السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا لتقييد الصحافة.. لا لحبس نقيب الصحفيين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أظن - وليس كل الظن إثمًا - أن الحكم القضائى بحبس نقيب الصحفيين وعضوى المجلس ليس مجرد حكم على ثلاثة من الصحفيين يقودون العمل النقابى الصحفى فى مصر، بل هو حكم يشوه مهنة الصحافة برمتها وصورة مصر فى العالم الخارجى، ويضرب بالمواثيق الدولية عرض الحائط، وهذا الحكم ليس له علاقة بأشخاص بقدر ما أنه يمس مهنة الصحافة التى تعد من أقدس وأقدم المهن!
ولا بد ألا يمر هذا الحكم مرور الكرام، بالرغم من أنه فى درجاته الأولى، ولا ينبغى أيضًا لنا التعليق على أحكام القضاء المصرى النزيه، ولكن تداعيات الحكم نفسه قد أصابت العديد من فئات المجتمع بالاستغراب والدهشة، لأن القضية أخذت أكبر من حجمها تماما منذ البداية، وكان واضحًا أن هناك ترصدًا من قبل الأمن والحكومة بالصحفيين عندما تمت إثارة بعض القضايا المصيرية بالصحف تتعلق بمستقبل البلاد وحقوق أجيال قادمة، مثل قضية جزيرتى تيران وصنافير وسد النهضة الإثيوبى فى حين اعتبر البعض الحكم على نقيب الصحفيين حكمًا سياسيًا بحتًا ضد الجماعة الصحفية التى قامت بمظاهرات قبل حادثة اقتحام النقابة من قبل رجال الأمن والقبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا عندما تجمع عدد كبير من الصحفيين والجمهور للتنديد بسعودية جزيرتى تيران وصنافير، ربما يكون الهدف منه أيضًا تركيع الصحفيين وكبت حرياتهم وتكميم أفواههم والنيل من المعارضين للسلطة منهم، وإظهار العين الحمراء لهم، وبث رسالة تحذيرية لهم بإمكانية أن يفعل بهم أكثر من هذا إذا تمادوا فى غيهم ومآربهم الشيطانية ونقدهم الصارخ للحكومة والدولة التى ربما لم تتعود على هذا النقد من قبل، بل وصل الأمر إلى بث أخبار كاذبة فى بعض المواقع للتلويح ببدل التكنولوجيا للصحفيين والمقايضة عليه، ربما لأن الدفاع عن شرف المهنة وكرامة المؤسسة الصحفية ووحدة الصحفيين هو الهدف العام المشترك للصحفيين .
فقد دارت معارك سياسية كثيرة خاضتها النقابة منذ نشأتها عام ١٩٤١ دفاعًا عن الحريات العامة وحرية الرأى والتعبير، انتصرت النقابة فى معركة السادات لتحويل النقابة إلى ناد، بعد معارضة الصحفيين للتطبيع مع الكيان الصهيونى، وانتصرت فى معركة القانون ٩٣ لسنة ٩٦، وخاضت نضالًا مريرًا لمنع حبس الصحفيين فى قضايا النشر والرأى!
ودور النقابة المعروف فى شتى بقاع العالم هو الدفاع عن أعضائها، وهى مقر ومأوى لكل الصحفيين - وليس المطلوبين للنيابة بالطبع - ولم تكن مكانًا لإيواء أى عناصر خارجة على القانون، وأنه من حق الصحفى اللجوء إلى نقابته حينما يتعرض لأى مشكلة أو أزمة، وهذا من بديهيات العمل النقابى لأى مهنة ليس الصحفيين فقط وإنما للمحامين والأطباء والصيادلة والمهندسين ونادى القضاة أيضا!
ولم يحدث فى أى عهد أن تم حبس نقيب الصحفيين، كما أن إخلاء سبيل النقيب والسكرتير العام ووكيل النقابة فى مايو الماضى كان بكفالة مالية، وهى الواقعة الأولى من نوعها فى تاريخ النقابة، لتنضم إلى قائمة النوادر التى لم تحدث من قبل، فالصحفى ينتهك يوميًا فى عمله ويقاتل من أجل الحصول على المعلومات التى تتعمد السلطة والمسئولون بالدولة إخفاءها عن الرأى العام لغرض فى نفس ابن يعقوب، وهم أيضا يقتلون فى الميادين دفاعًا عن حرية الرأى والمهنة مثل الشهيد الحسينى أبوضيف وميادة أشرف وغيرهما الكثير والكثير من هؤلاء الصحفيين الشجعان الذين يواصلون مواجهة القمع من أجل نقل وتوصيل الأخبار وتوعية الجمهور بحقه فى المعرفة. ناهيك عن تعرض الصحفيين للعنف الجسدى والاضطهاد والمضايقات من كل صنف، سواء كان ذلك من موظفين رسميين فى السلطة أو المجرمين أو الإرهابيين. والاعتداءات يومية على أولئك الذين يتحدّون الحكومات أو يعدون تقريرًا عن صراع أو يحققون فى الفساد والجريمة ويتحملون الأجور المتدنية جدًا بصبر ودأب وصمت والتى تعد الأقل والأدنى أجورًا فى البلاد بعد رواتب الشرطة والقضاة والجيش والوزارات وموظفى البنوك! ولا ننسى أن الصحافة هى من ساعدت على إسقاط نظام مبارك وحكم الإخوان ودعمت بقوة ثورة ٣٠ يونيو، وكانت فى مقدمة الصفوف دائمًا وهى الملاذ للمواطنين فى الشدائد، وهى السلطة التى يحتمى بها كل صاحب مظلمة.
بلا شك هو يوم حزين فى تاريخ الصحافة من الناحيتين السياسية والمهنية، فطوال ٧٥ عامًا، هى عمر نقابة الصحفيين المصريين، لم تصدر أحكام قضائية بشأن النقيب، رمز النقابة، رغم شراسة المعارك وقسوتها أحيانا. وهو حكم يؤكد أن الصورة السياسية عن حرية الصحافة مشوشة وغير معتد بها داخل نظام الحكم، الذى لا يحتمل فضيحة دولية بمثل هذا الحجم! وأعتقد أن هذه القضية كانت تحتاج إلى المواءمة السياسية فى التعامل معها أكثر منها قضائيًا وقانونيًا.. فربما تمت إثارة هذه القضية الآن للتغطية على بعض القضايا الصحفية، مثل غلق نحو ٥٠٪ من المطابع، حسب غرفة الطباعة، نتيجة لارتفاع أسعار مستلزمات الطباعة بعد الارتفاع الجنونى فى الدولار، بعد قرارات الحكومة بتعويم الجنيه ورفع أسعار الوقود، فضلًا عن معاناة الصحف والمجلات وعدم المقدرة على طبع الكتاب المدرسى فى التيرم الثانى، وهناك اتجاه برفع أسعار الصحف نتيجة لارتفاع أسعار الورق وجميعها فشل حكومى بامتياز!.
لا بد من إنهاء هذه المهزلة التى تتعرض لها الجماعة الصحفية التى تعمل لصالح الوطن بدلًا من قمعهم! يقول وودرو ويلسون، الرئيس الأمريكى الأسبق: «القمع هو بذور الثورة».