الفعالة بها تحتوى على كثير من العناصر او الشوائب اكثر ضررًا، كما ان نسبتها اقل مما يضطر الفلاح الى استخدام كميات غير موصى بها لكى تأتى بنتيجة مرجوة، كما ان عملية التصنيع والمادة الحاملة لها غير مطابقة للمواصفات وللأسف مَن يبيعونها لهم مواصفاتهم غير الآمنة من خلال عمل خلطات غير علمية قد تتسبب فى أضرار للنبات نفسه وهو فى طور النمو أو ضرر فى الأثر المتبقى للمبيد سواء فى التربة أو على المنتج الزراعى النهائى.
وأوضح سرور، أن علاج هذه المشكلة لا بد عن التراجع عن سياسة تحرير تجارة المبيدات والعودة إلى نظام توزيعها عن طريق الجمعيات الزراعية والعودة إلى المرشد الزراعى ولا بد من تغليظ العقوبة على مَن يتعامل فى هذه المبيدات وخاصة المهربة لأه مقصود بها ضرب الأمن الغذائى والصحى فى مصر.
بينما محمد أبو الفتوح نعمة الله، مدير مركز وادى النيل للبحوث والدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، رأى أن هناك فوضى فى الزراعة المصرية، مؤكدًا ان الفوضى هى التى تحكم الأسواق، فإلى الآن نجد ان المبيد الرئيسى بالأسواق هو "الدى دى تى" ومشتقاته رغم انه محرم دوليًا، بل نجد ان الدستة القذرة وهى ملوثات عضوية ثابتة تغطى كامل المنطقة العربية وليس مصر فقط وبعشرات أضعاف المعدلات المسموح بها وهى تقاوم التحلل الكيميائي والضوئي والبيولوجي،
وأضاف نعمة الله، أنه اذا كانت الوفيات تقارب ربع مليون حالة فى تقرير منظمة الصحة العالمية، فالمصابون بأمراض قاتلة مئات الملايين على الأقل، وفى مصر يمكن أن نتحدث عن عشرات الملايين من المصابين بأمراض خطيرة وتشوهات جينية نتيجة لذلك التلوث غير المسبوق بدءًا من شيوع السرطانات وأمراض الكبد والكلى مرورًا بالتشوهات الجينية وتخنث الذكور وتذكير الإناث نتيجة للتلوث بمشتقات الدى دى تى والدستة القذرة التى توجد متبقياتها فى اغلب المحاصيل والزراعات المصرية غالبا، مضيفا أن المزارع المصرى يستخدم أضعاف المعدلات العالمية وان كانت وزارة الزراعة تقول ان استهلاك مصر من المبيدات الفعالة اى المركزة يزيد على 11 ألف طن سنويًا، فنؤكد ان الرقم الحقيقى ربما يصل لضعف ذلك نتيجة للتهريب وإغراق مبيدات ومخصبات اسرائيلية مجهولة المصدر للاسواق المصرية تصيب الأرض بأضرار فادحة وتصيب الزراعات بأعلى معدلات التلوث والسمية وتؤدى لتدهور المحصول خلال سنوات معدودة، وللاسف كل شىء متاح فى السوق المصرية.
ولدينا عشرات المنافذ الشرعية وغير الشرعية لإدخال اشد انواع السموم سواء تحت زعم الاستخدام الخاص او التهريب، او تصنيع المخصبات والمبيدات المغشوشة من خلال تنظيمات عصابية تقف إسرائيل وراءها ضمن الحرب البيولوجية المعلنة على مصر، لذلك نجد تراجع حاد فى الصادرات الزراعية المصرية بل وفى الصناعات الغذائية والتصنيع الزراعى لارتفاع نسبة المتبقيات والسموم الى عشرات أضعاف الحدود الآمنة، ولتلوث التربة بالدستة القذرة والسموم والمخصبات غير المسموح باستخدامها أو تداولها دوليًا وللأسف فهى المنتجات الرئيسية بالأسواق المصرية سواء أكان مسموحًا بتداولها أو تباع كسلع مهربة ومجهولة المصدر.


ولكن كيف يمكن علاج تلك الأزمة والقضاء على تلك الظواهر التى تهدد أمن مصر ومستقبل أبنائها، هنا يجيب نعمة الله، أن المرخصين اكثرهم غير مؤهل ويتعاملون مع اى شركات ولو كانت مجهولة الهوية وتبيع مبيدات ومخصبات مغشوشة طالما كانت مربحة والمزارع المصرى غالبا مزارع بسيط يريد اعلى معدلات الانتاجية لذلك يسرف فى استخدام المبيدات والمخصبات لاضعاف المعدلات المسوح بها لذلك نجد القليل من الزراعات الغير ملوثة هى التى يتم تصديرها وغالبا من مزارع فى المناطق الجديدة تزرع عضويا او حيويا وبإشراف مباشر من الاتحاد الاوروبى على المزارع.
لذلك فمن غير المقبول الى الآن الا يكون هناك تسجيل وباركود لكل مزرعة فى مصر ولو كانت نصف قيراط بحيث يفسر الباركود اسم المسئول ورقم المزرعة وتاريخ الانتاج ليكون مسئولا عن نسبة المتبقيات والسموم ومسئولا عن الاضرار التى تصيب المستهلك ومن مصلحة التاجر والموزع ان تكون كل منتجاتهم مسجلة ومعلومة المصدر مع تغليظ العقوبة القانونية ومصادره كل السلع مجهولة المصدر سواء تم ضبطها اثناء النقل او التداول او ظهرت اضرار عند الإستهلاك كذلك يجب ان نتوسع فى الزراعات العضويه والحيويه الآمنة وهى ليست فقط الارخص والآمن ولكنها اكثر فعالية ومردودا سواء تم استهلاكها فى السوق المحلية او تصديرها وهنا يجب على مختلف الجهات المختصة، كالإرشاد الزراعى بإعادة تأهيل المرشدين ومسئولى الجمعيات الزراعية ليكونوا قادرين على توعية وارشاد المزارع المصرى على استخدام تلك التقنيات المتطورة والتعرف على ايجابياتها وتعظيم دور الحقول الإرشادية وتذليل العقبات امام انشاء شركات المبيدات والمخصبات العضوية والحيوية وتشديد العقوبة والرقابة على المبيدات الموجودة بالأسواق، فهى سموم ومسرطنات وقنابل بيولوجية قاتلة لا يمكن ترك تداولها على هذا النحو المشين وضرورة تحريم كل المبيدات المحظورة والملوثة وتجديد قوائم الحظر سنويا ومنع كل المبيدات المحظورة فى الاتحاد الاوروبى والولايات المتحده ومنظمة الصحة والغذاء والمنظمات الدولية اما ان نترك الاوضاع كما هى فسنكون مسئولين عن حرب الابادة التى يشنها الصهاينة ضد مصر والتى يساعدهم فيها مافيا التجارة السرية والسلع المغشوشة ومجهولة المصدر فتلك الفوضى لا يمكن السماح بها فى اى دولة يحكمها القانون عبر العالم وللاسف فلدينا القوانيين قاصره وغير رادعة ولا تتناسب مع خطوره ذلك الملف فى ظل الغيبوبة والتخبط الذى نعيشه.
ومن ناحية الحلول، يرى الدكتور خالد غانم، استاذ الزراعة العضوية والعلوم البيئية بكلية الزراعة جامعة الازهر، أن أولها هو اعادة هيكلة الرقابة على المبيدات وإلزام محلات المبيدات بضرورة تواجد مهندس زراعي مثل الصيدليات وعلى الرغم من وجود تلك الجزئية في القانون إلا أن كثيرا من محلات المبيدات بالمحافظات تعمل دون ترخيص، كما يجب تدريب مديرى محلات المبيدات من المهندسين الزراعيين تدريبًا جيدًا من خلال مركز البحوث الزراعية على الكشف عن الآفات والأمراض ومتى تكون هناك ضرورة ملحة لاستخدام المبيدات وما هي الجرعة المناسبة.
وأضاف غانم، أن من بين الحلول، عمل صندوق للمببدات يتم من خلاله تحصيل جنية واحد لكل فدان في الموسمين الشتوي والصيفي ويمكن عن طريقة جمع حوالي 16 مليون جنيه سنويا تخصص لعمل معامل مستواها جيد بالمحافظات تقوم بالكشف عن المبيدات ويمكن الحصول على موارد أخرى للصندوق من خلال رسوم على المبيدات المستوردة ومصانع المبيدات وغيرها.
فيما أقرت لجنة مبيدات الآفات الزراعية بوزارة الزراعة، تفعيل 18 بندًا لمواجهة مافيا تهريب المبيدات المهربة والمغشوشة إلى الأسواق المصرية، والتى قد تؤثر سلبًا على الصحة والبيئة، فهل ستقضى تلك البنود على تجارة مافيا المبيدات فى مصر والقضاء على تلك الظاهرة المؤرقة فى ظل ضعف القانون الذى صدر منذ خمسينيات القرن الماضى؟.