الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الكرة والسياسة.. من يحرك الآخر؟!

كرة القدم والسياسة
كرة القدم والسياسة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في الوقت الذي ينتظر فيه المصريون مباراة مصر وغانا، غدًا، للتأهل لكأس العالم 2014 بترقب، رافعين شعارات الكرامة والتحدي، ينتظرون في نفس الوقت الذكرى الثانية لأحداث محمد محمود، ما يدفع للتساؤل حول علاقة السياسة بكرة القدم، ومن منهما يحرك الآخر؟

خاصةً أن كرة القدم هي اللعبة الأكثر جماهيرية في العالم، ويبلغ مشجعوها مليارات البشر، وكيف تسببت هذه اللعبة من قبل في اندلاع حرب بين دولتين، واستغلها -أي الكرة- معظم حكام العالم لزيادة شعبيتهم.

حاولنا في هذا الملف التطرق لعلاقة الكرة والسياسة في مصر، وكيف تؤثر كرة القدم على طريق التنمية، ووظيفتها في صناعة انتصارات لدى الشعوب بل ودول بأكملها، وكيف تنعكس شخصيات الشعوب داخل الملاعب، وأخيرًا صورة الكرة في الأدب والسنيما.


حكام مصر وكرة القدم

 لم تبتعد السياسة يومًا عن الساحرة المستديرة خاصةً في مصر، وكما يقول الكثيرون فإنها أصبحت وجهًا آخر للسياسة، حتى تحولت الملاعب إلى ساحة مصغرة للصراعات السياسية.

والحق يقال إن أغلب حكام مصر استخدموا الكرة واعتبروها وسيلة مناسبة لحشد الجماهير، يستثنى من ذلك الرئيس الراحل محمد أنور السادات رغم مقولته الشهيرة "إن الشعب المصري بيفطر فول ويتغدى كورة ويتعشى أم كلثوم".

وكان ملك مصر والسودان، فؤاد الأول، من أبرز الأوائل الذين اهتموا بالرياضة عامةً والكرة خاصةً لزيادة شعبيته، فيحكي الكاتب ياسر أيوب، في مقال له نشر في مجلة الأهرام الرياضي، في العدد 1122عام 2011، أنه عام 1928 حرص الملك فؤاد على لقاء وتشجيع الوفد المصري، الذي شارك في دورة أمستردام الأوليمبية، في حادثة أولى من نوعها تصدرت عناوين الصحف وقتها، ومن اللافت للنظر أن أول مباراة للفريق المصري كانت ضد الفريق التركي، ما أشعر المصريين بأنها ليست مجرد مباراة، والانتصار ليس رياضيًا فقط ولكنه سياسي أيضًا، حيث لم ينس المصريون أنهم كانوا تحت ولاية الدولة العثمانية لفترة طويلة من الزمان، ولم يكن مستغربًا أن تنشر الأهرام بروازًا في عددها الصادر في 28 مايو عام 1928، تطلب فيه من كل المصريين الدعاء للفريق المصري للانتصار على الفريق التركي.

أما الملك فاروق وحزب الوفد فكان لهما حكاية كبيرة في استخدام التنافس الرياضي في جذب الجماهير نحوهما، عن طريق ناديي الزمالك والأهلي.

فحرص فاروق على التأكيد بأنه الملك الرياضي وعلى حضور مباريات كرة القدم، وفي عام 1194 حضر مباراة نهائي كأس مصر التاريخية بين الزمالك والأهلي، والتي فاز الزمالك فيها على الأهلي 6-0، ما جعله يطلب من حيدر باشا، وزير الحربية، ورئيس النادي وقتها أن يغير اسم النادي إلى نادي فاروق، وتولى إسماعيل بك شيرين، من أسرة محمد علي منصب نائب رئيس النادي.


ولم يقف مصطفى النحاس، زعيم حزب الوفد، وقتها متفرجًا أمام الملك الذي يريد كسب قلوب الشعب عن طريق الكرة، فتقرب هو وكتلته الوفدية أكثر الى النادي الأهلي، خاصةً أن فؤاد سراج الدين، أحد قادة حزب الوفد، كان متحكمًا إلى حد كبير في الأهلي، ما أشعر الملك فاروق بالخطر وفقدان سيطرته على النادي، فدفع أحمد حسانين باشا، رئيس الديوان الملكي، ليصبح رئيس النادي الأهلي عام 1944، حتى يضمن نادي فاروق "الزمالك" الفوز بسباق الكرة في النهاية.

كانت هذه حكاية من ضمن الحكايات، لكن الشعبية الواهية للقصر سقطت تحت وطأة الظروف الاقتصادية الطاحنة ورغبة الشعب المصري في الاستقلال من الاحتلال الإنجليزي، فقامت ثورة يوليو.

وتحولت الكرة في هذه الفترة إلى أداة تعويضية عن التغييب السياسي، بعد إلغاء الأحزاب بقرار من قيادة الثورة في يناير 1953، وفقد بذلك الكثير من مشجعي السياسة منفذهم للتعبير عن مشاعرهم وانفعالاتهم، فاتجه الكثير منهم الى كرة القدم، وكانت إلى جانب المسرح والمشاريع الثقافية وغيرهم إحدى أدوات نظام يوليو، لسد الفراغ السياسي الذي خلفه إلغاء الأحزاب السياسية.

وأصبح الحزبان الكبيران في مصر هما الأهلي والزمالك، وصارت المعارضة هي نوادي الأقلية، وتقلد قادة الثورة وأصحاب النفوذ القريبون من النظام الجديد رئاسة الأندية الرياضية والاتحادات الرياضية، فكان الفريق أول عبدالمحسن كامل مرتجى، قائد القوات البرية في حرب اليمن، رئيسًا للنادي الأهلي، ومن قبله الفريق أول صلاح دسوقي، بينما تولى حسن عامر، أخو الفريق أول عبدالحكيم عامر، رئاسة نادي الزمالك، ناهيك عن بقية مجلس قيادة الثورة الذين تقلد أغلب أعضائه رئاسة اتحادات رياضية وأندية أخرى.


وقد تخيل قادة يوليو أن الكرة وسيلة مناسبة لحشد الجماهير خلفهم، واهتموا بها أكثر من اهتمامهم بتطوير الجيش المصري، ففي مايو عام 1967، وقبل أيام قليلة من الهزيمة على يد الكيان الصهيوني، نشرت الصحف القومية خبرًا يدل على مدى الأزمة التي وصل لها قادة الجيش، فكان الخبر يقول إن القادة الكبار في الجيش المصري، برئاسة الفريق عبدالحكيم عامر، في اجتماع طارئ لمناقشة انتقال اللاعب "لمعي" الذي كان مشهورًا وقتها من ناد لآخر.


أما النظام الأكثر اهتمامًا بالكرة، كان نظام مبارك، فالرئيس الأسبق والذي باتت شعبيته متدهورة في الشارع المصري، والذي كان يمهد الساحة لاعتلاء ابنه "جمال مبارك" كرسي الحكم، والذي لم يكن له شعبية أيضًا، لم يجدا في جعبتهما الخاوية سوى الكرة، لاكتساب شعبية زائفة معتقدين أنها ستمرر سياساتهم الفاشلة ومشرعوهم للتوريث.

ويبرز هنا 2 فبراير عام 2006، الذي واكب غرق عبارة السلام 98، والتي راح ضحيتها المئات من المصريين، كان اليوم التالي للغرق، مباراة لمصر في كأس الأمم الإفريقية واهتم وقتها مبارك بحضور المباراة والحشد الإعلامي لها، متناسيًا الجثث التي مازالت تطفو على سطح البحر الأحمر، ونجحت الكرة في إلهاء الشعب المصري عما حدث.

أما مبارك الابن فكانت له شلته الرياضية والإعلامية، فتكونت من مشاهير عالم الكرة مثل أحمد شوبير ومدحت شلبي ومحمد أبوتريكة الذي يقول على نفسه إنه إخواني الآن وغيرهم.

فحرص كلٌ من مبارك الأب والابن على حضور مباريات الفريق القومي، بل والهتافات وسط اللاعبين باعتبارهم مواطنين مصريين، فكان هتافهم الأبرز والذي يحمل دلالة سياسية واضحة "زي ما قال الريس منتخب مصر كويس"، هذا وقد وجد نظام مبارك أن مباراة مصر والجزائر في 2009 للتأهيل الى كأس العالم 2010 مناسبة جيدة لإبراز الوريث، فصنعت معركة وهمية حامية، ويصرح جمال مبارك أن كرامة المصريين أُهدرت ولابد من الثأر، وللأمانة فقد تعامل النظام الجزائري مع المباراة بنفس المنطق، أما بعد ثورة 25 يناير فقد أصرّ المجلس العسكري رغم الاضطرابات السياسية، على عودة الدوري متوهمين أنه سيوقف التظاهرات التي تخرج ضدهم.


ووقعت الكارثة في مباراة الأهلي والمصري وما أطلق عليه مذبحة بورسعيد، والتي راح ضحيتها 73 من مشجعي الأهلي والمصري.

وكان موعد المباراة يواكب الذكرى الأولى لموقعة الجمل، ما دعا المنظمة المصرية لحقوق الإنسان لتؤكد أنّ الحادثة هي جريمة مكتملة الأركان استهدفت في المقام الأول النادي الأهلي وجماهير أولتراس أهلاوي، لمعاقبتهم على مواقفهم من الثورة المصرية، ووقوفهم مع الثوار في موقعة الجمل.

بينما استغل الإخوان الحادثة في صراعهم مع كل القوى السياسية وابتزاز المجلس العسكري وقتها حتى يصلوا الى السلطة، فصرّحت الجماعة على لسان عصام العريان أن "أحداث بورسعيد مدبرة ورسالة من فلول النظام البائد" هذه المأساة سببها إهمال وغياب متعمد من الجيش والشرطة، لإيصال إشارات ورسائل محددة يتحمل مسئوليتها المسئولون حاليًا عن إدارة البلاد.

الانهيار لم يكن في منشآت رياضية، ولكن في المنظومة الأمنية، كانتقام ضدنا من الدعوة لإلغاء حالة الطوارئ وتخريب متعمد للبلد في ذكرى الثورة، هناك من يريد عن عمد إثارة الفوضى في مصر وعرقلة أي مسار للانتقال السلمي للسلطة"، بينما استغلها اتحاد الكرة، برئاسة سمير زاهر، لكسب تأييد وشرعية بعد الهجوم الضاري على المجلس بعد الثورة.


بينما أُستغلت مباراة الذهاب بين مصر وغانا في المباريات المؤهلة لكأس العالم 2014 في الصراع السياسي، حيث قادت جماعة الإخوان حملة ضد الفريق المصري، بل ورفع الكثيرون منهم أعلام غانا، خافت الجماعة من حشد جماهيري للنظام بعد 30 يونيو أو باعتبار المنتخب المصري منتخب الانقلاب كما يدعون، بينما اعتبر المصريون المعادون للإخوان أن فرحتهم انكسرت وأن كرامتهم تلوثت ورفعوا شعارًا سياسيًا من الدرجة الأولى لمباراة العودة "مباراة الكرامة.. أيوه نقدر" في تشبيه يذكرنا بشعار الرئيس الأمريكي باراك أوباما “ yes we can“ في معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ضد جورج بوش في 2008، ليعطينا دلالة بأن المباراة بالنسبة للمصريين ليست مجرد نصر رياضي، ولكنها نصر نفسي ومعنوي وسياسي أيضًا، خاصةً أن موعد المباراة يواكب يوم ميلاد الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وذكرى محمد محمود معًا.

كانت الكرة وسيلة حكام مصر لحشد المصريين، ولكنهم لم يعوا أن الشرعية المستمدة من الساحرة المستديرة زائفة، وأنها تهاوت تحت وطأة الواقع، وعلى رأي الشيخ إمام وشاعرنا أحمد فؤاد نجم "لا كرة نفعت ولا أونطة.. ولا مناقشة وجدل بيزنطة" .


العالم يشتعل بسبب كرة القدم

 قال اللاعب الإنجليزي "بيل شانكلي" البعض يعتقد أن كرة القدم هي مسألة حياة أو موت، وأنا مستاء جدًا من هذا التفكير لأنني أستطيع أن أؤكد أن اللعبة أكثر أهمية بكثير من الحياة، قد تصدق مقولة "شانكلي" في كثير من الأحيان، فمن يستطيع أن يتصور أن مجرد مطاط تتقاذفه الأقدام قد يستخدم في إشعال فتيل الحروب، أو في تأجيج الصراعات الدولية.

ولعل الحادثة الأكبر في العالم، هي الحرب التي وقعت بين دولتي السلفادور وهندوراس والتي سميت "حرب كرة القدم"، عانت العلاقات بين الدولتين توترًا واضطرابات كبيرة قبل المباراة، فتعود الحكاية الى السلفادور حيث سيطر مجموعة من الإقطاعيين على معظم الأراضي الصالحة للزراعة، في منطقة مكتظة بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة زمن الحرب في 1969،على مساحة 12 ألفًا و600 كيلو متر مربع، ما سبب بهجرة أكثر من 300 ألف من فلاحي السلفادور الفقراء إلى جارتها هندوراس، الفقيرة مثلها، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة في البلاد التي كان سكانها مليونين و233 ألف نسمة، لكن مساحتها تزيد على 70 ألف كيلو متر مربع.

وزادت الأمور تعقيدًا بين الدولتين قبل المباراة، حيث قررت حكومة هندوراس حظر امتلاك الأراضي على مواطني السلفادور، كما طرد سلفادوريين عاشوا فيها لأجيال، وعلى أثرها، انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ولعبت وسائل الإعلام في البلدين دورًا تحريضيًا ـ بموقف يذكرنا بما لعبته وسائل الإعلام في أزمة مصر والجزائرـ فلعبت دورًا مهمًا في احتدام الأمور.

وفي تصفيات بطولة كأس العالم بكرة القدم لعام 1970، دخلت هندوراس والسلفادور في مواجهة حاسمة لتحديد الفريق الذي سوف يتأهل إلى المباراة النهائية التي تقرر إقامتها على ملعب في المكسيك وفازت السلفادور 3/2 في الوقت الإضافي، فصعدت الى الدور النهائي للتصفيات.

نزل الآلاف من أهالي هندوراس الى الشارع غاضبين، وراحوا يعتدون على الفقراء السلفادوريين المقيمين عندهم، وتطورت الأمور الى مهاجمة أحياء يقيم فيها السلفادوريون، ممن اضطر معظمهم للفرار إلى بلادهم تاركين ممتلكاتهم وبيوتهم، واندلعت الحرب.

وبدأ القتال فجأة برًا وجوًا في 14 يوليو 1969، وانتشرت القوات البرية للجيشين على طول الحدود، وبدأ القصف المدفعي عشوائيًا من الطرفين على القرى والبلدات في البلدين، وانتهكت طائرات هندوراس أجواء السلفادور مرات ومرات، فردت السلفادور بهجوم بري واسع النطاق وتوغلت قواتها لمسافة زادت على 60 كيلومترًا داخل الأراضي الهندورية، لذلك ردت هندوراس بغضب، وقصفت مدينتي سان سلفادور وأكابوتل بالقنابل، فقتلت مئات المدنيين.

استمرت الحرب 100 ساعة وانتهت بقتل أكثر من 4000 إنسان، معظمهم مدنيون، ومعهم 10 آلاف مشوّه و120 ألف مشرد، ودمار مئات البيوت والمنشآت التي تزيد قيمتها اليوم على ثمانية مليارات دولار.


وللكرة حكاية أخرى مع موسيليني وهتلر، فلم يستخدموها في الصراعات الدولية ولكنهم وظفوها في حشد الملايين خلفهم وخلف مشاريعهم الفاشية والنازية قبل الحرب العالمية الثانية مباشرةً.

‏فالزعيم الفاشي بينيتو موسوليني، الذي حكم إيطاليا خلال الفترة ما بين عامي 1922 و1943، كان مصممًا على استغلال نهائيات بطولة كأس العالم، التي جرى تنظيمها في إيطاليا خلال 1934 للترويج ولاستعراض الفكر الفاشي، فيما كانت الساحة العالمية تغلي ببدايات الحرب العالمية الثانية.

ويقال إن "موسوليني" كان يهدد رجال الفريق القومي الإيطالي بالموت إذا لم تستحوذ بلاده على هذه البطولة‏، وتردد أنه قبل كل مباراة من مباريات تلك البطولة كان يجري توجيه رسائل تهديد للاعبي الفريق‏، وكان هو يصف هذه الرسائل بأنها رسائل تشجيعية‏.‏

ويقال إنه خلال اللقاء الكروي الذي جرى بين إيطاليا وإسبانيا، بعث موسوليني برسالة للفريق الإيطالي يقول نصها "اسحقوا الإسبان وإلا فالويل لكم"، وقد جاء جانب من هذه القصص المثيرة في كتاب يحمل اسم "قصص كأس العالم" الذي عرضته هيئة الإذاعة البريطانية في برامجها.

أما "هتلر" فقد اهتم بالرياضة بشكل عام لترويج مشروعه النازي، ففي عام 1931، رصدت الحكومة الألمانية 3 ملايين دولار كميزانية للدورة الأوليمبية التي أقيمت في برلين، وكان رقمًا كبيرًا آنذاك، ولكن حين وصل "هتلر" للسلطة عام 1933، رفع ميزانية الدورة عشر مرات وجعلها 30 مليونًا، وكان رقمًا فلكيًا وخرافيًا في هذا الوقت، وقال لوزير الدعاية النازي جوزيف جوبلز: الكرة في ملعبنا، ولدينا الآن فرصة ذهبية لاستعراض تفوق الجنس الآري، وعرض أحدث المنتجات الصناعية والتكنولوجية والأيديولوجية!

وكان الهدف أن تصاب الدنيا كلها بالذهول للتفوق الألماني، وورد هذا الهدف في وثائق الرايخ الثالث.

أراد "هتلر" أن تكون دورة برلين الأوليمبية رسالة للعالم شرقًا وغربًا، مفادها أن النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في ألمانيا هو النموذج الأعلى، والوسيط الأمثل بين التطرف يمينًا ويسارًا، بين الرأسمالية والشيوعية.

ومع احتلال ألمانيا للنمسا، أجبر هتلر النمسا على الانسحاب من بطولة كأس العالم‏، وعلى ضم الفريق النمساوي إلى ألمانيا، ‏ حيث كان الفريق القومي النمساوي واحدًا من أكبر فرق كرة القدم في العالم آنذاك‏.

وفي 29 مايو من العام 1985، حدثت كارثة كروية أخرى، في العاصمة البلجيكية بروكسل، التي كانت تتحضر لاحتضان النهائي الحلم بين ليفربول الإنجليزي ويوفنتوس الإيطالي في نهائي كأس أبطال أوروبا.

ففي مدرجات ملعب "هيسل" وقعت حادثة مروعة، عندما توجهت جماهير الفريقين التي قدرت بحوالي 60 ألفًا إلى الاستاد قبل ساعات من انطلاق المباراة، وكثرت المشاحنات بين الطرفين وسط سيطرة أمنية هشة من الرجال المكلفين بحفظ الأمن، فتبادل المشجعون الشتائم، ثم تطور إلى التقاذف بالأشياء، حتى شن بعض الـ"هوليجانز" من مشجعي ليفربول هجومًا على المدرج المخصص للمشجعين الإيطاليين، ما أدى إلى انهيار أحد الجدران المتهالكة في الاستاد، تحت وطأة ركلات المشجعين فقتل على الفور 39 مشجعًا، 34 إيطاليًا وبلجيكيان وفرنسيان وأيرلندي بالإضافة إلى 700 جريحًا.

وأعقب ذلك مواجهات عنيفة بين الجماهير، ما دفع اللاعبين إلى حثهم على التوقف لانطلاق المباراة التي انتهت بفوز يوفنتوس بهدف وحيد سجّله النجم الفرنسي ميشال بلاتيني، من ركلة جزاء مشكوك في صحتها، بعد خطأ ارتكب على البولندي زبيغنيو بونييك على بعد سنتيمترات من خط منطقة الجزاء.

بعد هذه الكارثة قرر الاتحاد الأوروبي حرمان الأندية الإنجليزية من المشاركة في البطولات الأوروبية لخمسة مواسم، كما منع ليفربول من المشاركة لمدة 10 سنوات في البطولات الأوروبية، خفضت بعد ذلك الى 7 سنوات.

واضطرت رئيسة وزراء إنجلترا "مارجريت تاتشر" الملقبة بالمرأة الحديدية وقتها، للاعتذار للإنسانية، عما بدر من الجماهير الإنجليز خوفًا من أزمة دبلوماسية.


نجوم السياسة يلعبون بكرة القدم

 تحولت الملاعب الخضراء إلى حلبة سياسية، حيث تكالب طوال الوقت نجوم السياسة على الكرة، ونجوم الكرة على السياسة.

ونظرة إلى تاريخ رؤساء الأندية الكبيرة مثل الأهلي والزمالك، فنجد أن أول من تقلد رئاسة هذه النوادي من كبار السياسيين فتولى رئيس الوزراء، عبدالخالق ثروت باشا، وجعفر والي باشا، وزير الحربية رئاسة النادي الأهلي، وفي نادي الزمالك تقلد أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي رئاسة النادي، كان هذا قبل ثورة 52، فقد سعى السياسيون إلى اكتساب جماهيرية عن طريق كرة القدم.

أما بعد ثورة يوليو فقد اهتم قادة الثورة بتقلد المناصب في الأندية والاتحادات الرياضية، وعلى سبيل المثال تولي الفريق عبدالمحسن كامل مرتجى، رئاسة النادي الأهلي، وقد تولى حسن عامر، شقيق الفريق عبدالحكيم عامر رئاسة نادي الزمالك.

ولعبدالحكيم عامر حكاية مع كرة القدم، فقد كان نائب رئيس الجمهورية ورئيس اتحاد الكرة في نفس الوقت، واعتبرها بابًا لفرض النفوذ واكتساب جماهيرية كبيرة، ويعد حيدر باشا، رئيس نادي الزمالك وخال عامر هو مدخله للزمالك، وهو الذي حببه فيه.

أما السياسي الأكبر في علاقته بكرة القدم، هو وزير البترول الأسبق سامح فهمي، والذي أنشأ ناديي "إنبي" و"بتروجيت"، وعلى يده أصبحت أندية البترول محل اهتمام واسع للاعبين المرموقين لم تقدمه هذه الأندية من مميزات تفوق الأندية الكبيرة ذات الشعبية مثل الأهلي والزمالك.

ويقول حسن عثمان، رئيس القسم الرياضي بجريدة الأهالي، إنه باهتمام "فهمي" بالكرة تصدرت صوره وأخباره كل الجرائد المصرية، وأصبحت الكرة إحدى ركائزه الجماهيرية في الحزب الوطني.

أما نجوم الكرة فلهم مشوار طويل مع السياسة وانتخابات مجلس الشعب، بدايةً من صالح سليم، الذي لم يكن له أي علاقة بالسياسة، فطلب منه فؤاد سراج الدين، رئيس النادي الأهلي وقتها، الترشح في انتخابات مجلس الشعب عن حزب الوفد، ولكنه رفض، وكان لسليم علاقة تربطه باللواء حسن أبوباشا، المرشح وقتها في الانتخابات، فحضر سليم ـ مجاملةً له ـ مؤتمرًا انتخابيًا في ميت عقبة أمام نادي الزمالك، ما جعل سراج الدين يضمر له العداء ويتصيد له الأخطاء لينشرها على جريدة الوفد.

ويأتي أحمد شوبير، كأحد ألمع الأسماء الكروية في عالم السياسة، فارتبط بالحزب الوطني الحاكم ارتباطًا وثيقًا، ما ضمن له الفوز في انتخابات مجلس الشعب عن دائرة طنطا، وعندما مالت الكفة ناحية مشروع التوريث، اعتبر شوبير نفسه صديق جمال مبارك، فناداه في إحدى مداخلاته التليفونية "أيوه يا جيمي"، وكانت نكبة سوداء على شوبير وتسببت في خسارته في الانتخابات التالية.

وبعد الثورة برز نجوم الكرة على قوائم الترشيحات لانتخابات مجلس الشعب مثل حارس مرمى مصر السابق "نادر السيد" الذي تصدر قائمة حزب الوسط.

أما هادي خشبة، فقد أعلن صراحةً أنه إخواني ويدعم محمد مرسي في انتخابات الرئاسة 2012، والاسم الأبرز كان اللاعب محمد أبوتريكة الذي كان صديقًا مقربًا لجمال وعلاء مبارك، لينقلب بعد الثورة إلي إخواني يدعم الجماعة بشراسة، وأثير اسمه في تمويل اعتصامات رابعة والنهضة، وهو ما أنكره بدوره.


كرة القدم وطريق التنمية

 تعرضت الأندية المصرية كلها الى أزمة كبيرة بعد ثورة 25 يناير، فبعد إلغاء الدوري في موسم 2011/ 2012، أرسلت "الفيفا" خطابًا لاتحاد الكرة المصري يتضمن إلزام الأندية بسداد قيمة العقود الموقعة مع اللاعب وعدم خصم أي نسبة منها، وزاد الطين بلة بعد مجزرة بورسعيد وتأجيل الدوري الى ديسمبر 2012، وهو ما يعطي الحق للاعب في الرحيل من ناديه دون أي حقوق للنادي، وصاحب هذا الركود الكروي إيقاف الفضائيات والبرامج الرياضية وتوقف الدخل الذي كان يأتي من ثمن التذاكر.

هذا طبعًا الى جانب الفساد المتوغل في أغلبية النوادي، وهو ما فجر أزمة مالية كبيرة لتبدأ الديون في مطاردة الأندية، ولم تجد الأخيرة حلاً سوى التخلص من لاعبيها، أو تخفيض ميزانيات فرق كرة القدم لديها، بل وفكرت بعضها في إلغاء النشاط الكروي كله مثل بتروجيت الذي فكر في دمج فريقه مع أحد أندية البترول.

وبينما تتهافت الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات حول العالم إلى شراء الأندية الكبيرة بما تدر عليها من أرباح مهولة، ويعيد في نفس الوقت أرباحًا طائلة على الدولة التي يقع فيها النادي، فقد باتت ميزانيات بعض هذه الأندية تزيد عن ميزانيات بعض دول العالم الثالث، فتبلغ مثلاً ميزانية نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي العملاق نحو 1.86 مليار دولار أي ما يعادل 7 مليارات جنيه، أما قطاع الكرة في مصر فيعاني أشد المعاناة حيث تبلغ أقصى ميزانية نحو 50 مليون جنيه للنادي الأهلي، تدفعها الشركات الراعية لكرة القدم نحو 140 مليون جنيه كل ثلاث سنوات ولولا هذا الدعم لخسر النادي وأفلس.

ولك أن تتخيل أن ميزانية فريق كرة قدم دمنهور مثلاً تبلغ ثلاثة ملايين جنيه فقط، بما لا يقارن بجزء من ثمن لاعب في أوروبا.

هذا وتدعم الدولة كل النوادي الرياضية وتعتبرها ملكية عامة، ولكن في نفس الوقت، لا ينتفع بها عامة المصريين، وفي نفس الوقت تخسر هذه الأندية باستمرار ما يجعلها عائقًا في وجه التنمية.

والكلام عن تنمية قطاع كرة القدم ليس ترفًا، ولكنه مرتبط بالتقدم وزيادة الدخل القومي.

وفي هذا الصدد، يقول الكاتب عادل اللبان، في مقال له نشر في المصري اليوم بتاريخ 12 نوفمبر 2013، أن الرياضة المصرية تعاني حاليًا، كغيرها من القطاعات، من تردي الأوضاع وتراجع النتائج بشكل عام وعدم وضوح أي سياسات تخدم أهداف التنمية، فلا الرياضة تنتشر وتُحسّن من صحة الشعب ولا هي راعية للتربية الأخلاقية السليمة، ولا هي فاتحة للأرزاق خاصة في ظل عدم انتظام مسابقاتها وعدم الاستثمار فيها بشكل علمي واقتصادي، لذلك يجب إصلاح أوجه هذا القصور بشكل عاجل لأن الرياضة ليست ترفًا أو وسيلة تسلية بل هي عنصر اقتصادي مهم علينا توظيفه بكفاءة وعلم في تحقيق غدٍ أفضل ونهضة مستدامة.

ويقول عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية، إن قطاع الرياضة تعرض لخسائر فادحة خاصةً قطاع كرة القدم الذي يبلغ عدد العاملين به نحو 3 ملايين مصري بدايةً من اللاعبين مرورًا بالمساعدين والمدربين والإعلاميين انتهاء ببائع الأعلام.

ويقدر "السيد" حجم الخسائر بنحو 2 مليار جنيه مصري، ما يؤثر بالسلب على الاقتصاد القومي، وأرجع أسباب الخسائر إلى الاضطرابات السياسية وسوء الحالة الأمنية، ما أدى إلى عدم استكمال المسابقات الكروية مثل السوبر والدوري، إضافةً إلي أحداث الشغب التي يقوم بها الأولتراس والتي كانت في أوجها في أحداث بورسعيد.

ويؤكد "السيد" وجود مشكلة كبرى في إدارة الدولة لقطاع الرياضة، حيث تخضع جميع الأندية الى اتحادات الكرة الحكومية، وإلى الجهاز المركزي للمحاسبات، ما يجعل موارد النادي ضعيفة وغياب المراقبة الحكومية يؤدي إلى حالات فساد مالي وإداري وفي النهاية الخاسر سيكون النادي والدولة.

وعن الحلول الممكنة يقول "السيد" إن خصخصة النوادي واعتبارها شركات وطرح أسهمها في البورصة هي حل أزمتها الاقتصادية، حيث ستضخ إليها أموال جديدة، وموارد جديدة ومن ثم تستفيد النوادي، ومن جهة أخرى تستفيد الدولة عن طريق الضرائب التي تفرضها على رواتب اللاعبين وعلى إيرادات وأرباح النوادي.


الانتصارات الوهمية للكرة

 يخرج الملايين الى الشوارع وفي عيونهم لمعة الانتصار، كرنفال يجوب الشوارع أو خيبة أمل وانكسار في القلوب، مشهد يتكرر في كل دول العالم بلا استثناء عقب الفوز أو الخسارة في مباراة كرة القدم.

تفسر سوسن فايد، أستاذ علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث، شعور الجماهير بهذا الانتصار عقب الفوز في مباراة كرة القدم، بأنهم يشعرون بروح الجماعة والانتماء، وبالقوة وبأنهم قادرون ومؤثرون.

ورغم الظروف المادية السيئة يخرج الملايين من الكادحين والفقراء إلى الشوارع غير مبالين رافعين رايات النصر، وتقول أستاذة علم الاجتماع إن السبب وراء ذلك هو ما تعوضه لهم اللعبة من افتقاد القدرة على تحقيق أحلامهم وأهدافهم، وفقدان الإمكانيات الفردية والجماعية وعجز النظام السياسي على تلبية احتياجاته، فيشعر المواطن الفقير أنه حقق كل شيء من خلال الروح الجماعية في المباراة.

أما سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية، يقول إن الكرة تعطي شعورًا بالنصر السريع الواضح، وهو ما تستغله كل النظم السياسية لمداراة عجزها عن التنمية أو لحشد الجماهير خلف أهداف خاصة لها.

أما الكاتب صلاح عيسى فيرى أن هذا الانتصار مزيف ووهمي وتأثيره يستمر لفترة قصيرة، ويبرهن على ذلك بمحاولة نظام مبارك لحشد جماهيري من خلال الكرة، وهو ما تهاوى سريعًا ولم يسعف النظام أمام ثورة 25 يناير.

انتصار وهمي آخر صنعته الكرة ليس على مستوى الأفراد لكن على مستوى الدول، فبينما شهدت البرازيل حركة احتجاجات تاريخية ضمت نحو مليون شخص في عدة مدن، خرج البرازيليون الى الشوارع محتجون على ارتفاع أسعار النقل العام والنفقات الكبيرة جدًا لتنظيم كأس القارات ومونديال 2014، رغم شهرتهم بعشقهم لكرة القدم، ولكنهم رفضوا أن يجنوا انتصارات كروية في وقت تهمل فيه الحكومة المسائل التي تهم المواطن العادي مثل الصحة والتعليم.

على الجانب الآخر فعل القطريون العكس تمامًا، فهذه الدولة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها المليون وربع المليون فرد، أغلبهم من الأجانب، حاول القطريون في الفترة الأخيرة أن يلعبوا دورًا قياديًا في المنطقة، ولكن مواردهم البشرية لم تسعفهم، ولم يجدوا في جعبتهم سوى النقود لشراء دور وهمي، واشترت قطر كأس العالم 2022.

فكشفت جريدتا "فرانس فوتبول"، و"صنداي تايمز"، أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، رمى بكل ثقله السياسي والمعنوي من أجل أن تفوز الدوحة بتنظيم كأس العالم 2022، علمًا أن قوانين الفيفا تمنع ذلك.

وتطرقت المجلة الفرنسية إلى الدور "المشبوه" الذي لعبه القطري محمد بن همام، الذي كان يشغل منصب رئيس الفيدرالية الآسيوية لكرة القدم سابقًا وعضوًا في الفيدرالية الدولية والذي صرح قبل إعلان النتيجة بأن بريطانيا لا تملك حظًا كبيرًا لاستضافة الكأس، عكس روسيا وقطر، واللتان فازتا في نهاية المطاف بشرف تنظيم دورتي 2018 في 2022.

كما كشفت "صنداي تايمز" أن قطر منحت لعيسى حياتو رئيس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم وللعاجي جاك أنوما 1.5 مليون دولار كونهما عضوين في المجلس التنفيذي للفيفا.

موقف قطر يدفعنا للتساؤل: هل شراء الانتصارات سيجعلها تستفيد فعلاً في تدعيم موقفها في المنطقة.. أم إن انتصاراتها ستكلل بالسراب؟ كما يقول الشاعر الكبير صلاح جاهين

إنسان أيا إنسان ما أجهلك

ما أتفهك في الكون وما أضألك

شمس وقمر وسدوم وملايين نجوم

وفاكرها يا موهوم مخلوقة لك

عجبي.


شعوب العالم تنزل الملاعب الخضراء

 تعدت كرة القدم كونها مجرد لعبة، فأصبحت لها وظيفة سياسية واجتماعية ونفسية، الأمر الذي أدركته أوروبا، سريعًا فخصصت لها فرعًا من فروع المعرفة وهو علم اجتماع كرة القدم وبطبيعة الحال فكما للكرة من وظيفة فهي انعكاس لواقع المجتمع، وخاصةً شخصية اللاعبين، التي تعبر عن الشخصية الوطنية لبلد الفريق القومي.

فالشخصية الوطنية تظهر جليًا في طريقة أداء المنتخبات، فبينما تتسم الشخصية المصرية بالقدرية والقناعة، نجد أداء الفريق المصري يتسم بالكسل، والتحول من الهجوم الى الدفاع إذا ما أحرز هدفًا واحدًا.

على النقيض تمامًا الفريق الياباني الذي يلعب المباراة لآخر دقيقة وكأنه مهزوم حتى لو كان منتصرًا، حيث تتسم الشخصية اليابانية بروح القتال، أما أداء الفريق الألماني يتسم بالقوة واللياقة والجدية كما تتسم الشخصية الألمانية بالدقة والمثابرة على العمل.

وبينما تتسم الشخصية الإفريقية بالهدوء والطيبة يلعب معظم فرقهم بمنطق أن المباراة مجرد لعبة وليست حربًا، وتتسم فرق أمريكا اللاتينية بخفة الحركة وسرعة الأداء بما يتفق مع شخصية شعوبهم التي تحب الرقص.

وعلى صعيد آخر، فيعبر أداء المشجعين أيضًا عن الشخصية الوطنية لبلادهم، فالروح الكرنفالية لشعوب أمريكا اللاتينية والتي وصفها جورج أمادو في روايته "جابريلا قرنفل وقرفة" لا تغيب عن مشجعي أمريكا اللاتينية في المباريات، أما الشعوب الإفريقية فتحول مدرجات كرة القدم الى حلبة رقص سواء كسب أو خسر فريقهم.

والجدير بالملاحظة هم المشجعون الإنجليز الذين يتميزون بالشغب والعنف سواء كسب أو خسر فريقهم المباراة، ويرى البعض أن سبب هذا العنف هو النظام الأخلاقي الصارم الذي تفرضه إنجلترا.

أما المشجعون المصريون فيتميزون بروح التظاهر التي تفرغ انفعالاتهم وخيباتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.


كرة القدم في الأدب والسنيما

 الطبيعي أن يعكس الفن عمومًا مفردات الحياة والواقع الاجتماعي، ومن أهم هذه المفردات اليوم هي كرة القدم التي تكلمت عنها عدة أعمال أدبية وسنيمائية.

ويقول لنا الكاتب والناقد مصطفى بيومي، إن الأدب باعتباره مرآة للواقع فقد اهتم بكرة القدم، وأضاف أن النصف الأول من القرن العشرين لم تظهر كرة القدم في أعمال أدباء هذه الفترة مثل طه حسين أو عباس العقاد أو المازني، وذلك يرجع الى أن الكرة لم تحظ باهتمام عام، غير أن الحياة الثقافية والسياسية كانت غنية جدًا في هذه الفترة.

ولكن مع تصاعد الاهتمام بالكرة وإدراك أهميتها وإمكانية توظيفها لتحقيق أهداف سياسية بدأ اهتمام الأدباء بها.

وتجلى ظهور الساحرة المستديرة داخل أعمال أدبية مثل قصة "حارس المرمى" ليوسف الشاروني، حيث تصف أحداث القصة مباراة كرة قدم بين فريقي قرية والمحافظة التي تتبعها هذه القرية، وتدور أحداث القصة كلها داخل الملعب، في موازاة بين أحداث المباراة من هجوم ودفاع وصد ورد وبين ما في نفس الشخصية الأساسية والقصة.

أما العمل الأكثر تميزًا في تناول كرة القدم هو رواية "ضد مجهول" للكاتب أبوالمعاطي أبوالنجا، والتي عكست التأثير السلبي والفراغ السياسي الذي خلفه إلغاء الأحزاب السياسية.

بينما تعكس قصة "المظاهرة" للكاتب بهاء طاهر، الهاجس الذي راود الكثيرين في الستينات وهو السقوط في دائرة الضياع، حيث تحكي القصة عن شخص يمر بأزمة نفسية فينزل الى الشارع في الوقت الذي يواكب مباراة كرة قدم بين الفريقين الكبيرين فتندلع مظاهرة بسبب الماتش، فينضم إليها البطل.

أما الكاتب الكبير نجيب محفوظ فقد عبر بتفرد كما يصفه لنا الناقد مصطفى بيومي عن شعبية الكرة والدور الحيوي الذي تلعبه في الحياة المصرية، وعبر محفوظ عن ذلك في الروايات التي أخذت الطابع الذاتي مثل "المرايا" حيث يصف الراوي الطفل كيف أنه تلقى دعوة من صديقه لحضور مباراة بين النادي الأهلي والمختلط "الزمالك"، ويصف كيف أن الكرة حققت انتصارًا سياسيًا على المحتل الإنجليزي على أرض الملعب دون دماء، ويكشف محفوظ أيضًا انحيازه لنادي المختلط والى أبرز لاعبيه حسين حجازي على لسان كمال عبدالجواد في قصر الشوق.

أما التناول السنيمائي لكرة القدم فقد عكس الصورة النمطية عن لعبة كرة القدم، فقد تناولتها بشكل فردي من خلال محورة الفيلم على فرد واحد، ومن أبرز الأفلام التي تناولت اللعبة هو فيلم "غريب في بيتي" بطولة نور الشريف وسعاد حسني، وتأليف وحيد حامد وإخراج سمير سيف، ويدور الفيلم حول الشاب الفقير الموهوب الذي يأتي من قريته ليلعب في إحدى الأندية الكبيرة، وهو ما يجعله عرضة للانحراف.

بينما يتناول فيلم "الحريف" بطولة عادل إمام وفردوس عبدالحميد، وإخراج محمد خان، حياة لاعب كرة يعاني أزمات مادية ونفسية بعد اعتزاله الكرة بسبب في الملاعب.

لم تطرق السينما المصرية الى كرة القدم باعتبارها لعبة جماعية، ولم تطرق أيضًا لدورها السياسي في مجتمعاتنا.

ويؤكد لنا أستاذنا مصطفى بيومي أن الكرة ستظهر في الفترة المقبلة سواء داخل الأعمال الأدبية أو السنيمائية، نظرًا لتنامي دورها وتأثيرها خاصةً بعد ثورة يناير.