الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

"الأعرج" في الحلقة الأخيرة من حواره لـ"البوابة نيوز": الأدباء عاجزون أمام مافيا التزوير في عالمنا العربي.. أدب "محفوظ والحكيم" له حضور كبير في الجزائر.. ولا علاقة للمخابرات بما حدث لـ"سعد لمجرد"

الدكتور واسيني الأعرج
الدكتور واسيني الأعرج
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

التقت البوابة بالكاتب الروائي والأكاديمي الجزائري، الدكتور واسيني الأعرج، صاحب التاريخ الحافل بالأعمال الأدبية المتميزة، منها "أنثى السراب"، "أصابع لوليتا"، "كتاب الأمير"، "العربي الأخير"، وغيرها من روائع الأدب الجزائري والعربي أيضًا، وذلك على هامش معرض الجزائر الدولي للكتاب، عبّر الأعرج في الجزء الأول من حواره والذي نشر على صفحات البوابة عن سعادته بحلول مصر ضيف شرف على النسخة الـ21 للمعرض.

وفي الجزء الثاني من الحوار تحدث الأعرج في العديد من الموضوعات الثقافية والسياسية، والسينمائية كما تحدث عن ملابسات أزمة الفنان المغربي سعد لمجرد واتهام الجزائر بأنها وراء ما حدث له في فرنسا من اعتقال.. وإلى نص الحوار:

-كتبت أدب الرسائل في روايتك "أنثى السراب".. كيف ترى هذا النوع في أدبنا العربي المعاصر رغم ازدهاره في عصور سابقة؟

أدب الرسائل ظاهرة دولية، وهو نوع من الأدب الموجود عالميًا وإنسانيًا، العرب عرفوه أيضًا وعرفوه بشكل كبير، وكانت الرسائل – ليست فقط الرسائل الذاتية – ولكن كان مفهوم الرسالة قوي مفهوم وكبير وثقيل، فالرسالة ممكن أن تكون كتاب، مثل رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، التي فضح خلالها أليات المجتمع، والتي أرسلها وقدمها لشخصية وهو يظن أنه ربما هذه الشخصية قد لا ترضى عليه، ولكن أعطى فيها فكره وتصوره للفلسفة إلى أخره، وهذه رسالة، أسماها رسالة الغفران. طوق الحمامة أيضًا الذي هو عبارة عن كتاب، ولكن في جوهره أيضًا عبارة عن رسالة، حبيت أن أقول بأن فن الرسائل هو فن قديم، وفن مهم، وكل رسالة هي في الحقيقة مشروع لمحاورة وقضية تبعث بها لشخص أخر وتحاور بها من خلاله، وبالطبع تطور فن الرسائل مع الوقت، بشكل بسيط ليشمل العلاقات الوجدانية. أنا أردت في "أنثى السراب" أن أعيد بعث النوع إذا شئنا، وبالطبع هذا النوع متعدد في الكتابة، ولكن بدا لي أنه ما يزال صالحًا، واستعماله بالطريقة التي ارتأيت، وسعدت عندما استقبل القراء هذا النوع بشكل جيد لأن "أنثى السراب" ما تزال واحدة من الروايات العربية الأكثر مقروئية وهذا الأمر بصراحة أسعدني جدًا لأن الرواية بها دفء عاطفي، بها دفء إنساني، وبها علاقة حميمية على العكس من النصوص الأدبية التي فيها جانب من الموضوعية وجانب من الحيادية.

-الكاتبة أحلام مستغانمي قالت في إحدى ندواتها بمعرض الصالون الجزائري تعليقًا على تعرضها للسرقات الأدبية: "الكاتب العربي مستباح".. كيف ترى واقع الكاتب العربي الآن؟

نحن نعيش نظام في الحقيقة فيه شيء من الفوضى، والآليات في التعامل إلى اليوم لا تخضع لقانون واضح أو لقانون محدد، وبالتالي من الممكن أن تكتب كتاب، وتذهب إلى السوق فتجده مسروق من خلال الطبعات المزورة، وهذا حدث مع كتبي في كل البلاد العربية مثل "أصابع لوليتا"، كتاب الأمير"، "العربي الأخير"، وكله مزور، وماذا يستطيع كاتب أن يفعل أمام هذه الألة التي لا تحمل هوية، لأنك عندما تريد أن تحاكم وأن تحاسب، تحاسب شخصية اعتبارية، ولكن من هذه الشخصية الاعتبارية عندما يتم التزوير بنفس اسم الدار وكأن الدار هي من طبعت الكتاب، وهذا الأمر يحتاج إلى إجراءات تقنية قوية حتى تعرف من كان وراء هذا التزوير، وبالطبع المثقف العربي داخل هذه الدوامة، والأديب تحديدًا عندما يكتب ونصه يكون ناجح، وهذا النص يزور، هذا في الحقيقة أمر قضائي ولا يخص الكاتب، الكاتب بالطبع موضوع في هذه القضية ولكن الأمر يخص القضاء، وعلى القضاء أن يلعب هذا الدور وأن يطور آليات مواجهة ها الأمر، وعلى سبيل المثال في البلدان الغربية هناك وسائل تمكنك من الوصول إلى المزور، ولكن هذه الوسائل بوليسية أيضًا، فكيف للكاتب أن يستطيع متابعة المزور، وهذا الأمر يطرح مشكلة بدورنا نقول على الدول أن تنشط آليات الرقابة، من خلال الأجهزة البوليسية لمعرفة من كان وراء عمليات التزوير.

الدراما والرواية.. أيهما أكثر توثيقًا وتعريفًا بعادات وتقاليد وثقافات الشعوب؟

أكيد من حيث المبدأ لكليهما دور خاص، فعندما اقرأ نجيب محفوظ أشعر بنفسي في مصر القديمة، بكل تفاصيلها وحياتها وتقاليدها إلى آخره، كذلك عندما اقرأ مثلا خان الخليلي، فهذه خاصية، وبالنسبة لي ليس لدي مشكلة في هذا الأمر، أيضًا الخاصية الأساسية في العمل الدرامي أو الجانب الدرامي أن الفعل مرئي، بمعنى أن الأمر هنا لم يعد جهدًا ذهنيًا فقط، مقتصر على أن تتخيل، بالطبع التخيل أمر جيد، فمثلا مشهد يصفه نجيب محفوظ في خان الخليلي، يصفه بتفاصيل لغوية أنت يمكن أن تتخيل ذلك وأن تشم عطر المكان، ولكن الوسائل الحديثة ومن بينها التلفزيون وغيره أصبحت تلعب دورًا كبيرًا وأصبحت تمس قطاعًا كبيرًا من المجتمع، لأن القراءة تراجعت كثيرًا في العالم العربي، فبدلا من قراءة خان الخليلي أصبحت تشاهدها في مسلسل على سبيل المثال، وهنا أصبحت أسهل ومحتواها يصل للمتلقي بسهولة، وهذا أمر ليس سيئًا بالعكس يمكن أن يلعب هذا الأمر دورًا إذا كان المسلسل جيد مثل باب الحارة أو حريم السلطان، فهو يغنيك عن قراءة كم كبير من الكتب من خلال الأعمال السينمائية والدرامية، ولكن مهما يكن تظل القراءة أمر مهم، لأن القراءة مران ذهني ليست مثل الصورة التي تستهلكها وتنصرف عنها، أما الكتاب فأنت من خلاله تحمل مجتمع في يدك، يمكنك في أي وقت شئت أن تقرأه، ومن الممكن أن نخلق توازنًا بين القراءة والدراما.

-هل هناك إقبال حقيقي من قِبل القارئ الجزائري على الأدب المصري؟ 

طبعًا، نحن فتحنا أعيننا على كتابات نجيب محفوظ، ولطفي المنفلوطي، وتوفيق الحكيم، من خلال الكتاب المدرسي، وكذلك جمال الغيطاني في وقت لاحق، أيضًا على الأجيال التي جاءت فيما بعد من الكُتاب المصريين، كما أن الجوائز العربية لعبت دورًا كبيرا في التعريف ببعض الكُتاب المصريين المعاصرين، فنجد واحد مثل يوسف زيدان عرفناه هنا في الجزائر بفضل كونه فازت روايته "عزازيل"، بجائزة البوكر، وغيره، وأنا أذكره هنا على سبيل المثال. فالأدب المصري مقروء جدًا في الجزائر وعنده حضور كبير، وإلى اليوم برغم أن الكتاب المدرسي تغير وأصبح به حضور جزائري أكثر وحضور عربي متنوع، فهناك المصري واللبناني والجزائري والمغاربي بشكل عام، ولكن الثقل المصري كبير والناس يقرأون الأدب المصري بشكل جيد.

-كيف ترى مستقبل الشراكة الفنية بين مصر والجزائر والتي أعلن عنها وزير الثقافة الجزائري خلال معرض الكتاب؟

في الوقت الحالي لا أعرف برنامج الوزير، ولكن من الممكن أن يكون هناك تعاون على مستوى الأعمال الدرامية، فمن الممكن أن يتم اختيار رواية ما سواء كانت مصرية أو جزائرية، بأن يكون الممثل جزائري والتقنية مصرية أو أن يكون الإنتاج مصري جزائري مشترك، وأنا هنا أقصد أن الفعالية ممكنة والخيارات أيضًا ممكنة، وهذا بحسب البرنامج الذي سيسطره الوزيران المصري والجزائري، ومن الممكن أن يتم إنتاج أفلام عن "الثورة الجزائرية ودور مصر في مساندتها كما قلت"، وهو أمر يلزمه نص مشترك، ونص يكتبه كاتب له علاقة بالتاريخ، وهذا الأمر ممكن جدًا، ولكن أرى أن لا يقتصر الإنتاج المشترك على الأفلام الثورية والتاريخ المشترك بين مصر والجزائر فقط، ولكن أرى أنه من الممكن الاستفادة من الخبرة المصرية الكبيرة والمهمة في الإنتاج السينمائي، وعلى سبيل المثال روايتي "مملكة الفراشة" التي فازت في العام الماضي بجائزة كتارا يتم الآن إنتاجها بين قطر ومصر رغم أن الرواية جزائرية ولا تدخل في اتفاق مسبق بين الجزائر ومصر، ولآن الوطن العربي به إمكانيات وبه مساحات كبيرة تستطيع مصر أن تلعب فيها دورًا مهمًا، وتستطيع أيضًا الجزائر أن تلعب دورًا مهمًا من خلال العمل المشترك.

-السينما العربية إلى أين مقارنة بسينما الستينيات من القرن الماضي؟

نحن في حالة تراجع كبير صراحة، فالسينما تعيش حالة تراجع كبير، ليس من الناحية الفنية فقط ولكن كقيمة أيضًا، ومن ناحية الصناعة الفنية، فمصر في فترة الستينات وما قبلها كان بها صناعة سينمائية حقيقية، حتى وإن كانت في بداياتها وإن كانت تنتج الأبيض والأسود، ولكن كان هناك سينما حقيقية، وكان بها موضوعات إنسانية ومجتمعية إلى أخره، الآن أعتقد أن الدراما عوضت السينما، أو اكتسحت السينما، فلم تعد هناك فرصة كبيرة للسينما، ثم إن الصالات التي كانت موجودة قلت، سواء في الجزائر أو مصر على ما أعتقد، فقد كان هناك عدد كبير من صالات العرض السينمائية التي انحسرت كثيرًا ولم تعد إلا مجموعات صغيرة متبقية، وحتى على مستوى فكرة صناعة السينما نجد أن مصر هي البلد العربي الوحيد التي بها صناعة سينما مقياسًا بباقي الدول العربية الأخرى، ولكن مع الأسف حتى هذه الصناعة في مصر تراجعت لأنها أيضًا سوق وليست مجرد إنتاج، وهل الفيلم المصري اليوم يتحرك عبر الوطن العربي مثلما كان يتحرك من قبل؟، باستثناء المهرجانات السينمائية والتي حضرت الكثير منها، وآخر مهرجان شاركت به وكنت عضو بلجنة التحكيم في مهرجان أبو ظبي الذي توقف على كل حال، وكان يشارك به فيلم "القط"، وهو فيلم مصري جميل إلى حد كبير، ومثل هذه الأفلام لا نراها في السينما عندنا، ولكن نراها في المهرجانات، وهنا لي أن أن اسأل من يشاهد هذه المهرجان إلا عضو لجنة تحكيم أو شخص من الكرمين ولديه القدرة على السفر ومتابعة المهرجانات إلى أخره، وأنا أتذكر قديمًا في صالات السينما الجزائرية كانت مليئة بالأفلام المصرية والتي شاهدت العديد منها مثل "معبودة الجماهير" لعبد الحليم حافظ وشادية وغيره الكثير، وهو بالطبع العصر الذهبي للسينما المصرية، ولك أن تتخيل أن يصل هذا الفيلم وغيره إلى قاعات العرض السينمائي في الجزائر في فترة السبعينيات، وإلى ما وصلنا الآن؟ نسير بشكل عكسي، فاليوم أسمع بالأفلام إذا ما سافرت إلى القاهرة أو حصلت عليه على شرائط الفيديو أو غيرها ليس بها قصة أو سينما أو غيره، ويمكن الوسائط الحديثة دمرت قاعات العرض السينمائي، فاليوم تحصل على الفيلم من خلال الوسائط الحديثة في نفس يوم العرض، فأنا لا أريد أن أشاهد فيلم سينمائي بطريقة غير قاعة السينما التي لها قيمة خاصة، فكثيرًا أكون مع أبني وبني أجدهم يحبون مشاهدة الأفلام من خلال الفيديو أما أنا فأفضل الذهاب إلى قاعات السينما وما بها من أحاسيس تصل إليك وأصوات مضخمة وكأنك جزء من العملية السينمائية وهو أمر مهم جدًا، وهي تعطيك أحاسيس جمالية خاصة، أفضل وامتع من مشاهدة الأفلام على شرائط الفيديو أو التلفزيون وما يحيط بهما من ضجيج، أما وأنت داخل قاعة السينما فأنت في جو سينمائي يكاد يكون وكأنك داخل كنيسة أو داخل مسجد هناك صمت وجو به شيء من القداسة، وللأسف هذه الأشياء لم تعد موجودة وأتمنى أن تعود مرة أخرى، ولنا أن ننظر إلى أوروبا وهي أكثر تقدمًا منا في الوسائط الاجتماعية، إلا أن قاعات السينما مازالت موجودة حتى اليوم، لأن لديها صناعة سينمائية وتوزيع سينمائي، وبه الكثير من الناس التي تنتظر العروض السينمائية، وإن جاء بعدها عن طريق الفيديو فلا مشكلة.

- كيف ترى الفيديو كليب في الوقت الحالي؟.. وهل ساهم في تشويه الأغنية أم أضاف إليها؟

الكليب عندما يكون إنتاجه جيد يؤدي الغرض منه، ولكن هناك كليبات استهلاكية ضعيفة جدًا وليست جيدة، ولكن في المقابل نجد كليبات كأنها قصيدة شعر، تراها بشكل جيد وأنيق وجميل، وتسهل في توصيل فكرة الأغنية إلى المستمع ومن الممكن أن تلعب دور وحقيقة أنا لست ضدها، نقول أن الزمن تغير وبه الكثير من السرعة، ومن الممكن أن يكون لهذه الكليبات دور وفائدة، وليست في مجملها سيئة، وأنا عن نفسي بالنسبة الأغاني أفضل الأفلام التسجيلية الغنائية، أحب أن أسمع عبد الحليم حافظ في فيلمه معبودة الجماهير وأستمتع به، وفريد الأطرش أشوف أغنياته ولكن أشوف أحاسيسه مشفوعة مع الأغنية، ولكن هذا الزمن لم يعد موجودًا وأصبحنا في زمن أخر.

-تابعت أزمة الفنان المغربي "سعد لمجرد" وما قيل في الإعلام المغربي بأن الجزائر وراء ما تعرض له في فرنسا.. ما تعليقك؟

أنا تابعت هذه الأزمة بعض الوقت، وأنا أحب هذا المغني، فهو شخص لطيف، ولديه أغاني جميلة، وله روح شبابية، ونتكلم الآن عن المغني كمغني بغض النظر عن التحميلات السياسية والحسابات، فهذا المغنى أنا أحبه كثيرًا، ثم أن أغانيه الخفيفة تمس، فمثلًا أغنيته "الشمعة" مأخوذة من أغنية جزائرية، ووقع صراع حولها، أنه أخذها، وأخذها جزئيًا وأعترف في النهاية بذلك، ولكن هذا الأمر في منظور غنائي، وحتى لو أن هناك خلاف معه، من الممكن أن ترفع عليه قضية عربية أو محلية أو مغربية أو مغاربية، ولكن داخل المجال الفني في جهات حماية حقوق التأليف إلى أخره، ولكن الآن الرجل ضبط مع قاصر واشتكته إلى آخره، وهذا أمر أخر، هو أمر قضائي، لا أتدخل فيه، هو يجب عليه أن يدافع عن نفسه بأنه ظلم، وأن هذه القاصر ظلمته إلى أخره، لآن التهمة تهمة تعدي على قاصر، وليس لها علاقة بالجزائر ولا المغرب ولا غيرها من البلدان، وما قيل عن اتهام الجزائر في هذا الأمر أنا قرأته على مواقع التواصل الاجتماعي، واستغربت له كثيرًا، فما مصلحة الجزائر في مثل هذا الأمر، وهل المخابرات الجزائرية ليس وراءها شغل غير التحرك وراء مغني؟، بالطبع لا، أنا أتصور أنه قد يكون سعد لمجرد أرتكب خطأ مثلا، ويعتذر للقاصر أو شيء من هذا القبيل، ولكن في فرنسا هذا الأمر يعاقب عليه القانون، يُعَاقب عليه كبار لاعبي كرة القدم، يعاقب عليه كبار السياسيين، وهناك رجل أسقط كان من الممكن ن يكون رئيس الدولة الفرنسية وهو كان وزير الاقتصاد وأسقط لمثل هذه القضية، لآن القضاء في فرنسا قوي، وعلى سعد لمجرد ان يدافع عن نفسه من هذا المنطق، أما كل ما قيل من أمور بشأن اتهام الجزائر في قضيته بفرنسا أنا أستغربها لأن المسألة سيست وهي في الحقيقة قضية لها خصوصية تتعلق بتهمة بينه وبين القضاء الفرنسي وبينه وبين الأمر الفرنسي، يحلها ويثبت براءته وانتهى الأمر.