الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

واسيني الأعرج: الوطن العربي مشلول منذ نصف قرن وما يحدث نتيجة تكلس الأنظمة.. الثقافة المصرية أضاءت عربيًا في فترة من الفترات وما تزال.. والمصريون انتصروا في اللحظة الأولى الأساسية في ثورتهم

"البوابة نيوز" حاورته في الجزائر..

واسينى الأعرج
واسينى الأعرج
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على هامش فعاليات معرض الجزائر الدولى للكتاب، التقت «البوابة نيوز» الكاتب الروائى والأكاديمى الجزائرى، الدكتور واسينى الأعرج، صاحب التاريخ الحافل بالأعمال الأدبية المتميزة، منها «طوق الياسمين»، «وقائع من أوجاع رجل غامر صوب البحر»، «كتاب الأمير مالك أبواب الحديد»، «البيت الأندلسى»، وغيرها من روائع الأدب الجزائرى والعربى أيضًا.
عبّر الأعرج فى مستهل حديثه عن سعادته بحلول مصر ضيف شرف على النسخة الـ21 للمعرض، وخلال حواره مع «البوابة» تطرّق صاحب «نوّار اللوز»، إلى العديد من الموضوعات الثقافية والسياسية كما تحدث عن ملابسات وظروف كتابة بعض أعماله الأدبية.
■ هل يعتبر اختيار مصر كضيف شرف على معرض الجزائر بداية لعلاقات ثقافية حقيقية بين البلدين؟
- فى الحقيقة أنا سعيد وفخور كثيرًا، وكنت من الذين ناضلوا لأن تأخذ مصر مكانها الطبيعى فى السياق الثقافى العربى، ليس فقط فى الجزائر، خصوصًا بعد القطيعة فى السنوات السابقة، وبعد المشاكل التى عانتها مصر، فمصر من الناحية الثقافية بلد عربى مرجعى والعرب يحتاجونه بقوة، ثم إن الثقافة المصرية أضاءت عربيًا فى فترة من الفترات، ولا تزال طبعًا، ونريد لهذه الثقافة أن تجد مكانها فى السياق العربى والسياق الجزائرى تحديدًا، وأنا عندما سمعت بخبر استضافة مصر من السيد وزير الثقافة الجزائرى سعدت بذلك، واعتبرت أنها ربما تكون مرحلة جديدة فى التعاون الثقافى بين البلدين، وأتمنى أن تستمر، وأنا سعيد كثيرًا بهذا الخيار.
■ قلت فى روايتك «طوق الياسمين»: «نحن نكتب لأننا فى حاجة إلى النسيان أو لمزيد من الألم»، كيف ترى مساحات الألم فى جسد الأمة العربية، وهل للثقافة والفنون دور فى تقليص هذه المساحات، أو تراها -الثقافة- عاجزة عن فعل أى شيء أمام هذا النزف المستمر هنا وهناك؟
- طبعًا نحن نعيش هذا النزف القاسى للأسف، سببه أولًا، الجزء الطبيعى الناتج عن الرغبة فى التغيير، الرغبة أيضًا فى الدفع بهذا الوطن العربى للأمام، لأنه نصف قرن وهو مشلول لا يتحرك، وهناك شيء طبيعى فى جوهر الأشياء، أيضًا بسبب تكلس الأنظمة العربية فى حقبة من الحقب، ولهذا فإن التغير بدل أن يكون سلسًا كان عنيفًا جدًا فى العالم العربى، وبالطبع الثقافة يمكنها أن تلعب دورًا مهمًا، لأن الثقافة هى المادة الأساسية التى تقلل من العنف، وتدفع بالناس إلى التحاور والسجال والنقاش، بمعنى تعويد الجانب العنيف بالمعنى المادى إلى جانبه الإنسانى، وطبعًا نختلف فلنختلف، ولكن أيضًا نملك عقولًا لنفكر بها، وبهذه العقول نستطيع أن ننطلق إلى الأمام، عشنا حقبة عنف فى السنوات الأخيرة، وهذا العنف فى الحقيقة كان مدمرًا، ففى بعض البلدان كان نسبيًا مقبولًا.
فى مصر كانت هناك قدرة على استيعاب العنف، وأتذكر وقت انطلاق الثورة المصرية، كان الجميع يتوقع أن تحدث حالة انفجار، ولكن من الجيد أنه كانت هناك حكمة من كل الأطراف بما فيها طرف النظام الذى انسحب ولم يتعنت، والمصريون انتصروا فى اللحظة الأولى الأساسية فى ثورتهم، وهذا خفف وامتص الصدمة، لأن العنف موجود بالطبع فى كل الحركات التغييرية، ولكن فى مصر تم امتصاصه، فى الحالة التونسية أيضًا تم امتصاصه، لكن فى الحالة الليبية كان الأمر صعبًا حيث تحول إلى حرب أهلية مدمرة، فى اليمن أيضًا تمت السيطرة علي العنف فى البداية ولكن بسبب التدخلات الكثيرة العربية والأجنبية انفلت الأمر، وأصبح أيضًا هناك شكل حرب أهلية بين أطراف متقاتلة أو بين طرفين أساسيين وهما السلطة والحوثيون، إذن الحالة العامة هى حالة عنيفة، لكن هذه الحالة استطاعت الثقافة فى بعض البلدان العربية أن تستوعبها وأن تمتصها وأن تخفف من حدتها.
■ أقمت سنوات كثيرة فى دمشق، كيف أثرت فيك هذه الإقامة، وكيف تشعر حيال ما يحدث فى سوريا الآن من طائفية يُقتل تحت لافتاتها الآلاف، وهل ثمة حلول سلمية فى رأيك لإنهاء هذه المأساة؟
- طبعًا سوريا جزء من كيانى، فأنا أقمت ١٠ سنوات أنا وزوجتى ولدينا ابنان، وهما الابنان الوحيدان، وولدا فى الشام، فالشام علاقتى بها جسدية، وكأن أى جرح بها هو جرح بجسدى، فالعلاقة عميقة جدًا، ولهذا تأسّيت كثيرًا لما يحدث فى سوريا، وأنا لا أعتقد أن ما يحدث فى سوريا هو حرب حقيقية، أُريد لها أن تكون طائفية أُريد لها أن تكون حربا قاهرة، بالإضافة إلى التدخلات الأجنبية أيضًا، وأنا أرى أن سوريا مهما يكن بغض النظر عن النظام تشكل بلدًا حضاريًا كبيرًا مثل العراق، وهو بلد حضارى مهم ووجوده فى تلك المنطقة ربما يستطيع أن يغير فى المعادلات، لو أن التحولات فى البلد سارت بشكل طبيعى، وهى للأسف حدث العكس.
الآن الحركات تعددت لدرجة أنه أصبح من الصعب السيطرة عليها، لأن هناك أكثر من أربع أو خمس وثمانين دولة متدخلة فى سوريا، وهذا لا يخدم مطلقًا لا السلام ولا أى شيء، ومن الصعب أن أتصور سلامًا لأنه من الصعب أيضًا أن ترضى كل الأطراف المتصارعة، لأن الثورة انتقلت الآن من كونها حركة رد فعل ضد النظام أو ضد وضع معين، والسوريون الآن ليسوا المتحكمين فيما يحدث، فهناك أطراف أخرى عربية وأجنبية هى التى تتحكم فى هذه الوضعيات. وكيف يمكن إقناع كل هذه الأطراف والتيارات المتصارعة لأن تعود إلى طاولة الحوار، ولا يوجد خيار آخر فى سوريا سوى التحاور، فكل الأطراف يجب أن تجلس للحوار بما فيها النظام، وتحاول أن تجد الحلول، بدون ذلك فنحن ذاهبون إلى المزيد من تدمير سوريا للأسف.
■ هل ثمة دخل لنشأتك فى ظل ظروف استعمارية ككل أبناء جيلك من كُتاب الجزائر فى أن تصبح كاتبًا فرانكفونيًا؟
- أنا لست كاتبًا فرانكفونيًا، أنا كاتب عربى وأكتب باللغة العربية وأكتب أيضًا باللغة الفرنسية، لكن كتاباتى الأكبر باللغة العربية، طبعًا الجزء الفرانكفونى فى المعادلة، هو أن بعض نصوصى وبعض أبحاثى الجامعية مكتوبة باللغة الفرنسية، وترجمت إلى اللغة العربية، وبالطبع للنشأة ظروف، فأنا كبرت فى المدرسة الفرنسية وما كان لدى خيار آخر، لكن أنا بالقياس لأبناء جيلى كانت عندى فرصة إيجابية، وهى أنى استطعت أن أنتقل من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية بإرادة فعلية، بإرادة منّى ومن العائلة، وأن أتعلم اللغة العربية بالمدرسة القرآنية، لأنها هى الوحيدة التى كانت متاحة، لأن التعلم باللغة العربية كان ممنوعًا فى المدارس، وكانت المساجد صغيرة والمدارس القرآنية صغيرة، وأعتقد أن هذا كان مهمًا لينبئ عن إرادة داخلية، فعلى الرغم من أن اللغة الفرنسية لغة مستعمر إلا أنها لغة تعلم أيضًا.
فى المقابل كانت هناك إرادة قوية لتعلم اللغة العربية، وأنا أقول دائمًا بأن اللغة العربية أنا من ذهبت نحوها، ولم تأتنى، فقد تعلمتها بإصرار مسبق ورغبة كبيرة للسيطرة عليها، حتى أستطيع أن أعبر بها عما بداخلى ككاتب، وعندما بدأت الكتابة بدأت باللغة الفرنسية، ثم تحولت إلى اللغة العربية، لأننى لم أكن أعرف اللغة العربية، ولكننى بعد الدراسة بالمدرسة القرآنية استطعت أن أتعلم اللغة العربية، وأن أطور الكتابة بها بشكل ذاتى، وحينما ذهبت إلى المرحلة الثانوية كانت الجزائر قد استقلت وبدأت عملية التعريب، وكنت فرانكفونيًا فى كل المواد التى درستها. فجميعها كانت بالفرنسية، ما عدا اللغة العربية التى كانت تدرس بالعربية، وإنما باقى المواد مثل العلوم والتاريخ والجغرافيا والرياضيات، كانت تدرس باللغة الفرنسية، وأنا كنت فى القسم العلمى حينها، ولكن كان لدى إصرار على تعلم اللغة العربية والكتابة بها أيضًا.
■ تعرفت على كُتاب كثيرين طوال حياتك فى أنحاء العالم العربى، وزرت الكثير من معارض الكتب.. هل تجد الأعمال الجديدة للأدباء الشباب قادرة على أن تعوض مكانة أعمال الكبار مثل نجيب محفوظ أو حنا مينا أو سعد الله ونوس أو غيرهم من الأجيال الذهبية؟
- كل جيل له سماته الخاصة به، وأنا أتصور شخصيًا أن الجيل الأول أعطى ما عليه بالطبع، وأنت أعطيت أمثلة حقيقية وقادرة مثل نجيب محفوظ وجمال الغيطانى، وقبلهما طه حسين وتوفيق الحكيم، ولكن هذه الأجيال بالنسبة لمصر أو بالنسبة للوطن العربى أعطت ما عليها، وحتى الأجيال التى تلتها التى جاءت فى وقت لاحق مثل يوسف القعيد أو إلياس خورى بلبنان، أو إسماعيل فايد إسماعيل بالكويت، هذه الأجيال التى جاءت فيما بعد أيضًا أعطت ما عليها، الآن فى عالمنا العربى، والعالم أيضا بشكل عام فى حالة انفجار وسائل اتصال اجتماعى، وكل هذه الوسائل سهلت عملية التواصل، وبالتالى أصبحت الكتابة والنشر أسهل مما كانت عليه، وبالتالى نحن رأينا حلقات النشر لعشرات الروايات فى السنوات الأخيرة، وبالتالى عندما يكون النشر سهلًا وبعض دور النشر ليست لديها لجنة قراءة، فأنت تستطيع أن تنشر لمجرد امتلاكك لبعض الأموال، أو يتم النشر مباشرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعى مثل فيسبوك، وهذا الأمر أحدث نوعًا من السهولة فى العامل مع الظاهرة، كما أن الجزائر لعبت دورًا، الإغراءات العربية لعبت دورًا فى أن تدفع أى شخص للنشر، لكن أنا أتصور بالطبع أن هناك نسبة جيدة من الكُتاب الذين ظهروا فى السنوات الأخيرة فى الوطن العربى، وبعضهم فاز بجوائز، وهناك البعض الآخر غث وليست له قيمة، وأنا أعتقد أن هذه المرحلة هى مرحلة انتشار واسعة، ولكن يأتى وقت والكل سيُغربل بسهولة، وأنا لست خائفًا طالما هناك قراء وما دامت هناك رؤية، وما دام هناك أيضًا تأمل وما دامت هناك أيضًا إمكانية للمقارنة بين النصوص القديمة والحديثة. 
■ زرت الكثير من المقاهى الثقافية فى الكثير من العواصم العربية، الآن اختفى بعضها.. هل ترى أن للمقاهى تأثيرًا فى المحيط الثقافى، ومن ثم إعطاء الأدباء سندًا قويًا فى ترسيخ أسمائهم؟
- طبعًا المقاهى الثقافية كانت مهمة سواء فى مصر وحتى عندنا هنا فى الجزائر مقهى اللوتس الذى كان يجتمع فيه المثقفون، ونستطيع أن نقيس درجة نبض الصراعات والأفكار والإبداعات والإسهامات الثقافية من خلال المحاورات داخل هذه المقاهى، وهذه المقاهى تقريبًا اختفت للأسف، وأصبحت تقريبًا غير موجودة، ويمكن أن يكون قد عوضها المقهى الكبير وهو فيسبوك، فهناك الناس يتحاورون، وفى الماسنجر مثلا الناس يتواصلون ويتقاسمون الأفكار.
لنرى الثورات العربية الأخيرة، كيف كان دور التواصل الاجتماعى بها، فالمقاهى تراقب ولكن الفيسبوك وإن كان مراقبًا أيضًا ولكن بطريقة أكثر صعوبة من المقاهى، فهناك حركة يجب أن نقبل بها، وهى أن أنظمة التواصل تغيرت، وبالتالى حتى العلاقة بين الناس تغيرت، ولكن أنا مع فكرة الحفاظ على هذه المقاهى، لأن لها روحًا خاصة ولها متعة خاصة ولها إمكانية للقاء بين المثقفين والمفكرين والشعراء والفنانين، وفضاء كان يجمع حوله الناس، ومثلًا فى فرنسا لا تزال إلى اليوم هذه المقاهى الثقافية التى كان لها دور تاريخى فى حركة الثقافة الفرنسية، ومن الجيد أن نحافظ على مثل هذه المقاهى ولو من باب أنها من التراث.
■ فى ظل الظروف السياسية المشتعلة، هل أنت مع أو ضد تسييس الأدب؟
- أنا ضد تسييس الأدب، لأنك عندما تسيس الأدب فأنت تسطحه، والأدب سيتحول بناء على هذه الممارسة إلى مادة سياسية، وإذا حولت هذا الأدب إلى مادة سياسية، فأنت تخسر هذا الأدب علي المستويين، تخسره كسياسة لأنه ليس سياسة، ولأنه عاجز على أن يكون سياسة، وتخسره أيضًا إذا حاولت أن تفقده أدبيته، فالنص الأدبى بالدرجة الأولى أدب، وليس شيئًا آخر، إذًا أنا أظن أنه يجب أن نلح على أن يظل الأدب أدبًا والسياسة سياسة، ولا يمنع طبعًا أن يتقاطع الأدب مع ما هو سياسى، فهذا يكاد يكون أمرًا طبيعيًا. فالجهد الذى يبذله الكاتب هو الجهد الثقافى أو الجمالى، واشتغاله على اللغة وعلى شخصياته، ولا يمنع أن تكون بعض هذه الشخصيات بها ما هو سياسى. 
■ تتسم بعض شخصيات أعمالك بالبراءة أو نراهم كالأطفال.. لماذا؟
- ليست كل الشخصيات كالأطفال، ففيهم الشياطين وفيهم الملائكة، وفى الحالتين موجودون فى أى رواية وهذا أمر طبيعى، وعندما أقيس ذلك على الحياة نفسها، فأجد أن داخل الحياة هناك هذا النمط، وبالطبع هناك الشخصية المثالية، شخصية تكاد تكون غريبة بعض الشيء فى صورة مجتمع يتصارع ويتقاتل، وتأتى هذه الشخصية كأنها لا تجد مكانها، تمامًا مثل حالة دونكيشوت، رجل مؤمن بشيء ولكن هو فى زمن ليس زمنه، زمن مصالح، زمن قتال إلى آخره، ولكن مع ذلك هو وفى لفكرة، ووراء هذه الفكرة حتى النهاية، لذا نقول إنه بالنسبة لهذا النوع من الشخصيات، أحيانًا قد تتحول إلى شخصية مضحكة، لأن علاقتها مع زمانها متصارعة، وفى نفس الوقت تعيش نوعًا من السلام فى داخلها، وهذه هى المفارقة فأنت عندما تقرأ دونكيشوت فأنت تضحك، ولكنك تضحك من مواقف محزنة فى الحقيقة، فدونكيشوت يحارب طواحين الهواء، أنت تبدو لك أنه يحارب طواحين الهواء من النظرة الخارجية، ولكنه يحارب شيئًا آخر فهو يحارب القوة الشريرة بالنسبة لقناعته، فإذا نحن بين منظورين، نظرة خارجية والنظرة الداخلية أيضًا للشخصية، وهذه الشخصية البريئة هى بريئة صحيح فى علاقتها مع المجتمع، لكن فى الوقت نفسه هى تبحث عن مكانها داخل مجتمع يكاد يكون ليس مجتمعها الطبيعى.
■ نشرت روايتك الأولى «وقائع من أوجاع رجل غامر صوب البحر» فى عام ١٩٨٢، ومنذ ذلك الحين كتبت ما يقارب من الـ١٨ رواية أى بما يعادل رواية كل سنتين، وهذا يؤكد دأبك وإخلاصك للكتابة بشكل عام وللرواية بشكل خاص.. هل ترى أن هذا الأمر ضرورى للكاتب؟.. وهل هذا ينفى فكرة الوحى أو الإلهام الذى ينتظره البعض كثيرًا وقد يأتى وقد لا يأتي؟
- الكتابة أولًا هى جهد ثقافى وذهنى وأيضًا جهد عضلى، لأنه إذا أردت أن تكتب فأنت تجلس على طاولة وتسهر طويلًا، وتتعذب وتنقص من ساعات نومك إلى آخره، فالكتابة فيها جانب عضلى، جانب متعلق بجسدك ككاتب وليس جانبًا إيهاميًا ذهنيًا فقط، ثانيًا، أنت عندما تكتب فى البداية تكون هناك أوهام وهناك إيحاء وتنتظر شيئًا ما يأتيك، ولكن عندما تصير الكتافية حرفية تصبح مشروعًا، فأنت صاحب مشروع وتتبع هذا المشروع وتسير وراءه وتحاول أن تصل به إلى نقطة معينة وبالتالى ما تكاد تنتهى من رواية حتى يكون فى ذهنك رواية أخرى وتشتغل عليها، إذًا أنت لا تنتظر أن ينزل عليك وحي لتكتب.
أنت فى خضم عالم يتحرك بسرعة وأنت عندك واجب ككاتب، أن تسكن هذا العالم، أن تتحرك داخله، أن تعمل داخله، أن تحاول أن تنظم عملك ككاتب وأن تحدد المسارات، فأنا كتبت اليوم رواية العربى الأخير، وأنا على مشارف النهاية بدأت فكرة نساء كازانوفا تدخل فى مخى، فأنا أشتغل فى هذه الرواية، وأنا فى الوقت نفسه أعرف المشروع القادم، الآن انتهيت من نساء كازانوفا وهى موجودة الآن فى معرض الجزائر الدولى للكتاب، والآن عالق بفكرة منذ خمسة شهور وهذه الفكرة سابقة التكوين وليست جديدة، لأن الكتابة عبارة عن نواة وهذه النواة فى حركية دائمة، حتى تصبح كيانًا مثل جنين تبدأ بنقطة وفجأة تتحول إلى كائن حى يتحرك، ثم فى المرحلة الأخيرة تتحول إلى إنسان مكتمل.
■ كتبت روايتك «الليلة السابعة بعد الألف»، ولكن لم أشعر أنها لمحاورة ألف ليلة وليلة أو لمناقشة التاريخ أو لاستعادته ولكن شعرت أنك كتبت هذه الرواية تحت هاجس التجريب أليس كذلك.. حدثنى عن ظروف كتابة هذه الرواية؟
- أولًا: مسألة التجريب موجودة بالتأكيد، فلا يمكن أن نرى نصًا أدبيًا يتطور بدون أن تخترقه هذه النزعات الأدبية، والمسألة تكاد تكون طبيعية، ظروف كتابة هذا النص فى الحقيقة، فى جانب أنك تعارض نصًا قويًا هذا النص مستقر ومستكين وهو نص ألف ليلة وليلة الذى تأثر به الكثير من الكُتاب والأدباء، لكن أنا أردت من وراء هذا النص ـ وأنا لم تهمنى التيمات أو الموضوعات لأن التيمات والموضوعات موجودة فى كل مكان ـ كان يهمنى البنية الداخلية. 
■ ألف ليلة وليلة هل هى لا تزال صالحة لبناء عمل سردى قوى ومقنع بالنسبة للقارئ؟
- أقول أنا نعم، لأنى بنيتها بنية شعبية، وهذه البنية الشعبية تصل بسهولة للناس، ومثلما أنا قرأت ألف ليلة وليلة فى الطفولة، وأراحتنى وأنا أقرأها، لأنى كنت وقتها بين لغتين، إما اللغة القرآنية الكريمة التى كانت بالنسبة لى صعبة وأنا طفل، وبين لغة ألف ليلة وليلة التى كانت بسيطة وعادية وشعبية وتشبه ما كنت أمارسه أنا يوميًا، وبدأت أفكر مع الزمن أن البناء الشعبى البسيط من الممكن أن يستوعب القضايا الكبرى، كالقضايا السياسية والدينية والفكرية والقضايا الإنسانية أيضًا، فلما كتبت فاجعة «الليلة السابعة بعد الألف»، وهى فاجعة تتعلق بالتاريخ الأندلسى، تأكد لى أنه من الممكن لهذا النص أن يستمر فينا، وأن يعيد تحريك وسائطه الداخلية لنكتب نصوصًا حديثة.