الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حرب عراقية تركية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الوضع السياسى هو أسوأ ما عرفه البلدان؛ الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، كرر إعلان أن قواته «ستشارك بقوة فى استعادة الموصل» العراقية من تنظيم «داعش».
ورد عليه رئيس الوزراء العراقى، حيدر العبادي: «لن نسمح بمشاركة تركيا فى معركة تحرير الموصل»، والخلافات أكبر من مدينة الموصل، حيث تعكس الصراع الإقليمى والأخطار المحدقة بالمنطقة.
والإعلام العراقى يقوم بتصوير الدور التركى فى الموصل على أنه طائفى معادٍ للشيعة، وهو طرح كاذب يستغل أقوال الصحفيين العرب الذين يترجمون التصريحات التركية وفق هواهم، الحقيقة أن النشاط العسكرى التركى لم يكن قط طائفيًا، لا اليوم ولا بالأمس.. لم يدخل الجيش التركى معركة واحدة ضد الشيعة أو العلويين، لم يقاتل ضد قوات الأسد، أو القوات الإيرانية، أو الروسية، أو «حزب الله». كل المعارك التى خاضتها القوات التركية كانت ضد «داعش»، والأكراد الأتراك الانفصاليين، والأكراد السوريين المتحالفين معهم، وهم جميعًا سنّة وليسوا شيعة. والسبب أنهم يشكلون خطرًا على وحدة تركيا واستقرارها، أى أن العمليات العسكرية التركية لا علاقة لها بالنزاعات الطائفية كما يزعم القادة العراقيون، أو التى يروج لها العرب، الذين يظنون بسذاجة أن تركيا مستعدة للدخول فى حروب طائفية حمقاء، وهى نفسها، أى تركيا، بلد متعدد الإثنيات والأعراق!
وفى رأيى أن الأتراك يدفعون الآن ثمن خطأ معالجتهم بداية الانتفاضة السورية، عندما تحاشوا التدخل فى أزمات المناطق المحاذية لحدودهم، ولَم يرسموا المناطق التى يعدّونها تمس أمنهم القومى وسيدافعون عنها بالقوة، فمحافظة حلب مثلًا تمثل امتدادهم الجغرافى والتاريخى، النتيجة أن إيران هى من وزعت النفوذ داخل سوريا، وهى التى صارت تساوم الغرب والعرب عليه.
أنقرة تريد محاربة تنظيم داعش فى الموصل، ومنع انحراف القتال ضد التركمان والبقية، لكن إيران هى التى تقود المواجهة السياسية والعسكرية؛ بما فى ذلك ضد تركيا، أما الحكومة العراقية، فكلنا ندرك أنها مغلوبة على أمرها، الإيرانيون نجحوا فى ملء الفراغ فى السنوات التى تلت سحب الرئيس الأمريكى باراك أوباما كل قواته، وأسسوا ميليشيات طائفية، منافسة للحكومة، سموها «الحشد الشعبي»، بهدف إضعاف السلطة المركزية، كما فعلوا فى لبنان، وهى الآن تستعد للعبور إلى سوريا أيضًا.
وقد جرب الأتراك القنوات الدبلوماسية، وأرسلوا وفدًا إلى بغداد، ورد العراقيون فبعثوا وفدهم إلى أنقرة، ولم تنجح المساعى. فهل سيدافع الأتراك عن أهالى تلك المناطق التى توجد فى محيطها قواتهم؟ هل سيواجهون «الحشد الشعبي» المتجه لاحتلال تلعفر؟ هل سيفعلون شيئًا فيما لو عبرت ميليشيات «الحشد» نحو الحسكة السورية؟ الإيرانيون يسيرون بسرعة، يسابقون نتائج الانتخابات الأمريكية، ويريدون الاستفادة من عنوان «محاربة الإرهاب» وتوسيعه، ويشنون حروبًا متعددة تهدف لإحكام السيطرة على المعابر الاستراتيجية بين سوريا والعراق ومناطق البترول. ورغم المخاطر على مصالحها، فإنى لا أظن أن عند القيادة التركية شهية للمواجهة، مع العلم بأن جيشها أقوى كثيرًا من إيران والعراق، وأفضل تجهيزًا. القوات الإيرانية وميليشياتها التى جلبتها من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان، تسير باتجاه الحدود التركية وتلاحق القوى السورية المعارضة الموالية لتركيا، وقد شجعت على إقامة منطقة حدودية عازلة للأكراد تكون مثل الفزاعة لحكومة أنقرة. وفى الوقت نفسه يدفع الأتراك الثمن على عدة مستويات اقتصادية وأمنية، فهم يستضيفون أكثر من مليونى لاجئ سورى، ويواجهون مخططًا إيرانيًا روسيًا لنقل المعارك إلى أراضيهم، بدعم الانفصاليين من أكراد تركيا، وقد أعلنها العراقيون الموالون لطهران صراحة، إن تجرأت تركيا على تحديهم فى الموصل، فإنهم سيعملون على تفكيك تركيا نفسها!
الوضع عسير جدًا، ويخطئ الأتراك، مرة أخرى، إن ظنوا أن الحرب ستنتهى عند معسكر بعشيقة فى العراق، حيث توجد قواتهم، لا أبدًا؛ فالإيرانيون يريدون السيطرة على مراكز القرار السياسى فى بغداد ودمشق، ومناطق البترول فى الموصل العراقية ودير الزُّور السورية، وتحجيم تركيا إقليميًا.
مع هذا، أستبعد أن تؤدى التهديدات بين القيادتين العراقية والتركية إلى تصادم الجيشين، بل هدفها محاصرة الأتراك بالتخويف، لإجبارهم على الخروج، حتى تبسط إيران نفوذها على نينوى والمحافظات المجاورة وطرق التجارة البرية وجنوب سوريا والممرات. تركيا فى وضع صعب يتطلب منها أن تشكل معسكرًا مضادًا يثبت مصداقيته على الأرض.
نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط»