الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تمكين الشباب بين التقليد والتجريد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ارتفعت الدعوة لتمكين الشباب على وجه الخصوص بعد ثورة ٢٥ يناير. وبالرغم من غموض المفهوم وتعدد المعانى التي يمكن أن تعطى له فإن المعنى الأبرز كان مطالبة الشباب بأن يكون لهم دور بارز في عملية صنع القرار على كل المستويات. وذلك على أساس أنهم هم الذين أشعلوا الثورة والتي بدأت كمظاهرة احتجاجية محدودة ثم سرعان ما تحولت إلى ثورة شعبية بعد نزول ملايين المواطنين إلى ميادين مصر وشوارعها وهم يهتفون «الشعب يريد إسقاط النظام»، والذي سقط فعلًا نتيجة الضغط الشعبى الشديد.
ولكن كيف يمكن ترجمة شعار «تمكين الشباب» إلى حقيقة واقعة من خلال سلسلة من الإجراءات والسياسات الفاعلة؟
كان هذا هو السؤال الرئيسى والذي حاولت حكومة المهندس «محلب» أن تجيب عنه بإجراء غير مسبوق في الإدارة المصرية العتيدة، وهو تعيين عدد من الشباب ليكونوا معاونين للوزراء، هكذا بغير معايير واضحة.
وتم بالفعل صدور قرارات بذلك في بعض الوزارات، ثم عدل القرار وأصبحت المسألة مقصورة على الشباب الذين يعملون فعلا في الوزارات المختلفة ويتم اختيار معاونين منهم للوزراء بعد اجتياز عدد من الاختبارات منها إتقانهم للغة الإنجليزية!
ومن الواضح أن هذه الإجراءات المتخبطة لم تعكس رؤية متكاملة لتمكين الشباب مع أن هذه الرؤية لها تقاليد عريقة في مؤسستين من أعرق المؤسسات المصرية وهما القوات المسلحة من ناحية، والجامعات ومراكز الأبحاث من ناحية أخرى.
بالنسبة للقوات المسلحة فقد درجت على سياسة التدريب المستمر لشباب الضباط من خلال «فرق حتمية» عبارة عن برامج تدريبية في كل تخصصات القوات المسلحة. وحين يصل الضابط إلى رتبة معينة مثل رتبة العقيد فهو لا يمكن أن يرقى إلى الرتبة التالية وهى العميد بغير أن يكون قد اجتاز برامج تدريبية متنوعة. وتأتى بعد ذلك عملية تأهيل القيادات العليا والتي تتم من خلال دراسات «أركان الحرب» وهم الذين يقودون فعليا فرق وجيوش القوات المسلحة. وقد ترسل القوات المسلحة بعثات إلى دول أجنبية مثل الاتحاد السوفيتى أو الولايات المتحدة الأمريكية للتخصص العسكري الرفيع المستوى غير الموجود في المؤسسات المصرية.
وهكذا يمكن القول إن القوات المسلحة وفقًا لتقاليد عريقة لديها بالفعل رؤية متكاملة لتمكين الشباب من خلال التدريب المستمر والتأهيل رفيع المستوى.
ونفس التقاليد نجدها مطبقة - وإن كانت تتم وفق معايير مختلفة وفى سياق آخر - وذلك في مجال الجامعات. في الجامعة تعين مختلف الأقسام عددًا من الشباب المتميزين بمعنى أنهم أوائل دفعاتهم ليكونوا معيدين. والمعيد هو أول درجة من درجات السلم الأكاديمى وهو يعمل تحت إشراف أساتذته وتدريبهم له على أسس البحث العلمى لكى يعد رسالة للماجستير يرقى بعدها ليصبح مدرسًا مساعدًا. وتستكمل تدريبه بعد ذلك ليعد رسالة للدكتوراه في تخصصه وبعد اجتياز المناقشة بنجاح يرقى ليصبح مدرسًا. وبعد ذلك - لكى يرقى لدرجة أستاذ مساعد ثم بعد ذلك لدرجة أستاذ - عليه أن يتقدم بمجموعة أبحاث متميزة تقرها لجنة علمية مشكلة من كبار الأساتذة.. وهكذا يمكن القول إن لدينا في مصر تقاليد مستقرة في تمكين الشباب في مجال القوات المسلحة من جانب والجامعات ومراكز الأبحاث من جانب آخر.. غير أن الدعوة لتمكين الشباب والتي تصاعدت بعد ٢٥ يناير كانت في حقيقتها تهدف إلى أن يتولى الشباب القيادة السياسية للبلاد.. وليست هناك سابقة لذلك في أي مجتمع معاصر، لأنه في هذه المجتمعات تعد الأحزاب السياسية هي الحاضنة للشباب وتمدهم بالخبرة اللازمة لكى يصبحوا من بعد سياسيين محترفين ورجال دولة. غير أن هذا الدور لم تقم به للأسف الأحزاب السياسية المصرية سواء منها القديمة، أو حتى في الائتلافات الثورية التي كونها الشباب.. وهكذا أصبحت الدعوة الزاعقة لتمكين الشباب بغير تأهيل حقيقى وتدريب جاد يرقى لمستوى تحديات العصر دعوة غوغائية لا معنى لها من قبل أجيال تخرجت في مؤسسات تعليمية منهارة للأسف الشديد.. ومن هنا يمكن القول إن البرنامج الرئاسى الذي اقترحه وطبقه بنجاح فائق الرئيس «السيسى» والفريق العلمى الذي خططه يعد تجديدًا حقيقيًا في مجال تدريب الشباب وإعدادهم للقيادة في كل المجالات.. وقد تخرج الفوج الأول من البرنامج وعدده نحو خمسمائة شاب ينتظر منهم الكثير في مجال تجديد دماء البيروقراطية المصرية والتي هي أحد الأسباب الرئيسية لتخلف المجتمع المصرى.