الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الانتصار التاريخي للشعبوية السياسية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يمكن لنا أن نفهم الدلالة الكبرى لفوز «ترامب» برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية فى المعركة الشرسة التى دارت بينه وبين السياسية المخضرمة «هيلارى كلينتون» إلا بتشريح البنية السياسية للمجتمع الأمريكى.
وقد قام بهذه المهمة بصورة نقدية رائعة عالم الاجتماع الراديكالى الأمريكى س. «رايت ميلز» فى كتابه الشهير «نخبة القوة».
وقد قرر «ميلز» أن الفئات التى تسيطر على المجتمع السياسى الأمريكى هى فئة الجنرالات وفئة رجال الأعمال وفئة السياسيين المحترفين الذين يشغلون مقاعد الكونجرس ومجلس النواب.
فئة الجنرالات سواء كانوا فى الخدمة الفعلية أو بعد تقاعدهم لهم صلات عضوية وثيقة مع مصانع وشركات الأسلحة. وفئة رجال الأعمال هم الذين يمولون الحملات الانتخابية لرؤساء الجمهورية سواء كانوا من الديمقراطيين أو الجمهوريين، وكذلك حملات أعضاء الكونجرس ومجلس النواب. ومعنى ذلك أنه وراء ستار الديمقراطية -باعتبارها أفضل نظام سياسى لتمثيل مصالح الشعب- هناك هذه الفئات الثلاث الفاعلة التى تسيطر بوسائل شتى على النخبة السياسية الأمريكية ابتداء من رئيس الجمهورية حتى أعضاء الكونجرس.
وقد أكد هذه النظرية التى صاغها «رايت ميلز» المرشح الرئاسى «ترامب» الذى فاز –عكس توقع عديد من المرشحين- بمنصب رئيس الجمهورية.
فقد صرح فى مؤتمر صحفى بأنه قام «برشوة» كبار أعضاء النخبة السياسية الأمريكية من خلال تمويله المباشر لحملاتهم الانتخابية بمن فيهم «هيلارى كلينتون» ذاتها!.
كما أنه أشار بصراحة موجعة إلى صور الفساد المتعددة لأعضاء النخب السياسية.
والسؤال الجوهرى هو: ما الذى دفع «ترامب» وهو من كبار أصحاب الملايين فى الولايات المتحدة الأمريكية للانتقال من دور «الممول» إلى دور «المرشح الفعلى» للرئاسة؟.
قد يكون من الأسباب إحساسه أن من حقه أن يحكم مباشرة دفاعا عن مصالحه الشخصية وعن المصالح الطبقية للفئة التى ينتمى إليها بدلا من أن يقوم بدور «الكومبارس» للساسة المحترفين الذين يقوم هو وغيره من أصحاب الملايين بتمويل حملاتهم الانتخابية.
غير أنه أهم من هذه الدوافع الشخصية هناك تحولات كبرى فى المشهد الاجتماعى الأمريكى، أهمها على الإطلاق تنامى ظاهرة «اللا مساواة» كما أكد ذلك عالم الاقتصاد الفرنسى «توماس بيكيتى» فى كتابه الشهير «رأس المال» والذى أكد فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية تتجه إلى التحول من دولة ديمقراطية إلى دولة «أوليجاركية»، بمعنى هيمنة القلة من النخبة الأمريكية على الثروة والسياسية معًا أو كما كنا نصف الوضع السياسى فى عصر الرئيس السابق «مبارك» أنه كان عبارة عن الزواج المحرم بين الثروة والسلطة!.
بمعنى أن رجال الأعمال أصبحوا يشغلون لأول مرة مناصب سياسية ووزارية حتى يقوموا بخدمة مصالحهم الطبقية حتى ولو كان ذلك على حساب طبقات الشعب المتوسطة والفقيرة.
بعبارة أخرى بدأ تنامى سخط متزايد بين المواطنين الأمريكيين بحكم إحساسهم أن تطورات ظاهرة «اللامساواة» معناها إقصاؤهم عن العمل بالسياسة وأهم من ذلك التأثير السلبى على نمط حياتهم نتيجة التضخم من ناحية وارتفاع معدلات البطالة من ناحية أخرى.
ومما يكشف عن ذلك مؤشرات ذات دلالة قد يكون من أهمها حركة «احتلال وول ستريت» الذى يمثل حى البنوك ورجال الأعمال تعبيرا عن السخط الشعبى المتزايد وتلك الحركة فضتها بالقوة قوات الأمن الأمريكية.
وإذا أضفنا إلى ذلك تزايد موجات الهجرة من دول أمريكا اللاتينية ومن المكسيك خصوصا ومزاحمة المهاجرين لأهل البلاد فى مجال العمل لأدركنا أسباب تركيز «ترامب» فى حملته الانتخابية على ضرورة وقف سيل المهاجرين!، بل إنه دعا بصورة فجة إلى بناء سور على حساب المكسيك ذاتها على الحدود لمنع تدفق المهاجرين!.
بعبارة أخرى يبدو أن عديدا من المواطنين الأمريكيين الذين صوتوا لصالح «ترامب» اعتبروه هو الذى سينقذهم بسياساته الجديدة من الآثار السلبية للامساواة من ناحية، ومن تدفق المهاجرين من ناحية أخرى.
وقد حاول «ترامب» ونجح فى الواقع بلغته الشعبوية فى أن يقنع المواطنين العاديين أنه الرئيس الأصلح للولايات المتحدة الأمريكية فى هذه المرحلة التاريخية الفاصلة.
eyassin@ahram.org.eg