السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

حسين عبدالرحيم.. عاشق المرح على ضفاف القناة وشط البحر المتوسط: أرغب في قارئ كلاسيكي النزعة واسع الخيال

الأديب حسين عبد الرحيم
الأديب حسين عبد الرحيم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت بورسعيد هي البطل الحقيقي للمجموعة القصصية الأخيرة للأديب حسين عبد الرحيم "شخص ثالث"، حمل خلالها مشاعره على القوارب واللنشات التي تحيط بتلك المدينة الساحلية، فلم تكن المحافظة بالنسبة له "مكان فقط"، لكنها كانت وجع إنساني وأحلام وأفراح، بل قرينه الأبدي في الحياة.
ولم يظهر ذلك بمجموعته فحسب، بل أيضا في لهجته وجسده النحيل وملامح وجهه الحادة، وكأنه واحدًا من تلك الطيور التي تعشق المرح على ضفاف القناة وشط البحر المتوسط، ومن الممكن أن يكون أحد البحارى القدامى الذين صبغ البحر ذاتهم باللون الأزرق، فكتبوا نصوصهم لتعبر عن دلالة هذا اللون.


هناك سر ما، بين مؤلف "شخص ثالث" وبين بورسعيد، يفسره الكاتب، الذي قال في حواره لـ "البوابة نيوز": "إن للفقد الحياتي الدور الرئيسي في الحالة الشعورية التي انتابتني وقت كتابة شخص ثالث؛ فمنذ خروجي من بورسعيد في الثامنة عشر من عمري، وأنا أحس أن المحافظة صارت بالنسبة لي مدينة حلمية، لها وجود روحي ونفسي، ولكن العقل والمنطق والوجود يطرح عكس ذلك الإحساس تماما".
وتابع: "بورسعيد مكان ميلادي وطفولتي وصباي البكر، لفظتني كمكان، فكان اختياري لمنفى أجد فيه صدى ودواء للروح القلقة النزقة والنفس الطويل الذي لا يكبح ولا يفني ولا يكسر فاشتغلت في "شخص ثالث "على قصص ثلاثة الفنار، وعوض، وسيد غريب كعتبات للفقد والبحث عن ماض عظيم دافئ وزخم كنت فيه ولع لحد الطيران، النصوص الثلاث كتبوا في أول رحلة الهجر والتهجير القسري عن المكان الفعلي بورسعيد".
وبسبب التهجير عاش "عبد الرحيم" في القاهرة ثلاثين عامًا يصفها قائلًا: "كانت الكآبة والقلق الوجودي والحيرة كما هما، طرت كثيرا وعملت بالسينما والمسرح وكومبارس ومساعد مخرج، ومساعد دراما لمخرجين وكتاب كبار، ومحاور لعشرات المفكرين في كافة مناح المعان والأفكار ومسارات الإبداع ولم أجد ضالتي، فاستعدت النصوص الثلاث وانطلقت من خلالها من جديد لأنني أحسست - رغم طرقي لعتبات الخمسين - أنني لم أزل مكبوح الجماح، هواي وصداقاتي وحبي هناك، وثمة ماض عظيم، صوت البحر وطلات ونس من غرباء، ودهاليز سفر وتوق وأحلام سفر للجانب الآخر من البحر".
واستطرد: لا أكذب إن قلت إنني حاولت في شخص ثالث تبديد كل ما يربطني من حنين في ما يخص مكان ميلادي "بلدي"، بيتنا القديم في حي العرب مجد أبي وعزه وتاريخه المنسي وصحباتي في حي الإفرنج والجمهورية وعتبات دور السينما فهناك الحياة".
وتابع: "شخص ثالث" مرثية لتفتيت الحنين المخادع الباقي؛ أردت أن أودع نقاط ضعفي من خلال كتابة شخص ثالث، فاستكملت كتابة نصوص أشبه بعصف وترحال ونزق، وأحلام مجهضة تبلورت في عشرة نصوص، تجمعهم تيمة واحدة في مسار الاغتراب قبل التلاش شخص ثالث هي بعضا من مراي ذاتي. قبضت عليها لنسف مناطق ما من النوستالجيا المؤبدة وطي صفحات غليظة من المراوحة مابين هناك وهنا؛ "هناك" لفظني المكان بلا حصاد حياتي ملموس. وهنا حسرات توالت. فاستدعت جمرا ما ساعدني على التخلص من ثمة مكبلات".
الروح الشعرية عند "عبد الرحيم" سيطرت على نصوص مجموعته شخص ثالث، فبعض القصص عندما تقرأها تشعرك بكونها قصيدة نثرية مثل مطلع قصة فريدة، لكن بعض النقاد يشيروا دائما إلى إن الشاعرية تقتل السرد أحيانا؟.
وهذا الكلام لايتفق معه الكاتب كثيرًا إذ يقول: "إن الشعرية لاتقتل السرد على الإطلاق، إلا لمن يبحر في عالم كتابته أوسروده بلا مجاديف لائقة ومخصصة".
ويتابع: "لمن يريد الغوص في عالم كتابي عليه أن يستنطق دلالاته أو مغزاه أو الدافع لكتابته حيث إن الشعرية هي منحى عميق ولائق وله ثمة دوام في غالبية نصوصي قصصية كانت أم سردية مفتوحة أو حتى روائية".
وأضاف: "كتبت القصيدة النثرية في مناح ليس مفتوح ولا منتهي ببعض تماريني على الكتابة، لكنها كانت في مناطق أخرى ترتبط بما ذكرت انت محاولاات للتجريب في كتابة شطحات نثرية تتوائم وحالاتي المزاجية وأهوائي؛ أما في شخص ثالث فكانت أدواتها تتناسب مع عالم فيه من الحلم والشفافية والطلاوة مايستدعي بعضا من شعرية وهذا ليس جديدا على الكتابة بشكل عام؛ فجبرا إبراهيم جبرا، وفوكنر وإيطالو كالفينو وجوزية ساراماجو وهرمان هسة وحتى كواباتا ونجيب محفوظ تغلف الشعرية بعضا من نصوصهم.
واستطرد: "لكن السؤال الأهم كيف يطرح هذا ويبلور زخرف جمالياتك وحرفتك في صنع فنية ما تزيد من تجليات ما تكتب عنه؟؛ فقصة مثل فريدة فيها من شفافية وبكارة التجربة أن تكتب عن إبنتك وأمك في آن وهن لايتشابهن في شيء؛ هناك ثمة روائح في الكتابة في شخص ثالث وفي نصوص أخرى".
في شخص ثالث هناك فلسفة عميقة تربط بين الإنسان والمكان تدفعنا للتساؤل هل المكان من وجهة نظر حسين عبد الرحيم، روح ونبض أم مجرد مكان وطبيعة؛ فيرد: "المكان روح ونبض في وعي الكاتب ولاوعيه قبل ذلك، المكان على الدوام هو المحفز لكتاباتي في أي مسار، للمكان نفس وروح وأهواء ومساحات من الضيق والوسع والخنقة والأحلام مكاني الخاص جدًا هو حواسي وروحي".
وتابع: "أنا كئيب بطبعي، حاد، عصبي، وصبور؛ أكره رائحة الدخان والعوادم، لكن لهذه العوادم أو الأبخرة في أماكن ما بعينها أكون منساق وراء ثكنة ما في الواقع تفجر مناطق إثارة عندي لأجدني أكتب عن مكانا واحدا مثلا بحب وفجر وكفر ونزق ومرار دائم وفيه قتل وهوى".
ويقول حسين عبد الرحيم عن اللغة: "إن هناك أطر تحددها، هذه الأطر مرتبطة ببلاغة ما، ولغة حواس ظاهرة ودرجة وعي مبطنة تكتب لقارىء ما أقصده أولًا في كل كتاباتي هو ذلك القارئ المشارك في الهم الجمعي".
وتابع: أسعى للإشتباك مع قارئ يتوحد مع أزماتي".. أرغب في قاريء كلاسيكي النزعة واسع الخيال مرتبك ومتورط ورحال بالمعان وعدم ثباتها عند اصطدامها بحيواتنا الواقعية البائسة؛ فباللغة هناك أطماع لاتحصى في قارئ خفيف وعشوائي ينسجم مع الشعرية والخفة مثلا وقارىء تيك أواى كآكل الشاورمة والهامبورجر فاللغة أداة تواصل لا بدَّ للكاتب ان يكون حاذقا في بناءاته وسبر اغوارها في الكتابة بشكل عام ومجرد".
تتكرر مشاهد البحر في شخص ثالث ليترك ظلالًا وتأثيرًا نفسيًا نريد أن يوضحه لنا الكاتب، الذي يقول: "أنا ابن بحر وللبحر سحره؛ ومن نفراته وهياج أمواجه في صغري بنيت أحلامي وشيدت فوق تلال رملية دائما ما كنت ارسمها على ورق وفوق الشاطيء فوق الرمال فتنهدم وتغلي وتفور الأمواج صوب البصر؛ لأبي جولات معي رسخت من تلك الثوابت الجحيمية؛ كنت في العاشرة عندما كان أبي يرافقني وقت الغروب على الشاطىء وننظر سويًا للجانب الآخر من البحر، فترك سفنا ومراكب مزدانه بالأنوار في الغاطس.
ويضيف: "في حي المناخ وبعد النعاس وقرب الفجر أستيقظ على صوت البواخر والسفن التي تمر في ممر القنال لصوت الموج دفء وأحلام تطير وونس؛ خشيت النيل عندما نزلته في مرة وحيدة وعاركت البحر بجنون، رغم أنني غير ملم بكل فنون الغوص التقليدية؛ في البحر المتوسط كان غنائي بصوت عالي خشيت ان يسمع على البحر؛ للبحر حرية لا تحسها إلا الطيور".
تعتبر هذه المجموعة القصصية الصادرة هذا العام عن الهيئة العامة للكتاب، هي العمل الأدبي الثامن لعبد الرحيم الذي صدر له من قبل رواية "عربة تجرها خيول " عام 2000 عن الهيئة العامة المصرية للكتاب؛ مجموعة قصصية بعنوان "المغيب" عام 2002 عن الهيئة العامة لقصور الثقافة؛ رواية "ساحل الرياح " عام 2004 عن الهيئة العامة المصرية للكتاب؛ رواية "المستبقي" عام 2007 عن دار ميريت للنشر؛ كتاب سيرة ذاتية بعنوان "شهادات الحب والحرب" عام 2013 عن هيئة قصور الثقافة؛ مجموعة قصصية بعنوان "زووم إن" عام 2014 عن المجلس الأعلى للثقافة؛ وهذه الكمية من الكتب يعتبرها البعض قليلة بالنسبة لمسيرة عبد الرحيم الأدبية التي بدأها منذ فترة الثمانينيات.
وفي هذا الصدد يقول: "أنا مقل نسبيا دا لو تحدثنا عن بدء رحلة الكتابة؛ وهذا يعود سببه المباشر، لإرتباطي بمهن ثلاثة من أجل لقمة العيش كما يقال؛ الصحافة وإعداد بعض البرامج على فترات؛ ومهنة الصحافة منهكة ومعطلة؛ ولا بدّ من الإخلاص والتفرغ للكتابة الإبداعية فقط؛ أحلم بهذا".
كتب عن أعمال عبد الرحيم الأدبية كل من النقاد والأدباء، إبراهيم فتحي، هيثم الحاج على، شاكر عبد الحميد، البروفيسير فاروق عبد الوهاب أستاذ الأدب العربي بجامعة شيكاغو؛ إبراهيم عبد المجيد، مصطفى الضبع، أمجد ريان، أحمد رشاد حسانين، أمينة زيدان، سلوى بكر، ميرال الطحاوي، صلاح السروي، شيرين أبو النجا، يسري عبدالله، قاسم مسعد عليوة، وأمجد ريان؛ وعن دراساتهم النقدية يقول عبد الرحيم: "كل منهم صب وعيا وجمالا في نهري وفتح نصوصي للتلقي".
وبالنسبة للجوائز الأدبية وأهميتها عند الأديب يؤكد أن "الجوائز محفز للكتابة وتعطي للكاتب أملا جديدا في جدوى حياة الكتابة؛ وخاصة في ظل الصعوبات المادية الذي يواجهه المبدع في مجتمعنا الضحل وتعطي شعورا بالفرح والإنتشاء بالنسبة للكاتبى وتغنيه بشكل ما وقتي ونسبي عن العوز لكي يتفرغ كلية لما يريد أن ينجز فهي حق مشروع للأديب".
وعن مشهد القصة القصيرة في الوقت الراهن، التي يراها البعض بأنها أصبحت مغتربة وبعيدة عن الواقع؛ لكن هذه النظرة لا يتفق معها عبد الرحيم إذ يقول: "هناك ثمة مداد حيوي أشبه بانفجارة في مسار القصة القصيرة أقله مصريا وعربيا وإلا ماكنا سنرى كل هذه الجوائز وآخرها جائزة الكويت ومن قبلها ساويرس وجائزة سلطنة عمان وجوائز الدولة في مصر وغيرهم؛ فللقصة كل الوهج، وهذا مع اختلاف مناحيها واسماءها. وكينونة بناءها، هناك عشرات الأسماء استفادت من تراكمات إدريس ومحفوظ منهم إبراهيم صموائيل السوري وزكريا تامر وأبو النجا ومجيد طوبيا والغيطاني وصبري موسى وخيري شلبي، ومحمد مستجاب والجيل الأحدث ومنهم مدحت جاد الرب وهاني عبد المريد وحمدي الجزار وشريف عبد المجيد ومحمد محمد مستجاب ةالكاتب الموهوب محمد عبد النبي؛ فلمصر أشجار مثمرة في حقول الإبداع لم ولن تنضب.
وقال "عبد الرحيم" عن بورسعيد والمشهد الأدبي بها: "في بورسعيد هناك أسماء لامعة في حقول القص والشعر منهم على سبيل المثال الراحل العم أحمد عوض، والكاتب الجميل محمد الأقطش، والشاعر محمد النادي والسيد زرد والناقد أحمد رشاد حسانين والراحل الجميل الشاعر إبراهيم أبو حجة ومحمد عبد الهادي وصلاح عساف والناقد محمد السلاموني ولأنني لم أعد في تواصل شبه دائم مع بعض الأسماء ممن ذكرت أجدني بعيدا، بل زاد بعدي، لأنني لم أكن يوما منتميا لأية جماعات".
وتابع: "كتابات مناطق القناة في الغالب السويس. وبورسعيد والإسماعيلية يغلب عليها الطابع الملحمي والتأريخي لما ارتبطت به من جهات مواجهة مع الآخر الإسرائيلي الصهيوني، نجد هذا حتى في الأغاني، في مناهج السمسمية، وتعدد إطلالاتها؛ في مؤلفات المقاومة عند كابتن غزالي وأشكال شعر وغنى عند كامل عيد وروايات قاسم عليوة وهناك الأنماط الأدبية في بورسعيد تتماس مع روح أدباء سيناء".