الخميس 30 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ثورة «الضياع»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نجحت ميليشيات جماعات العنف والعداء وكتيبة «ثوار السبوبة» الذين يظهرون أوقات الأزمات فى تحول الدماغ والمزاج المصرى واستغلال «الجياع» الذين زاد عددهم بفعل القرارات الاقتصادية الأخيرة والخطيرة، والنزول للشارع- لأول مرة- منذ ثورة ٣٠ يونيو، وساعدتهم فى ذلك قوى سياسية من «أبناء مبارك» الذين يحاولون من جديد إحياء وبعث دورهم الذى مات واندثر بسبب أفعالهم الفاسدة مع رئيسهم على مدار ٣٠ عاما، والدعوة لتظاهرات ضد الغلاء وثورة ضد تجويع المجتمع، وهى فى الأساس ثورة للضياع وليست للجياع!!
كما نجحت كتائب وحشود الإخوان على مواقع التواصل الاجتماعى فى دغدغة مشاعر «الغلابة» بالأرض والعرض وصراخات الكرامة والحرية وشيطنة ثورة يونيو وأحفادها وبنات عمها وأختها... وتزامن ذلك مع إعلام رسمى وخاص ما زال يعمل بلا ضمير، ودون مسئولية أو وطنية، ودون معايير أو مواثيق، حتى أن البعض منهم يتهم بالتآمر بعد أن فتح منابره لمن باع دينه ووطنه بالصوت والصورة فى تسريبات ما زالت محل تحقيقات فى القضية ٢٥٠، ومنهم من جاهد لإسقاط الدولة ودخولها فى فوضى عارمة.
وبعيدا عن القرارات الاقتصادية الأخيرة وتداعياتها الخطيرة، وتسببها فى تحويل جوع المصريين إلى ما يشبه بـ«المجانين» الذين يكلمون أنفسهم فى الشارع، وباتوا يحلمون بألا تشرق عليهم شمس يوم جديد، دون تحصيل جباية جديدة أو زيادة فى أسعار سلعة أو تعريفة ركوب أومصروفات دراسية ...إلخ 
كما يحلمون بأن تنتهى ظاهرة استضافة «الخوابير» الاقتصاديين الذى يخرج بعضهم علينا فى الصباح ليؤكد مناصرة الحكومة فى قراراتها وفى المساء وعلى نفس الفضائية يهاجمها بشدة، ويصف من أصدرها بالانفصال والانفصام عن معاناة المجتمع، بل وبالانفصال عن الحياة تماما.
بعيدا عن ذلك كله، طالب البعض بتنفيذ التجربة الماليزية التى تحققت على يدى «طبيب» لم يكن خبيرا اقتصاديا ولا ورث أو تعلم فنون الاستثمار عن والده مدرس المرحلة الابتدائية، وخلال عدة سنوات تحولت بلاده على يده إلى نمر اقتصادى عملاق، رغم أنه لم ينتظر قروضا من صندوق النقد الدولى، ولا البنك الدولى أو معونات أمريكية أو مساعدات أوروبية وعربية، ولكنه اعتمد على الله، ثم على إرادته، وعزيمته، وصدقه، وراهن على سواعد شعبه وعقول أبنائه، ليضع بلده على الخريطة العالمية، فيحترمه الناس، ويرفعوا له القبعة!!
ماذا فعل الطبيب الماليزى مهاتير محمد لبلاده؟
أولاً: رسم خريطة لمستقبل ماليزيا حدد فيها الأولويات والأهداف والنتائج التى يجب الوصول إليها خلال ١٠ سنوات، وبعد ٢٠ سنة حتى سنة ٢٠٢٠.
ثانيًا: وضع التعليم والبحث العلمى على رأس أجندة الدولة، وخصص أكبر قسم فى الميزانية، ليضخ فى التدريب والتأهيل للحرفيين والتربية والتعليم ومحو وتعليم الإنجليزية وعلوم الإسلام والبحوث العلمية، وأرسل عشرات الآلاف كبعثات للدراسة فى أفضل الجامعات الأجنبية.
وأنشأ أكبر جامعة إسلامية على وجه الأرض التى أخذت بالتطور لتنضم إلى قائمة أهم خمسمائة جامعة فى العالم، يقف أمامها شباب الخليج بالطوابير.
ثالثًا: أعلن للشعب بكل شفافية خطته واستراتيجيته، وأطلعهم على النظام المحاسبى الذى يحكمه مبدأ الثواب والعقاب للوصول إلى «النهضة الشاملة» فصدقه الشعب، وبدأ بزراعة مليون شتلة نخيل زيت فى أول سنتين، لتصبح ماليزيا أولى دول العالم فى إنتاج وتصدير زيت النخيل! 
وفى قطاع السياحة نفذ خطة للوصول بالدخل إلى ٢٠ مليار دولار بدلًا من ٩٠٠ مليون خلال ١٠ سنوات، ولكى يستطيع ذلك، حول المعسكرات اليابانية التى كانت موجودة فى بلاده من أيام الحرب العالمية الثانية إلى مناطق سياحية تشمل جميع أنواع الأنشطة الترفيهية والمدن الرياضية والمراكز الثقافية والفنية، لتصبح ماليزيا مركزًا عالميًا للسباقات الدولية فى السيارات، والخيول، والألعاب المائية، والعلاج الطبيعي.
وفى قطاع الصناعة، حقق نموا عام ١٩٩٦ وطفرة تجاوزت ٤٦٪ عن العام الذى سبقه بفضل المنظومة الشاملة والقفزة الهائلة فى الأجهزة الكهربائية، والحاسبات الإلكترونية.
وفى النشاط المالى، فتح الباب على مصراعيه بضوابط شفافة أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية لبناء أعلى برجين توأم فى العالم «بترو ناس» يضمان ٦٥ مركزًا تجاريًا فى العاصمة كوالالمبور وحدها، وأنشأ البورصة التى وصل حجم تعاملها اليومى إلى مليارى دولار.
رابعا: أنشأ عاصمة إدارية جديدة اسمها «بيتروجيا» بجانب العاصمة التجارية كوالالمبور، وبنى فيها مطارين، بالإضافة إلى الطرق السريعة وعشرات الفنادق ذات الخمس نجوم، وغيرها تسهيلًا للسائحين والمستثمرين الوافدين من الصين والهند والخليج ومن كل بقاع الأرض.
باختصار .. استطاع مهاتير محمد من ١٩٨١ إلى سنة ٢٠٠٣ أن ينقل بلده من بلد متخلف مهمل إلى دولة حضارية تتربع على قمة الدول الناهضة التى يشار إليها بالبنان والبنيان. 
وترافق هذا الازدهار مع تضاعف دخل الفرد الماليزى من ألف دولار عام ١٩٨١ إلى ٢٠ ألفا سنويًا، أما الاحتياطى النقدى فقد ارتفع من ٣ مليارات إلى ٩٨ مليارًا، ووصل حجم الصادرات إلى ٢٠٠ مليار دولار.
واستقال مهاتير عام ٢٠٠٣، وعاش فى منزل ريفى كأى فرد من الطبقة المتوسطة.